الأغذية المعدّلة وراثياً.. هي الأغذية التي تم إنتاجها من خلال تغيير مورثات الكائن الحي بهدف إكسابها سِمَات مختلفة عما كان عليه الآباء، بحيث تكون أكثر جودة وأعلى في قيمتها الغذائية ومذاقها ووفرتها، كأن تصبح السلالات الجديدة أكثر مقاومةً للعوامل البيئية، والأمراض والآفات الحشرية التي تضر بالمحاصيل منذ عدة قرون، واكثر حرصا على حماية البيئة والحياة الفطـرية. وقد حدث جدل عالمي كبير وواسع بشأن ضرر هذا النوع من الأغذية أو فائدته، سواء بالنسبة لصحة الإنسان أو البيئة ، ولا يزال الجدل محتدماً حتى اليوم.
اقــرأ أيضاً
* كيف يتم الحصول عليها؟
تحوي خلايا كل الكائنات الحية على مجموعة من المورثات التي تحمل معلومات كيميائية تحدد خصائص وصفات هذا الكائن. ويُطلق على التقنية التي تغير الموِّرثات (الجينات) الموجودة داخل جسم الكائن الحي مصطلح الهندسة الوراثية Genetic engineering. حيث يؤخذ مورّث من نوع ويتم دمجه مع مورثات من نوع آخر ليندمج ضمن برنامجه الوراثي، ومن ثم يتم إكثار هذا النوع الجديد وتثبيت التغييرات في سلالته.
وقد تم حتى الآن تعديل عشرات من مورثات الكائنات الحية (نباتية أو حيوانية) أشهرها: فول الصويا، الأرز، الذرة، دوار الشمس، الترمس، البطاطس، البندورة، القرع، قصب السكر، الشمندر، واللفت. وكذلك من الأشجار التفاح والجوز والحمضيات، وكذلك الحيوانات، ومنها الأرانب والأسماك والطيور والأبقار وغيرها.
* غذاء أكثر.. غني بالعناصر الغذائية ومقاوم للأمراض
من فوائد التعديل الوراثي على مصادر الأغذية أنه تم الحصول على كميات هائلة من هرمون نمو يوجد في الأبقار من خلال بكتريا معدلة وراثياً. ويستعمل هذا الهرمون في أبقار الحليب لزيادة إنتاجيتها من الحليب، وجعله يحوي فيتامين D، وهو الفيتامين الذي يعاني من نقصه سكان بعض الدول الذين لا يتعرضون لأشعة الشمس بما فيه الكفاية، كما تم استخدام نفس التقنية في أبقار اللحوم لتنتج لحوماً قليلة الدهن.
ويُستخدم التعديل الوراثي أيضاً لزيادة القيمة الغذائية للذرة الشامية، ولزيادة كفاءتها في مقاومة مبيدات العشب الضار، كما تستعمل البكتيريا المعدلة وراثياً أيضاً لحماية المحاصيل من الحشرات الضارة ومن الصقيع أو الملوحة والجفاف.
كما شمل التعديل بعض المنتوجات الزراعية والتي يحصل المستهلك منها على عناصر مغذية؛ فمثلاً تم تعديل الأرز ليحوي على فيتامين A، وهذا قد يساعد في وقاية مليوني طفل يعانون من نقص هذا الفيتامين من العالم الثالث؛ نظراً لكونه رخيصا فيمكن للفقراء أن يتناولوه.
والبطاطا تم تعديلها وراثياً لتحوي بروتينات حيوانية تعوض عن اللحوم، وتناول بعض الأنواع من البطاطا المعدلة وراثياً يؤدي إلى تكوّن مناعة ضد فيروس (الفورووك) المسبب لأمراض تنتقل بواسطة الغذاء، والبعض الآخر يكسب مقاومة لبعض الأمراض الفطرية والبكتيرية والجرثومية. وأمكن إنتاج بطاطا تمتص كمية قليلة من الزيت عند القلي لاستخدامها في تخفيف الوزن.
وأنتجت طماطم تساعد على خفض نسبة الكوليسترول في الدم، أو تقاوم الأمراض التي تصيبها، أو تزيد من لونها الأحمر. وعدل فول الصويا ليصبح غنياً ببعض الأحماض الأمينية مثل الليسين والتربتوفان؛ والتي يعد نقصها السبب الرئيس لسوء التغذية في بلاد العالم الثالث.
