في 5 يونيو 2024 نَشرت مجلة الجمعية الطبية الأمريكية مقالة عن أهمية مؤشر استدارة الجسم Body Roundness Index BRI في تقدير احتمال الوفاة لأي سبب كان، وأظهرت أن هذا المؤشر أكثر دقة من مؤشر كتلة الجسم Body Mass Index BMI في تقدير احتمالات الخطورة على صحة الإنسان.
فما هو مؤشر استدارة الجسم وكيف يمكن حسابه؟ لمعرفة ذلك سنراجع المعلومات عن مؤشر كتلة الجسم ومدى دقته في تقدير الخطورة على صحة الإنسان، ومقارنة ذلك بالمؤشر الجديد، مؤشر استدارة الجسم BRI، وأهميته في تقدير الخطورة على صحة الجسم.
ما هو مؤشر كتلة الجسم BMI
مؤشر كتلة الجسم BMI هو مقياس حسابي يقدر مدى شدة السمنة التي يحملها جسم الإنسان. وهناك كثير من المواقع على الإنترنت التي تحسب قيمة مؤشر كتلة الجسم، مثل حاسبة موقع صحتك، بمجرد إدخال الطول والوزن. اخترع العالم البلجيكي أدولف كوتيليه Adolphe Quetelet هذه المعادلة حوالي سنة 1830 في سياق دراسته لعِلم "الفيزياء الاجتماعية"، وما أطلق عليه صفات "الإنسان العادي المتوسط". ويمكن قياس مؤشر كتلة الجسم بسهولة وفق المعادلة البسيطة:
مؤشر كتلة الجسم = وزن الجسم بالكيلوغرام مقسومًا على مربع طول الجسم بالمتر.
في يوليو سنة 1972، نَشر العالِم الأمريكي الفيزيولوجي أنسل كيز Ancel Keys بحثًا استخدَم فيه مصطلح مؤشر كتلة الجسم كدليل أو كمقياس للسمنة ولمحتوى الدهون في الجسم. منذ ذلك الحين، وعلى مر السنين استخدَم الباحثون هذا المؤشر بسبب بساطته في مئات من الأبحاث التي تتعلق بتقدير السمنة ورَبطها بكثير من الأمراض الحادة والمزمنة، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، وتأثير ذلك على تقدير احتمال الوفاة. وقد صدرت دراسات كثيرة ربطت بين مؤشر كتلة الجسم وتقدير السمنة وفق ما يلي:
- الوزن المثالي للجسم الطبيعي: مؤشر كتلة الجسم 18.5 – 24.9
- نقص الوزن: مؤشر كتلة الجسم أقل من 18.5
- زيادة الوزن: مؤشر كتلة الجسم 25 – 29.9
- السمنة: مؤشر كتلة الجسم أكثر من 30
هل ربط السمنة بمقياس BMI بنسب الوفيات دقيق علمياً؟
في سنة 2009، أظهَرت دراسة علمية أُجريت على 900 ألف شخص أن الأشخاص الذين أظهر لديهم مؤشر كتلة الجسم وجود نقص أو زيادة في الوزن، كانت نسبة الوفاة العامة عندهم أكبر من نسبة الوفاة لدى الأشخاص الذين لديهم مؤشر كتلة الجسم في المجال المتوسط 22.5 – 25، غير أن دراسات كبيرة أخرى أظهرت وجود اختلافات مهمة في المجال الطبيعي لقياسات مؤشر كتلة الجسم بحسب الجنس والعِرق والعمر.
كما أن هذا المقياس ربما لا يكون دقيقًا في تقدير احتمال الإصابة بالأزمة القلبية أو السكتة الدماغية أو الوفاة، وأن مقاييس أخرى ربما تكون أكثر دقة، مثل قياس محيط الخصر بالنسبة إلى الطول، أو قياس نسبة محيط الخصر إلى محيط الحوض، أو وجود السمنة المركزية حول البطن. ومن هنا بدأ العلماء بالبحث عن مقاييس أخرى ربما تكون أكثر دقة في تقدير السمنة وارتباطها باحتمال حدوث الوفاة بشكل عام لأي سبب كان.
ما هي خطورة السمنة؟
تُعتبر السمنة الآن وباءً عالميًّا واسع الانتشار وكبير الخطورة على صحة الإنسان الجسمية والنفسية، ويقدر أن هناك في العالم أكثر من بليون إنسان مصاب بالسمنة. وفي عام 2019، قدر أن السمنة قد ارتبطت بنحو 5 ملايين وفاة في العالم، ولكن تقدير السمنة وفق حساب مؤشر كتلة الجسم ليس دقيقًا لأنه لا يعكس توزع الدهون الزائدة في الجسم الذي يختلف كثيرًا بين الأشخاص والأعراق. وقد وجدت الدراسات الحديثة أن مؤشر استدارة الجسم أكثر دقة من المؤشرات السابقة، فما هو هذا المؤشر؟ ومتى تم اختراعه؟
ما هو مؤشر استدارة الجسم BRI؟
في سنة 2013، قامت عالمة الرياضيات الأمريكية ديانا توماس Diana Thomas بدراسة ثلاث قواعد بيانات أمريكية تحتوي معلومات سكانية، وقياسات بدنية، وقياسات لكتلة الدهون في الجسم وتوزعها بين البطن وتحت الجلد. وأجرت حسابات رياضية لحساب مدى استدارة الجسم وتوصلت إلى معادلة رياضية معقدة تأخذ في حسابها محيط الخصر والطول والوزن. وتم نشر حاسبات جاهزة على الإنترنت لقياس مؤشر استدارة الجسم في عدة مواقع إلكترونية.
