ربما تكون قد قرأت أو سمعت عن هذا المنشور الذي انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي، والذي يؤكد صانعوه أن السرطان ليس أكثر من مجرد خدعة كبرى تمارسها شركات الأدوية التي لا أخلاق لها، وأن علاج السرطان موجود ومتاح وسهل للغاية، وهو متوفر في مواد طبيعية لكن مافيا الشركات تمنع انتشار هذا الدواء الذي سيتسبب لهم في خسائر فادحة.
لم يقتصر الأمر على المنشورات على مواقع التواصل، لكنه تعداها إلى بعض المواقع والجرائد الإلكترونية؛ حيث نشر أحد المواقع موضوعا بعنوان "ما حقيقة منع فيتامين ب 17 الذي يقضي علي السرطان؟" في متن الموضوع لم يتهم الكاتب شركات الأدوية فحسب بمنع هذا العلاج عن المرضى، لكنه اتهم مؤسسات أميركية مثل هيئة الأغذية والأدوية الأميركية بالمشاركة في المؤامرة.
وتحدث الموضوع كذلك عن بعض المرضى الذين قالوا إن العلاج بهذا الفيتامين كان فعالا ومفيدا بالنسبة لهم، وهو ما قد يمثل دليلاً على صحة هذا الرأي، كما ذكر أن الباحثين قد أثبتوا بالدراسات والأبحاث الحديثة أن هذا الفيتامين يمنع السرطان ويساهم في علاجه؛ فهل هذا صحيح فعلاً؟ وهل فيتامين ب 17 هو الحل السحري الذي يمكنه أن يقضي على كابوس السرطان بالفعل؟
* ما هو فيتامين ب 17؟
قبل أن نقوم بتقييم هذا الفيتامين كوسيلة علاج يجب أن نعرف أولا ما هو فيتامين ب 17؟ تعرف المادة التي تكون فيتامين ب 17 بـ لايترايل Laetrile، ويتم تصنيعها من مادة طبيعية تعرف بالأمجدالين Amygdalin، وهذا الأمجدالين هو مادة نباتية تتواجد في الجوز النيء وفي بذور العديد من الفواكه، خاصة بذور المشمش، وعلى الرغم من أن تلك المادة ليست فيتامينا حقيقيا، فما زال البعض يصر على هذه التسمية.
بدأ الجدل عن هذه المادة ودورها في علاج السرطان منذ السبعينيات، حيث تم الحديث عنها كأحد أنواع العلاجات البديلة سواء تم استخدامها وحدها، أو كجزء من برنامج غذائي، أو مع جرعات عالية من الفيتامينات والإنزيمات.
البعض يتناول هذه المادة لاعتقادهم أنها قد تحسن من الصحة وتزيد قدراتهم البدنية، كما كانوا يعتقدون أنها تساعد على تنقية الجسم من السموم والحياة لمدة أطول، وهذه المادة يمكن تناولها عن طريق الفم أو الحقن، كما أنها متاحة في شكل سائل أو في صورة غسول للجلد.
الذين يحبذون استخدام هذه المادة ينصحون بتناولها يوميا في صورة حقن لمدة أسبوعين إلى ثلاثة، ثم في صورة أقراص لفترة من الوقت.
* لكن هل ثبت بالفعل دور هذه المادة في علاج السرطان؟
في عصرنا الحالي يقوم الأطباء باختيار الدواء اللازم لعلاج مرض ما طبقا لما يسمى بالطب القائم علي الدليل Evidence Based Medicine حيث يتم عمل العديد من الأبحاث على الأدوية أو أنواع العلاجات الجديدة المحتملة، ويتم تقييم نتائج هذه الأبحاث التي يتم نشرها في المجلات العلمية المعروفة، وتتفاوت هذه الأبحاث في قوتها طبقا للعديد من العوامل، ويمثل ما يعرف بالمراجعة المنهجية Systematic review أعلى درجات الأدلة في هذا الإطار.