ويفيد التعديل الوراثي ايضا في انتزاع الصفات غير المرغوب فيها من بعض الأغذية، فقد أنتجت حبوب بُنّ (لصنع القهوة) خالية من الكافيين، كما أنتج موز يقلل من إفراز غاز الإيثلين الذي يسرّع من فساده.
* المخاوف.. صحية وبيئية وأخلاقية
لقد أحدثت التجارب التي أجريت في مجال الهندسة الوراثية قلقاً كبيراً في أوساط الناس مع أنّ فوائدها جمة وعديدة. فقد عارض البعض تجارب الهندسة الوراثية من منطلق مخاوفهم من إنتاج بكتيريا أو أغذية ضارة لا يمكن التحكم فيها. وعارضها آخرون من منطلق مخاوفهم من الأضرار البيئية التي قد تنشأ من الإدخال المتعمد لكائنات تم تغيير تركيبها الوراثي. علاوة على ذلك فقد تساءل العديد من الناس عن مدى أخلاقية التعامل مع المادة الوراثية للمخلوقات الحية.
في الواقع كان المزارعون وأصحاب المزارع يمارسون عمليات التعديل الوراثي (أو التهجين) منذ آلاف السنين على مزروعاتهم وحيواناتهم، ولم يكن يظهر تيار معارض لأعمالهم تلك، لكن ظهور الاكتشافات المتعلقة بالــ DNA الخاص بالكائنات الحية، وانتشار الأسلحة البيولوجية، وجنون الحروب وتلوث البيئة؛ كل هذا أدى لظهور فئة من الناس التي تشكك في مصداقية نوايا القائمين على تجارب التعديل الوراثي.
وازدادت مظاهر القلق نحو تجارب الهندسة الوراثية عندما أصدرت الحكومة الأميركية -لأول مرة- في عام 1976، قوانين تحتّم ضرورة توفير كل أسباب التحكم في الوسائل المختبرية الخاصة بوصل الجينات. وقد سنت العديد من الدول الأخرى قوانين مماثلة، إلا أنه سرعان ما بدأ التخلص من تلك القوانين تدريجياً فيما بين عامي 1978م و1982م، بعد أن ثبت أن هذه التجارب البحثية قد برهنت على حسن الاستخدام.
كما أقرت الولايات المتحدة الأميركية عام 1985م، قوانين تضبط التجارب المتعلقة بنقل المورثات لمعالجة العيوب الوراثية في الناس. وقد أقرت في عام 1987م، لجنة من الأكاديمية القومية للعلوم الأميركية بأن نقل الجينات بين أنواع الكائنات المختلفة لا يسبب أضراراً خطيرة للبيئة.
* لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية رأي آخر
تعتبر منظمة الأغذية والزراعة العالمية التابعة للأمم المتحدة أن الهندسة الوراثية وعملية التعديل الوراثي مهمتان لإنتاج الغذاء الكافي للعالم، وبالذات في المناطق التي تعاني من فقر في الأراضي، وكما تعتبر مهمة في رفع القيمة الغذائية للغذاء وتوفيره للجميع، وبحسب تقديرات المنظمة فإن العالم يجب أن يرفع نسبة الأغذية إلى 70% بحلول عام 2050 نظراً لزيادة عدد السكان.
وتتفهم هذه المنظمة الاهتمام الذى يدور حول احتمالات الخطر التي يمكن أن تظهر جراء استخدام التقنية الحيوية في الأغذية، والتي تقسم إلى التأثير على الصحة والانسان، والحيوان، والتأثير على البيئة، ولذلك فهي تحذّر من احتمال نقل المركبات السامة أو مركبات تسبب حساسية من كائن لآخر، كما تحذر من المخاطر البيئية التي يمكن أن تحدث مثل التهجين الذاتي للنباتات المعدلة وراثياً مع غيرها، وإنتاج أعشاب ضارة ذات مقاومة عالية للأمراض، والصعوبات البيئية، ما يؤثر على الاتزان البيئي.
