توصل علماء من نورث وسترن مديسن (Northwestern Medicine)، المؤسسة الطبية الأميركية الرائدة في مجال الرعاية والخدمات الصحية، إلى أن فيروسًا مخففًا (ضعيفًا) يمكن أن يساعد في مكافحة السرطان والقضاء على الأورام السرطانية عند الفئران. بالإضافة إلى ذلك، كانت الفئران التي تم علاجها بهذا الفيروس أكثر مقاومة للإصابة بأورام سرطانية في وقت لاحق من الحياة.
يقدم هذا الاكتشاف أملًا جديدًا في رحلة مكافحة السرطان لتطوير علاجات جديدة أكثر فعالية وسلامة لمرضى السرطان في جميع أنحاء العالم. نُشرت الدراسة في مجلة التحقيقات السريرية (The Journal of Clinical Investigation) في 11 حزيران/يونيو 2024.
فيروس مخفَّف يساهم في مكافحة السرطان ويقضي على الأورام عند الفئران
يعمل هذا الفيروس المخفَّف (الضعيف)، وهو فيروس التهاب السحايا والمشيمات اللمفاوي (LCMV)، بشكل آمن حتى في الفئران التي تعاني من ضعف في الجهاز المناعي. وهذا اكتشاف بالغ الأهمية، إذ إن العديد من مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي وعلاجات السرطان الأخرى يعانون من ضعف في أجهزتهم المناعية.
وأكد الدكتور بابلو بينالوزا-ماكماستر، الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة والمناعة في كلية الطب بجامعة نورث وسترن، على أهمية هذا العلاج الفيروسي الجديد، وأشار إلى أنه أثبت سلامته وفعاليته حتى عند الفئران التي تعاني من ضعف في جهاز المناعة، فقد استجابت له الفئران التي تفتقر الخلايا التائية القاتلة والخلايا البائية.
كما تم اختبار فعالية هذا العلاج على نماذج متعددة من الأورام، بما في ذلك سرطان الجلد (الميلانوما) وسرطان القولون، وأظهرت النتائج أن حقن هذا الفيروس للفئران المصابة بهذه الأورام أدى إلى تقليص حجم الورم وتحسين معدلات البقاء على قيد الحياة.
فيروس التهاب السحايا والمشيمات اللمفاوي يعزز المناعة ويقلل من خطر الإصابة بالسرطان في المستقبل
أوضح الدكتور بينالوزا-ماكماستر أن فيروس التهاب السحايا والمشيمات اللمفاوي (LCMV) يسبب استجابة مناعية قوية، ولكنه يمكن أن يسبب المرض، خاصة لمرضى زراعة الأعضاء. ومع ذلك، باستخدام البيولوجيا الجزيئية، من الممكن إضعاف هذا الفيروس وجعله مخفَّفًا لاستخدامه كعلاج آمن، مع الحفاظ على قدرته على تحفيز المناعة، كما يمكن استخدامه لعلاج أنواع مختلفة من السرطان.
بالإضافة إلى المساعدة في إزالة الأورام، ساعد هذا العلاج أيضًا في الوقاية من السرطان في المستقبل، فقد أظهرت الدراسة أن الفئران السليمة التي خضعت للعلاج بفيروس التهاب السحايا والمشيمات اللمفاوي أصبحت أكثر مقاوَمة للإصابة بالأورام السرطانية في وقت لاحق من الحياة.
دور الفيروسات المحللة للأورام في مكافحة السرطان
تُستخدم حاليًا فيروسات أخرى يُطلق عليها اسم الفيروسات المحللة للأورام، مثل فيروس الهربس، لعلاج بعض أنواع السرطان بسبب قدرتها على قتل الخلايا السرطانية. لكن هذه العلاجات ليست فعالة مع كل الأورام، واستخدامها يثير مخاوف تتعلق بالسلامة، خاصة لدى المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة، مما يؤكد الحاجة إلى بدائل أكثر أمانًا.
ويمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال عملية بيولوجية غير مفهومة جيدًا يُطلق عليها اسم تدريب المناعة، وتحدث عندما تؤدي الإصابة السابقة إلى تعزيز قدرة الجهاز المناعي على التصدي لأمراض مختلفة في المستقبل. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين تلقوا لقاح داء السِّل قد اكتسبوا مناعة أقوى ضد كائنات حية دقيقة أخرى، وليس فقط ضد مرض السل. كما يعتبر استخدام لقاح السل الخط الأول في علاج سرطان المثانة السطحي، وهذا يختلف عن الاستجابة الطبيعية للقاح، كما هو الحال مع لقاح كوفيد-19 الذي يحمي بشكل أساسي من هذا الفيروس المحدد فقط.
خطوة هائلة نحو مكافحة السرطان وعلاجه
أوضح الدكتور بينالوزا-ماكماستر قائلًا: "بشكل أساسي، قد يوفر هذا العلاج حماية مناعية أوسع، مما يساعد الجسم على حماية نفسه من أمراض مختلفة إضافة إلى المرض المستهدف"، وتتمثل الخطوة التالية في هذه الدراسة في اختبار فعالية هذا النهج على الكلاب المصابة بسرطانات من نوع الساركوما، وفي حال نجاح هذا العلاج على الكلاب أيضًا، يأمل العلماء في إطلاق تجربة سريرية لاستخدام العلاج على البشر.
مكافحة السرطان.. كيف يعالج الفيروس السرطان؟
الأورام السرطانية بارعة في تجنُّب الاستجابة المناعية من خلال تطوير استراتيجيات لإبعاد الجهاز المناعي عنها، ويبدو أن حقن الفيروس في الورم يجعل الفيروس يضع ما يشبه إشارات الخطر على الورم لتنبيه الجهاز المناعي بوجود دخيل.
وقد أثبت هذا العلاج فعاليته حتى في الفئران التي تعاني من ضعف جهاز المناعة والتي تفتقر الخلايا التائية، والخلايا البائية، وخلايا البلاعم (وهي خلايا مناعية رئيسية).
وعلى الرغم من عدم وجود هذه الخلايا المناعية المهمة في هذه الفئران، فقد تمكَّن الفيروس من تنشيط مسارات مناعية بديلة لمحاربة السرطان. وربما يعد تحفيز الفيروس للجسم من أجل إنتاج مواد الإنترفيرونات القوية مناعيًا إحدى الطرق التي يُحقق الفيروس من خلالها هذا التأثير، والإنترفرونات هي جزيئات تنبه الجسم إلى وجود دخيل، وتساعد في تحفيز آليات الدفاع في الجسم.