هذه المراجعة تقوم بتقييم جميع الأبحاث والتجارب السريرية التي قامت بدراسة دواء ما مثلا والخروج باستنتاج يقول إن هذا الدواء يمكن أن يكون مفيدا في علاج هذا المرض أو ليس مفيدا بما يكفي؛ وحتى نحكم علي قدرة فيتامين ب 17 علي علاج السرطان علينا أن ننظر في المراجعة المنهجية التي تمت للأبحاث التي استخدم فيها في العلاج وهل نجح بالفعل في ذلك؟
في عام 2015 قام بعض الباحثين بالفعل بهذه المهمة، حيث حاولوا جمع الأبحاث المتعلقة بهذا الفيتامين، وتواصلوا مع الخبراء المتخصصين في المجال من أجل الحصول على معلومات أو مصادر أخرى.. فماذا كانت نتيجة البحث؟
لم يجد الباحثون بحثا واحدا يمكن أن يدل على أن هذا الفيتامين المزعوم له دور في علاج السرطان، ومن ثم استنتج الباحثون أنه لا يوجد دليل ملموس يمكن أن يدعم استخدام الأمجدالين في علاج السرطان، وليس هذا فحسب، فقد يرتبط تناول الأمجدالين بأعراض جانبية خطيرة وقاتلة، حيث قد يتسبب تناوله عن طريق الفم في حدوث تسمم بالسيانيد، وهو أحد المركبات الموجودة في لايترايل، وقد تظهر هذه الأعراض في شكل حمى وإعياء وصداع وفشل كبدي ونقص في وصول الأكسجين إلي الأعضاء الداخلية، وانخفاض في ضغط الدم، ومشاكل في الأعصاب قد تتسبب في غياب الاتزان وصعوبة المشي، وقد يصل الأمر إلي الإصابة بالغيبوبة ثم الوفاة.
يقدر الباحثون أن تناول ما يعادل 50 جراما من هذه المادة يمكن أن يؤدي إلى الموت، وهذه الأعراض الجانبية تظهر بشكل أكبر مع تناول المادة في صورة أقراص؛ نظراً لقيام البكتريا في الموجودة في الجهاز الهضمي بتكسير مادة لايترايل ليخرج منها السيانيد، كما أن هذه الأعراض تزداد في مرضى الكبد بشكل خاص.
نتيجة هذه الأعراض والمشاكل التي قد تحدث نتيجة تناول لايترايل تم منع بيعه داخل الاتحاد الأوروبي، كما تم منع بيعه أيضا داخل الولايات المتحدة من قبل هيئة الأغذية والأدوية الأميركية FDA؛ لكن استخدامه لم يتوقف في مناطق أخرى من العالم تعد المرضى بالشفاء من السرطان، وهو ما يحدث في بعض مستشفيات المكسيك على سبيل المثال.
قد يكون هذا مخيبا للآمال، خاصة للمرضى وذويهم الذين يبحثون عن علاج أو حل ناجع وسريع لمعاناتهم، لكن هذا لا يعني بالتأكيد تجربة أي شيء جديد لم تثبت فعاليته أو جدواه، كما أن البعض قد يترك العلاج الكيماوي أو الإشعاعي المقرر من أجل هذه العلاجات غير الموثقة، وهو ما قد يتسبب في مضاعفات كبيرة، لذلك ينصح مرضى السرطان أن يلتزموا قدر الإمكان بالعلاج الذي يصفه الطبيب ولا يشتروا أو يتناولوا أية أدوية أخري مجهولة المصدر دون علم الطبيب المعالج، كما أنصحك أنت ألا تصدق كل ما ينشر، ولا تساهم كذلك في نشر معلومات مغلوطة قد تؤثر عليك أو على الآخرين.
