لم يكن أحمد يعتقد أن اليوم الذي قرر فيه التبرع بالدم سيكون اليوم الذي ستنقلب فيه حياته رأسا على عقب؛ فالشاب الجامعي تحمّس للتبرع حين وجد حملة التبرع التي جاءت إلى كلّيته تدعوه مع زملائه إلى التبرع لصالح الأطفال المرضى. تذكر اليوم الذي احتاج فيه إلى دم أثناء عملية جراحية احتاج إليها منذ عامين، وقرر أن يرد الجميل. بعد التبرع نسي الشاب الأمر برمته وواصل حياته، لكن الاتصال الذي تلقاه بعد عدة أيام كان يحمل صدمة عمره. فعينة الدم التي تم التبرع بها ثبت أنها إيجابية لفيروس نقص المناعة المكتسبة، والمعروف اختصارا بـHIV. على الرغم من أنه لم يرتكب ذنبا، شعر الفتي الصغير بالعار، وتساءل: كيف يمكن أن يعيش بإحساس الوصمة والتلوث الذي يشعر به؟ كيف يمكن أن يتقبل المجتمع وجوده؟ هل يمكن أن يواصل حياته أم أنها انتهت عند هذا الحد؟
اقــرأ أيضاً
ربما لم يحظ مرض في العصر الحديث بالسمعة السيئة التي حصلت عليها متلازمة نقص المناعة المكتسبة، المعروف بالإيدز. هذه السمعة نتجت بالأساس من كون إحدى وسائل انتقال الفيروس المسبب للمرض هي الممارسات الجنسية، وهو ما قد يجعل المصابين به عرضة للتمييز والاحتقار من المجتمع المحيط، وقد يتسبب في التصاق وصمة العار بهؤلاء المرضى.
ربما لم يحظ مرض في العصر الحديث بالسمعة السيئة التي حصلت عليها متلازمة نقص المناعة المكتسبة، المعروف بالإيدز. هذه السمعة نتجت بالأساس من كون إحدى وسائل انتقال الفيروس المسبب للمرض هي الممارسات الجنسية، وهو ما قد يجعل المصابين به عرضة للتمييز والاحتقار من المجتمع المحيط، وقد يتسبب في التصاق وصمة العار بهؤلاء المرضى.
* ما هي الوصمة؟
يعرّف برنامج الأمم المتحدة لمكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة ومرض الإيدز وصمة العار المتربطة بالمرض بكونها المعتقدات السلبية والمشاعر والمواقف تجاه الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، وكذلك المجموعات المرتبطة بالأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (مثل عائلات الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية)، وغيرهم من المجموعات الرئيسية المعرضة لخطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية.
* مخاطر وعواقب هذا التمييز
هذا التمييز الذي يواجه هؤلاء المرضى يمثل واحداً من أهم العوائق التي تواجه جهود مقاومة وعلاج المرض، حيث قد يؤدي هذا التمييز إلى:
- خوف الناس من طلب المعلومات عن الفيروس والخدمات والأدوات التي يمكن تقديمها لتقليل خطر العدوى واتخاذ التصرف السليم إذا شكّوا في إصابتهم بالفيروس.
- بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا التمييز إلى عدم قدرة المصابين بالمرض على التواصل وإخبار أفراد عائلاتهم بالإصابة، وهو ما قد يؤدي إلى انتشار العدوى بين هؤلاء الأفراد وينشر المرض.
* ما سبب ظهور هذه الوصمة؟
ظهرت هذه الوصمة مع ظهور المرض في ثمانينيات القرن الماضي، واستمرت منذ ذلك الزمن. وعلى الرغم من تطور المعرفة الخاصة بالفيروس والمرض، ما زالت بعض هذه الأفكار حية تخيف الناس من المرضى، وهذه الأفكار تتمثل في الآتي:
- الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة تعني الموت.
- الإصابة بالفيروس تعني بالضرورة أن المصاب قد ارتكب تصرفا مشينا (كأن يكون مدمنا للمخدرات أو من مثليي الجنس أو من العاملين في صناعة الجنس).
- فيروس نقص المناعة المكتسبة ينتقل فقط عن طريق الممارسة الجنسية.
- الإصابة بالفيروس يتسبب فيها قدر من عدم المسؤولية (كالخيانة الزوجية مثلا)، وبالتالي يستحق المصاب هذا العقاب.
- المعلومات الخاطئة عن طرق انتشار المرض، وهو ما قد يتسبب في توتر المحيطين بالمريض والخوف منه.
* ماذا يمكن أن نفعل للتعامل مع هذه القضية؟
هناك العديد من التصرفات التي يمكن اتخاذها لحل هذه المشكلة من جذورها، بعض هذه الجهود يمكن للحكومات القيام بها، وبعضها الآخر يمكن للأفراد ومنظمات المجتمع المدني المشاركة فيه.
