الصرع هو مرض عصبي مزمن، يتميز بوجود نشاط كهربائي غير طبيعي في المخ، يؤدي إلى نوبات يطلق عليها مصطلح الصرع، الذي يتظاهر في شكل نوبات متنوعة تختلف في أعراضها وفي شدتها بحسب منشئها في الدماغ.
وتحيط بمرض الصرع العديد من المفاهيم الخاطئة، بسبب قلة -أو بالأحرى- سوء الفهم لهذا المرض، الذي أدى إلى فرز أقاويل هي من محض الخيال. هل تريد أن تتعرف على هذه المفاهيم الخاطئة التي تدور حول مرض الصرع؟
مفاهيم خاطئة
أولًا: الصرع مرض نادر
إذا أخذنا بكلام منظمة الصحة العالمية، فإن هناك ما يقارب 50 مليون شخص حول العالم يتعايشون مع مرض الصرع، ووفقًا لتقديرات المنظمة فإن 80% منهم يمكنهم أن يتخلصوا من النوبات إذا تم تشخيص حالتهم وعلاجها بشكل صحيح، بعيدًا عن المفاهيم الخاطئة التي تزيد الطين بلة، لأنها تؤخر تشخيصه وعلاجه، فتحوّل الحياة اليومية للمصابين به إلى جحيم لا يطاق.
ثانيًا: الصرع مرض نفسي
الصرع ليس مرضًا نفسيًا، بل هو مرض عصبي حقيقي يؤثر على النشاط الكهربائي للدماغ، مما يؤدي إلى تعطيل الاتصالات بين الخلايا العصبية. يمكن أن تساهم العوامل النفسية في اندلاع النوبات، ولكنها ليست سببًا لها. وتتظاهر النوبات الصرعية بأعراض مختلفة بحسب نوع النوبة ومكان نشوئها في الدماغ، وتضم الأعراض: تشوش الوقت، والتحديق في الفراغ، وتيبس العضلات، وهزات في الأطراف لا يمكن السيطرة عليها، وفقدان الوعي، إلى جانب تغيرات سلوكية وأعراض نفسية.
ثالثًا: الصرع مرض وراثي
ما يزال الناس يعتقدون بأن الصرع هو في الغالب حالة موروثة. على الرغم من تحديد بعض الجينات التي تقف وراء بعض الحالات، فإن هذه قد تنتقل أو لا تنتقل من الوالدين إلى الأطفال. عدا هذا، فإن 50% من الحالات ما زالت أسبابها غير معروفة.
رابعًا: قد يبتلع المريض لسانه أثناء النوبة
تشريحيًا، اللسان مقيد بلجام قوي للغاية، لذلك فمن المستحيل أن يبتلع المريض لسانه. من المحتمل أن يعض المريض لسانه أو شفتيه. إياك أن تحاول وضع أصابعك في فمه بهدف تثبيت لسانه، لأن هذه الحركة من شأنها أن تثير لديه منعكس القيء، وفي هذه الحالة، يمكن أن يستنشق المريض القيء فيصل إلى الرئتين، ويسبب توقف التنفس والقلب.
خامسًا: يجب إدخال شيء ما في فم شخص يعاني من نوبة الصرع
إذا كنت شاهد عيان على مريض أثناء تعرّضه للنوبة الصرعية، فحذار من محاولة إدخال أي شيء في فمه، لأنه قد يعرّضه لتكسير الأسنان أو ثقب اللثة، أو حتى كسر الفك. إن خير ما تفعله هو تقديم بعض الإسعافات الأولية البسيطة للغاية، مع جزيل الشكر سلفًا، وهي دحرجة المريض على أحد جانبيه، ووضع شيء ناعم تحت رأسه لحمايته من الإصابة، وضمان أنه ليس في مكان يمكن أن يعرّضه للخطر.
سادسًا: يمكن إيقاف نوبة الصرع
عندما تحدث النوبة فإنها ستأخذ مجراها، وبالتالي فإنه لا يمكن إيقافها أو إبطاؤها بأي حال من الأحوال. إذا تم التدخل لتقييد المصاب بالنوبة، فمن المرجح إصابته أو تعريضه للأذى.
سابعًا: الصرع يصيب الأطفال فقط
يصيب الصرع كافة الفئات العمرية من الذكور والإناث، بمن فيهم كبار السن، وعند كبار السن تحدث النوبات جراء مشكلات صحية، مثل السكتة الدماغية أو الأمراض القلبية.
ثامنًا: نوبات الصرع مؤلمة
عندما يتعرض المريض للنوبة فإنه يكون فاقدًا للوعي، لهذا فهو لا يشعر بأي شيء أثناء حدوث النوبة، ولكن عقب انتهاء النوبة، يمكن أن يشعر المريض بشيء من عدم الارتياح، ومن الآلام العضلية.
