الألم هو إحساس مزعج ينتج عادة عن تلف الأنسجة. ويعتبر الألم ذا أهمية للجسم، إذ يسمح له بالتفاعل مع مسبب التلف ومنع المزيد من تلف الأنسجة. ويشعر الأشخاص بالألم عندما تنتقل الإشارات الخلوية من منطقة التلف أو الإصابة عبر الألياف العصبية إلى الدماغ ليقوم بتفسيرها وإنتاج الاستجابة المناسبة لها.
أنواع الألم
هناك نوعان من الألم:
الألم الحاد
هو ألم شديد بشكل عام ويكون لفترة قصيرة. إذ ينبه الجسم - عبر هذا الألم الحاد - الشخص إلى وجود إصابة أو تلف موضعي في الأنسجة. وهناك أنواع مختلفة من الألم الحاد:
- الألم الجسدي: يشعر الشخص بهذا الألم السطحي على الجلد أو الأنسجة الرخوة الموجودة أسفل الجلد مباشرة.
- الآلام الحشوية: ينشأ هذا الألم في الأعضاء الداخلية وبطانات التجاويف الداخلية في الجسم.
- الألم الرجيع: يعاني الشخص في هذا النوع من ألم حشوي يحدث في مكان آخر غير المكان الخاص بتلف الأنسجة، مثل الألم الذي يعانيه الأشخاص في الكتف أثناء النوبة القلبية.
الألم المزمن
يستمر هذا النوع من الألم لفترة أطول بكثير من الألم الحاد. ويكون الألم المزمن خفيفًا أو شديدًا. كما قد يكون مستمرًا كما هو الحال في التهاب المفاصل، أو متقطعًا كما هو الحال في نوبة الصداع النصفي.
وتختلف أجسام الذكور والإناث فيسيولوجيا في العديد من النواحي مثل مستوى الهرمونات وكذلك العمليات الخلوية الجزيئية. وعلى الرغم من أن كلا الجنسين يشعر بنفس المستوى من الألم، إلا أن اختلاف العمليات البيولوجية الأساسية داخل جسميهما يشير إلى أن الأدوية ومسكنات الألم قد لا تكون بذات الفاعلية في كلا الجنسين.
استجابة الجنسين للألم
ولهذه الأسباب، فقد اهتم الباحثون بدراسة الكيفية التي تستجيب بها أجسام الذكور والإناث للألم. ففي دراسة صغيرة أجريت عام 1996 اكتشف الباحثون أن الإناث أظهرن استجابة أكبر بعد تلقيهن عقار "بنتازوسين" المسكن لآلام ما بعد الجراحة.
وبحسب دراسة مرجعية حديثة نشرت عام 2021، فقد لاحظ العلماء أن الأدلة على هذا الأمر متضاربة، إذ أشارت الدراسة إلى أن بعض الأبحاث السابقة قد وثقت أن "الإيبوبروفين" يقلل من إحساس الذكور بالألم أكثر من الإناث.
ونتيجة لهذه النتائج المتضاربة، فإننا نستعرض في هذا التقرير المفصل الكيفية التي يستجيب بها كلا الجنسين للألم، وذلك حسبما صرح به الباحثون والأطباء، وفي معرض حديثها عن هذا الموضوع، تذكر الدكتورة ميرا كيربيكار - أستاذة التخدير المساعد واختصاصية الرعاية الجراحية وطب الألم في جامعة نيويورك لانجون - أن "الرجال والنساء لا يعانون من النوبات القلبية بنفس الطريقة. فلماذا يُفتَرض أن يكون شعورهم ومعاناتهم من أي شيء آخر متساويين؟ ولذلك، فإن هناك اختلافات بين الجنسين تتعلق بإشارات الألم الخلوية في كل من الدماغ والحبل الشوكي".
وتضيف كيربيكار أن "أكثر من 80% من دراسات الألم التي أجريت حتى عام 2016 قد شملت مشاركين ذكورا فقط، سواء أجريت هذه الدراسات على الحيوانات أم على البشر". فعلى نقيض الذكور، تكون الإناث عرضة للتقلبات الهرمونية المستمرة طيلة حياتهن مما يؤثر على حساسيتهن للألم. لذا، فإن الدراسات - عادة - تتجنب إجراء الاختبارات المعملية على الإناث لهذا السبب.