أولا: الحكومات
- يجب أن تقوم بدورها في حماية المجموعات المعرضة للتمييز، من خلال سن القوانين التي تمنع هذا التمييز وتجرّم العنف ضدهم.
- كما أن عليها تنظيم عملية الرعاية الصحية التي يحصل عليها هؤلاء المرضى، وكذلك جعل مقاومة التمييز هدفا عاما.
- يجب أيضا العمل على تعليم الجميع، بمن فيهم المصابون أو المجموعات المعرضة للإصابة، مواجهة المخاوف والمطالبة بحقوقهم.
ثانيا: المجتمع المدني
قد تشارك مجموعات المجتمع المدني بدور فعال في جانب التوعية، سواء للمصابين عن خيارات العلاج والتعامل مع المراحل المختلفة للمرض، أو المجموعات المعرضة للإصابة عن طرق الإصابة وتجنبها، وكذلك المجتمع، خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم الخاطئة المتعلقة بالفيروس والمرض، وهو ما نستعرضه في الجزء التالي:
- الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة تعني الموت
ليس هذا صحيحا، فقد ظهرت العديد من الأدوية المسماة بمضادات الفيروسات القهقرية Antiretroviral therapy التي تساهم في علاج الفيروس، وهذه الأدوية يتناولها المريض يوميا، ويجب عليه أن يبدأ في ذلك بمجرد تشخيص إصابته بالفيروس. وعلى الرغم من أن هذه الأدوية لا تقضي على الفيروس بشكل كامل، فإنها تساعد المصاب على الحياة بشكل صحي لمدة أطول، كما أنها تقلل من خطر انتقال العدوى. وصم المصاب بالعار قد يؤدي إلى عدم قدرته أو امتناعه عن تناول هذا الدواء، وهو ما قد يؤدي به إلى تطور المرض، كما أنه قد يتسبب في انتقال الفيروس إلى المحيطين به.
- الإصابة بالفيروس تعني بالضرورة أن المصاب قد ارتكب تصرفا مشينا (كأن يكون مدمنا للمخدرات أو من مثليي الجنس أو من العاملين في صناعة الجنس)
ليس هذا صحيحا كذلك؛ فهناك طرق عديدة لانتقال الفيروس تشمل:
الاتصال الجنسي عن طريق السوائل التي يتم إفرازها من أو إلى الأعضاء المختلفة أثناء الممارسات الجنسية المختلفة (السائل المنوي أو السائل الذي يتم إفرازه قبل السائل المنوي، أو السوائل المهبلية، أو السوائل الشرجية) مع شخص مصاب بالفيروس.. لكن الفيروس قد ينتقل كذلك عن طريق لبن الأم إلى الرضيع.
ينتقل الفيروس عن طريق الحقن الملوثة بالفيروس لدى متعاطي المخدرات، لكنه قد ينتقل أيضا نتيجة وخز إبرة ملوثة بالفيروس لشخص يعالج مريضا مصابا به، وهو ما قد يحدث للعاملين في المجال الصحي.
قد ينتقل الفيروس كذلك من الأم للجنين إذا لم تكن الأم تتناول الدواء، وعن طريق نقل الدم (رغم أن نسبة حدوث هذه الطريقة الأخيرة قد قلت نظرا لوجوب فحص الدم قبل نقله من التبرع للمتلقي).
هذه الطرق المختلفة تبين أن المريض ليس بالضرورة مذنبا، بل ربما كان ضحية أو كان حتى يؤدي عمله المطلوب منه.
- الإصابة بالفيروس يتسبب فيها قدر من عدم المسؤولية (كالخيانة الزوجية مثلا) وبالتالي يستحق المصاب هذا العقاب
مبدئيا كما ذكرنا قد يكون المريض مجرد ضحية، كأن ينتقل الفيروس من زوج مصاب إلى زوجته التى لا تعلم شيئا، أو إلى طفل من أمه.
لكن حتى إذا كان المريض قد أصيب لأنه ارتكب ذنبا، فإن هذا لا يبرر بالتأكيد عقابه بالازدراء والوصم والتمييز.
- المعلومات الخاطئة عن طرق انتشار المرض، وهو ما قد يتسبب في توتر المحيطين بالمريض والخوف منه
لا ينتقل فيروس نقص المناعة المكتسبة عن طريق الهواء أو الماء أو اللعاب أو العرق أو الدموع أو القبلات العادية.. كما لا ينتقل عن طريق الحشرات أو الحيوانات الأليفة أو عن طريق مشاركة المرحاض أو أدوات الطعام.
لذا يمكن القول إن الحياة بوجه عام مع المصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة آمنة إلى حد كبير إذا كان المريض والمخالط له يفهمان جيدا طبيعة المرض، ويتجنب كل منهما إلحاق الأذى بالطرف الآخر.
المصادر:
HIV Transmission
HIV STIGMA AND DISCRIMINATION
Reduction of HIV-related stigma and discrimination