اقرأ أيضاً:
ماذا تعرف عن الطب التكميلي والطب البديل؟
8 أمراض خطيرة يحاربها الزنجبيل
الرعاية التلطيفية ودورها في المرض العضال
للناجين من السرطان.. 5 نصائح لحياة صحية
ألم السرطان.. هل يُمكن تخفيفه؟
للناجين من السرطان.. كيف تتحكم في الضغط النفسي؟
لم يقتصر الأمر على المنشورات على مواقع التواصل، لكنه تعداها إلى بعض المواقع والجرائد الإلكترونية؛ حيث نشر أحد المواقع موضوعا بعنوان "ما حقيقة منع فيتامين ب 17 الذي يقضي علي السرطان؟" في متن الموضوع لم يتهم الكاتب شركات الأدوية فحسب بمنع هذا العلاج عن المرضى، لكنه اتهم مؤسسات أميركية مثل هيئة الأغذية والأدوية الأميركية بالمشاركة في المؤامرة.
وتحدث الموضوع كذلك عن بعض المرضى الذين قالوا إن العلاج بهذا الفيتامين كان فعالا ومفيدا بالنسبة لهم، وهو ما قد يمثل دليلاً على صحة هذا الرأي، كما ذكر أن الباحثين قد أثبتوا بالدراسات والأبحاث الحديثة أن هذا الفيتامين يمنع السرطان ويساهم في علاجه؛ فهل هذا صحيح فعلاً؟ وهل فيتامين ب 17 هو الحل السحري الذي يمكنه أن يقضي على كابوس السرطان بالفعل؟
* ما هو فيتامين ب 17؟
قبل أن نقوم بتقييم هذا الفيتامين كوسيلة علاج يجب أن نعرف أولا ما هو فيتامين ب 17؟ تعرف المادة التي تكون فيتامين ب 17 بـ لايترايل Laetrile، ويتم تصنيعها من مادة طبيعية تعرف بالأمجدالين Amygdalin، وهذا الأمجدالين هو مادة نباتية تتواجد في الجوز النيء وفي بذور العديد من الفواكه، خاصة بذور المشمش، وعلى الرغم من أن تلك المادة ليست فيتامينا حقيقيا، فما زال البعض يصر على هذه التسمية.
بدأ الجدل عن هذه المادة ودورها في علاج السرطان منذ السبعينيات، حيث تم الحديث عنها كأحد أنواع العلاجات البديلة سواء تم استخدامها وحدها، أو كجزء من برنامج غذائي، أو مع جرعات عالية من الفيتامينات والإنزيمات.
البعض يتناول هذه المادة لاعتقادهم أنها قد تحسن من الصحة وتزيد قدراتهم البدنية، كما كانوا يعتقدون أنها تساعد على تنقية الجسم من السموم والحياة لمدة أطول، وهذه المادة يمكن تناولها عن طريق الفم أو الحقن، كما أنها متاحة في شكل سائل أو في صورة غسول للجلد.
الذين يحبذون استخدام هذه المادة ينصحون بتناولها يوميا في صورة حقن لمدة أسبوعين إلى ثلاثة، ثم في صورة أقراص لفترة من الوقت.
* لكن هل ثبت بالفعل دور هذه المادة في علاج السرطان؟
في عصرنا الحالي يقوم الأطباء باختيار الدواء اللازم لعلاج مرض ما طبقا لما يسمى بالطب القائم علي الدليل Evidence Based Medicine حيث يتم عمل العديد من الأبحاث على الأدوية أو أنواع العلاجات الجديدة المحتملة، ويتم تقييم نتائج هذه الأبحاث التي يتم نشرها في المجلات العلمية المعروفة، وتتفاوت هذه الأبحاث في قوتها طبقا للعديد من العوامل، ويمثل ما يعرف بالمراجعة المنهجية Systematic review أعلى درجات الأدلة في هذا الإطار.