* حتمية خضوع كل منتج جديد للفحص والدراسة
وتؤيد منظمة الأغذية والزراعة الدراسات العملية لتقويم فوائد ومخاطر كل تعديل وراثي على حدة. وهذا يعنى دراسة منفصلة لكل منتج غذائي قبل السماح بالإنتاج أو بالاستخدام لمعرفة التأثير على المدى البعيد.
ونظراً لأن معظم الأبحاث تتم في الدول المتقدمة، في حين أن الدول الفقيرة تكون في حاجة أكبر إلى التقنيات التي تزيد من إنتاج المحاصيل وزراعتها؛ لذلك ترى المنظمة أن تستفيد الدول الفقيرة من هذه التقنية.
وتقوم المنظمة بمساعدة الدول النامية في هذا المجال، كما تسعى المنظمة لتقديم الخدمات في مجال المعلومات والاستشارات والتنسيق بين الدول، للوصول إلى التوصيات المناسبة لتقويم هذه المنتجات من حيث سلامتها للإنسان والحيوان والبيئة، وكذلك في وضع النظم والقوانين حول التعريف بالمنتجات المعدلة؛ وذلك من خلال تعاون منظمة الأغذية والزراعة مع منظمة الصحة العالمية.
* توصيات ختامية لضمان صحة غذاءك
لن يموت الشر والأشرار؛ لذلك فإن الضرر المتوقع أو الذي قد يقع في الأغذية المعدلة وراثياً سيكون مصدره هؤلاء، فالتعديل الوراثي وسيلة قد نستخدمها لغاية نبيلة نطعم من خلالها ملايين الناس ، أو - بالعكس - نقتلهم بها، والأمر أولاً وأخيراً يتعلق بأخلاقيات القائمين على التجارب وهدفهم منها.
لذلك فمن الأفضل ألا نتناول أي غذاء نعرف بأنه معدل وراثياً حتى يكون مصادقا عليه من قبل هيئات ومنظمات صحية حكومية، تقر بأن هذا الغذاء صالح للاستهلاك البشري، وليس له أية أضرار حالية أو مستقبلية. وأن نعتمد على الغذاء الطبيعي والبلدي طالما أنه متوفر ومتاح.
وبالنسبة للأطعمة البلدية، علينا معرفة مصدرها والمزارع التي تنتجها، والاستفسار من المسؤولين في وزارة الزراعة حول سماحهم أو عدم سماحهم بزراعة الحبوب المعدلة وراثياً.
أما ما يتعلق بالمنتجات المصنعة والمغلفة، فيجب علينا النظر إلى الملصقات الموجودة عليها، والتي تلزم الحكومات منتجيها بكتابة كون المنتج معدّل وراثياً أم لا، وتعريف المستهلك بذلك. فإذا شككنا بأمر المنتج، أو إذا لم يدوّن عليه عبارات تؤكد خلوه من المواد المعدلة وراثياً، فالأفضل عدم شراءه.
وفي جميع الأحوال فإن وجود منتجات معدلة وراثياً، سواء مزروعات بلدية أو منتجات مصنعة، لن يخفى أمرها على الصحافة والإعلام العلمي، وسيتم تسليط الضوء عليها وفضحها أمام الرأي العام، وعليه فإن جميع المنتجين يعلمون جيداً أنه لن يكون في مصلحتهم خوض معركة الخاسر الأكبر فيها هم أولاً.
* المراجع
- Genetically Modified Food: Debating Biotechnology. Edited by Michael Ruse and David Castle. Prometheus Books, 2002
- Safe Food: The Politics of Food Safety. Marion Nestle. University of California Press, 2010\
- Food, Inc.: Mendel to Monsanto—The Promises and Perils of the Biotech Harvest. Peter Pringle. Simon & Schuster, 2003.
Tough Lessons from Golden Rice. Martin Enserink in Science, Vol. 320, pages 468–471; April 25, 2008.
- Case Studies: A Hard Look at GM Crops. Natasha Gilbert in Nature, Vol. 497, pages 24–26; May 2,
- 2013. www.nature.com/news/case-studies-a-hard-look-at-gm-crops-1.12907
- Scientific American, April 2011
- Scientific American, September 2013