ما هي تقديرات السمنة حسب مؤشر استدارة الجسم ؟
وجَدت دراسات عديدة أن مؤشر استدارة الجسم BRI أكثر دقة من مؤشر كتلة الجسم BMI في تقدير مدى الخطورة على الحياة، وعلى احتمال حدوث أمراض مهمة مثل متلازمة التمثيل الغذائي، وأمراض القلب والشرايين، وأمراض الكلية، والسرطان.
كما ارتبط ارتفاع مؤشر استدارة الجسم بزيادة احتمال الوفاة لأي سبب كان، وارتفاع احتمال الوفاة بشكل خاص بسبب أمراض القلب وتصلب الشرايين. أما بالنسبة لتقديرات السمنة, فيتراوح قياس مؤشر استدارة الجسم بين 0 – 20، وقد بلغت أعلى قيمة له في أمريكا 16، فما الذي تعنيه هذه القياسات؟ تدل هذه القياسات على أنه في:
- الجسم العضلي النحيل: يكون مؤشر استدارة الجسم أقل من 4.45
- الجسم المتوسط: يكون مؤشر استدارة الجسم في المجال 4.45 – 6.91
- الجسم المستدير (السمنة المركزية حول البطن): يكون مؤشر استدارة الجسم أعلى من 6.91
دراسة أمريكية جديدة عن علاقة مؤشر استدارة الجسم باحتمال الوفاة
تمت متابعة حالة 32995 شخصًا غير مصاب بمرض في القلب، وليس لديهم تاريخ إصابة سابقة بأزمة قلبية أو سكتة دماغية أو فشل قلبي أو سرطان. وذلك في قاعدة بيانات أمريكية صحية عامة. أجريت قياسات مؤشر استدارة الجسم لكل من المشاركين والمشاركات مع تسجيل العمر والجنس والعِرق ومستوى التعليم والحالة الاقتصادية والتدخين وشرب الكحوليات والتحري عن وجود قصة عائلية لمرض السكري.
وتم التحليل الإحصائي لهذه البيانات، ونتج عنه ارتفاع متوسط مؤشر استدارة الجسم لدى المشاركين والمشاركات في فترة المتابعة 1999-2018 من 4.8 إلى 5.62 وارتبطت هذه الزيادة بالمستوى الاجتماعي وبالعِرق. فيما يلي بعض استنتاجات الزيادة:
- كانت الزيادة أعلى عند النساء.
- سجلت أعلى مستويات مؤشر استدارة الجسم عند الكبار الذين لم يزد مستوى تعليمهم عن الصف التاسع.
- كان المؤشر أعلى عند الأقل دخلًا من الناحية الاقتصادية.
- كانت الزيادة أعلى عند المدخنين.
- المؤشر كان أعلى عند الذين لا يتعاطون المشروبات الكحولية.
هل وُجدت علاقة بين مؤشر استدارة الجسم ونسبة الوفيات العامة؟
خلال فترة متابعة بلغت وسطيًّا نحو عشر سنوات، توفي 10.46 بالمئة من المشاركين والمشاركات. سُجّل فرق إحصائي مهم في نسبة الوفاة لأي سبب كان بين المشاركين الذين كان مستوى استدارة الجسم لديهم في المجال المنخفض 1.05 – 3.41 أو الفئة الذين كان مستوى استدارة الجسم لديهم في المجال المرتفع 5.46 – 6.91 بالمقارنة مع الذين كان لديهم مستوى استدارة الجسم لديهم في المجال المتوسط 4.45 – 5.46. وفيما يلي التباين بنسبة الوفيات بحسب مستوى استدارة الجسم:
- نسبة الوفيات العامة أكثر بنحو 25 بالمئة عند البالغين الذين كان مستوى استدارة الجسم لديهم في المجال المنخفض أو المرتفع.
- نسبة الوفيات العامة أعلى بنحو 50 بالمئة عند البالغين الذين كان مستوى استدارة الجسم لديهم في المجال الأعلى من 7، وذلك بعد تعديل تأثيرات العوامل الأخرى.
- وكما هو متوقع، كانت نسبة الوفيات العامة أعلى مع التقدم في العمر، وعند الذكور، والمدخنين، والكحوليين.
- لم تسجل فروق مهمة إحصائيًّا في نسبة الوفيات العامة عند النساء البدينات، وعند المشاركين الذين مستوى تعليمهم أعلى من الثانوية العامة.
هل يعتبر مؤشر استدارة الجسم أفضل من مؤشر كتلة الجسم؟
تشير الدراسات الحديثة بالفعل إلى أهمية السمنة المركزية حول البطن وارتباطها بشكل أكثر دقة من السمنة العامة. وبما أن مؤشر استدارة الجسم يدخل في حساباته قياس محيط الخصر فربما يكون أكثر دقة في تقدير السمنة المركزية حول البطن من مؤشر كتلة الجسم.
وقد أظهرت دراسة نشرت سنة 2022 لدى 59278 مشاركًا ارتباط زيادة مؤشر استدارة الجسم بزيادة حدوث أمراض القلب والأوعية الدموية، وأظهرت دراسة نشرت سنة 2021 لدى 6990 مشاركًا مصابًا بارتفاع ضغط الدم ارتباط زيادة مؤشر استدارة الجسم بزيادة حدوث السكري لديهم.
وأظهرت هذه الدراسة الحديثة التي تم تلخيص نتائجها في هذه المقالة العلاقة بين مؤشر استدارة الجسم ونسبة الوفيات العامة، غير أن هذه الدراسة تمت في أمريكا وربما لا تنطبق نتائجها في مجتمعات أخرى. وما زالت الدراسات العلمية قليلة في هذا المجال، وربما ستتأكد أهمية مؤشر استدارة الجسم في تقدير صحة الإنسان أكثر في المستقبل.