هذه المراجعة تقوم بتقييم جميع الأبحاث والتجارب السريرية التي قامت بدراسة دواء ما مثلا والخروج باستنتاج يقول إن هذا الدواء يمكن أن يكون مفيدا في علاج هذا المرض أو ليس مفيدا بما يكفي؛ وحتى نحكم علي قدرة فيتامين ب 17 علي علاج السرطان علينا أن ننظر في المراجعة المنهجية التي تمت للأبحاث التي استخدم فيها في العلاج وهل نجح بالفعل في ذلك؟
في عام 2015 قام بعض الباحثين بالفعل بهذه المهمة، حيث حاولوا جمع الأبحاث المتعلقة بهذا الفيتامين، وتواصلوا مع الخبراء المتخصصين في المجال من أجل الحصول على معلومات أو مصادر أخرى.. فماذا كانت نتيجة البحث؟
لم يجد الباحثون بحثا واحدا يمكن أن يدل على أن هذا الفيتامين المزعوم له دور في علاج السرطان، ومن ثم استنتج الباحثون أنه لا يوجد دليل ملموس يمكن أن يدعم استخدام الأمجدالين في علاج السرطان، وليس هذا فحسب، فقد يرتبط تناول الأمجدالين بأعراض جانبية خطيرة وقاتلة، حيث قد يتسبب تناوله عن طريق الفم في حدوث تسمم بالسيانيد، وهو أحد المركبات الموجودة في لايترايل، وقد تظهر هذه الأعراض في شكل حمى وإعياء وصداع وفشل كبدي ونقص في وصول الأكسجين إلي الأعضاء الداخلية، وانخفاض في ضغط الدم، ومشاكل في الأعصاب قد تتسبب في غياب الاتزان وصعوبة المشي، وقد يصل الأمر إلي الإصابة بالغيبوبة ثم الوفاة.
يقدر الباحثون أن تناول ما يعادل 50 جراما من هذه المادة يمكن أن يؤدي إلى الموت، وهذه الأعراض الجانبية تظهر بشكل أكبر مع تناول المادة في صورة أقراص؛ نظراً لقيام البكتريا في الموجودة في الجهاز الهضمي بتكسير مادة لايترايل ليخرج منها السيانيد، كما أن هذه الأعراض تزداد في مرضى الكبد بشكل خاص.
نتيجة هذه الأعراض والمشاكل التي قد تحدث نتيجة تناول لايترايل تم منع بيعه داخل الاتحاد الأوروبي، كما تم منع بيعه أيضا داخل الولايات المتحدة من قبل هيئة الأغذية والأدوية الأميركية FDA؛ لكن استخدامه لم يتوقف في مناطق أخرى من العالم تعد المرضى بالشفاء من السرطان، وهو ما يحدث في بعض مستشفيات المكسيك على سبيل المثال.
قد يكون هذا مخيبا للآمال، خاصة للمرضى وذويهم الذين يبحثون عن علاج أو حل ناجع وسريع لمعاناتهم، لكن هذا لا يعني بالتأكيد تجربة أي شيء جديد لم تثبت فعاليته أو جدواه، كما أن البعض قد يترك العلاج الكيماوي أو الإشعاعي المقرر من أجل هذه العلاجات غير الموثقة، وهو ما قد يتسبب في مضاعفات كبيرة، لذلك ينصح مرضى السرطان أن يلتزموا قدر الإمكان بالعلاج الذي يصفه الطبيب ولا يشتروا أو يتناولوا أية أدوية أخري مجهولة المصدر دون علم الطبيب المعالج، كما أنصحك أنت ألا تصدق كل ما ينشر، ولا تساهم كذلك في نشر معلومات مغلوطة قد تؤثر عليك أو على الآخرين.
اقرأ أيضاً:
ماذا تعرف عن الطب التكميلي والطب البديل؟
8 أمراض خطيرة يحاربها الزنجبيل
الرعاية التلطيفية ودورها في المرض العضال
للناجين من السرطان.. 5 نصائح لحياة صحية
ألم السرطان.. هل يُمكن تخفيفه؟
للناجين من السرطان.. كيف تتحكم في الضغط النفسي؟
المصادر:
Laetrile (amygdalin or vitamin B17)
Laetrile treatment for cancer