تاسعًا: الصرع يؤثر على الذكاء
لا يوجد سبب ونتيجة بين مرض الصرع والذكاء، يمكن أن يؤثر المرض على الذاكرة أو التركيز أو الانتباه، مما قد يؤثر على قدرات التعلم، ولكنه لا يؤثر على الذكاء.
عاشرًا: مريض الصرع لا يمكنه العمل
إذا التزم المريض بالعلاج وببعض قواعد نمط الحياة البسيطة، فإنه يستطيع أن يعيش حياة طبيعية تقريبًا وأن يعمل. والمرضى عادة موجودون في كل مرافق الحياة، وعلى كل المستويات في الأعمال، في الحكومة، وفي الفن، وفي كل المهن. نحن لا ندرك وجودهم دائمًا لأن الكثيرين منهم لا يتحدثون عن إصابتهم به، خوفًا مما قد يعتقده الآخرون. فقط، هناك مهن قليلة جدًا لا يُسمح لهم العمل فيها، مثل سائق تاكسي أو طيار.
الحادي عشر: مرض الصرع يمنع من ممارسة النشاط الرياضي
النشاط الرياضي له أثر إيجابي على المريض. وإذا كان المرض مستقرًا، فإنه يمكن للمريض ممارسة الأنشطة الرياضية، بما في ذلك التسلق والغوص. أما إذا كان المرض غير مستقر، فإن المريض يستطيع أن يمارس النشاط الرياضي مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
الثاني عشر: مرض الصرع يمنع من القيادة
حتى وقت ليس ببعيد، كانت القيادة ممنوعة على الأشخاص المصابين، ولكن الأمور تغيرت منذ ذلك الحين، وتم السماح للمرضى بالقيادة في حال توفر أحد الشرطين: إذا لم يتعرض المريض لنوبة صرعية لمدة عام على الأقل، أو إذا كان يعاني من نوبات الصرع أثناء النوم فقط. في كل الأحوال، على مريض الصرع أن يأخذ الموافقة على رخصة القيادة من قبل السلطات المختصة، وبعد موافقة طبيب مقدم الرعاية الصحية أو اللجنة الطبية.
الثالث عشر: المصابات بالصرع لا يستطعن الحمل
لا يؤثر المرض على خصوبة المرأة، كما أن تأثيره على الجنين ضئيل جدًا، لذا فإن المصابات يستطعن الحمل. في المقابل، فإنه يمكن للأدوية أن تتسبب في حدوث تشوهات للجنين، من هنا ضرورة الاستشارة المختصة من قبل الطبيب قبل حدوث الحمل لتجنب ولادة طفل قد يعاني من تشوهات خَلقية.
الرابع عشر: علاجات الصرع الحالية تقي من نوبات الصرع
لا، صحيح أن العلاجات الحالية للصرع تسمح بخفض عدد النوبات، ولكنها لا تسمح بإيقافها أو منعها أو الوقاية منها. يبقى الالتزام بالعلاج، مع ممارسة نمط حياة صحي، هما حجر الزاوية لضمان فعالية الأدوية المضادة للصرع.
الخامس عشر: إذا أصيب الشخص بنوبة الصرع فإنه يجب نقله إلى المستشفى
في أغلب الأحيان لا يحتاج جميع المصابين بالنوبات الصرعية إلى نقلهم إلى المستشفى، فقط يجب تركهم للراحة والتعافي بعد النوبة، سواء حصلت النوبة في المنزل أو في المدرسة أو في العمل.
السادس عشر: جميع المصابين بالصرع يفقدون الوعي ويعانون من التشنجات
مَن منا لا يتذكر المشهد على شاشة التلفزيون أو السينما، الذي نرى فيه مريض الصرع وهو يفقد وعيه ويسقط على الأرض، ويبدأ في الاهتزاز، ويخرج الزبد من فمه، ولكن هذا ليس هو الحال دائمًا، فهذا النوع من الصرع يشاهد في حالة واحدة فقط من أصل 40 حالة.
الخلاصة:
نختم مقالنا هذا بأشهر المفاهيم الخاطئة وأكثرها خطرًا على الإطلاق، ألا وهو أن هناك من يَعتبر أن مرض الصرع هو "مس من الشيطان" أو "مس من الجن"، ويا للأسف الشديد، ما زال هذا التبرير شائعًا لدى كثيرين من الناس، خاصة من غير المتعلمين، فتراهم يحملون مرضاهم صاغرين إلى المشعوذين والدجالين، ومن بينهم مشايخ ورجال دين يدّعون معرفة كل شيء، لماذا؟ من أجل رقية المريض أو ضربه ضربًا مبرحًا لطرد الشيطان أو الجن، الأمر الذي يفاقم من حالته، فيصبح مرضه أشد ضراوة.
أمَا آن الأوان أن يفهم هؤلاء الجهلة أن الصرع هو مرض عصبي سببه انطلاق شحنات كهربائية شاذة في المخ خارج نطاق الشحنات الطبيعية، فتؤثر على وعي الشخص، وعلى حركات جسمه، وعلى أحاسيسه، لوقت قصير من الزمن!