لماذا تشعر النساء بالألم أكثر من الرجال؟
وعلى الرغم من معاناة ملايين الأشخاص حول العالم من الآلام المزمنة، إلا أننا ما زلنا لا نعرف الكثير عن الآليات الأساسية التي تتعلق بالألم.
وتشير الدكتورة كيربيكار إلى أن هناك 3 نظريات علمية تفسر الكيفية التي تستجيب بها الأجسام المختلفة للألم بشكل مختلف:
- تتعلق النظرية الأولى "بالإستروجين" (وهو هرمون يتحكم في نمو الرحم والمبيض والثدي وينظم الدورة الشهرية). إذ تعتمد هذه النظرية على مكان وجود الهرمون ومقداره، والذي قد يؤدي إلى تفاقم الألم أو تحسنه. ولذلك، قد تتفاقم آلام النساء بسبب ارتفاع مستويات هرمون "الإستروجين".وعلى النقيض، يمكن أن يخفف هرمون "التستوستيرون" (وهو الهرمون المسؤول عن نمو القضيب والخصيتين والبروستاتا) من الألم. وفي حقيقة الأمر، قد يتلقى بعض المرضى - الذين يعانون آلاما مزمنة - علاجات "التستوستيرون". وعلى غرار النساء، يعاني الرجال اللذين لديهم مستوى منخفض من هرمون "التستوستيرون" نفس الألم.
- تتعلق النظرية الثانية باختلاف الخلايا المناعية التي تعرف باسم "الخلايا الدبقية الصغيرة". وتشرح كيربيكار أن هذه الخلايا تعد الخلايا المناعية الضرورية للدماغ. وتقول النظرية الثانية بأن تثبيط هذه الخلايا يُوقِفُ الألم أيضا. فعندما "تُثَبَّط الخلايا الدبقية في الرجال، فإن ذلك يُوقِف الألم. غير أن هذا الأمر لا يكون للنساء. ذلك لأن النساء يستخدمن خلايا مناعية أخرى - تعرف باسم الخلايا التائية - عوضا عن الخلايا الدبقية الصغيرة للتحكم في استجابتها للألم" كما تقول كيربيكار. لكن النساء اللواتي لديهن عدد كبير من الخلايا التائية يعالجن الألم بالمثل كالرجال.
- تعتمد النظرية الأخيرة على الحمض النووي الريبي (وهو المادة الجينية التي تحمل رسائل الحمض النووي المُشَفَّرة في أجسامنا). إذ أوضحت الدكتورة كيربيكار أن النساء لديهن مستويات مرتفعة من الحمض النووي الريبي في مجرى الدم مقارنة بالرجال. وذلك لأن العديد من جزيئات الحمض النووي الريبي تلك يتم ترميزها من الجينات الموجودة على الكروموسوم "إكس" (المسؤول عن إنتاج النساء). إذ تمتلك النساء نسختين من الكرموسوم "إكس" مقارنة بالرجال الذين يمتلكون نسخة واحدة منه. لذا، فإن هذه النظرية تزعم أن المستويات المرتفعة من الحمض النووي الريبي تتسبب في كون النساء أكثر عرضة للألم المزمن.
مسكنات الألم أقل تأثيراً في النساء
ولمعرفة السبب وراء هذا التباين، فإنه تتعين علينا أولا معرفة الآلية الخلوية الكامنة وراء الألم. من المعروف أن الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا البلعمية هي التي تساعد على حدوث الألم الذي يصاحبه التهاب عصبي، وذلك عن طريق تنشيط إنزيم يعرف باسم "إنزيم الأكسدة الحلقية" (COX-2). فعندما تزيد مستويات الخلايا البلعمية في منطقة ما من الجسم، فإن ذلك يؤدي إلى ألم يصاحبه التهاب. وتستهدف مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (مثل "السيليكوكسيب") هذا الألم عن طريق تقليل نشاط إنزيم (COX-2).
ولذلك، فقد أدرك الباحثون أن دراسة الخلايا البلعمية قد تفسر السبب وراء الاستجابة المختلفة للألم بين الذكور والنساء. لذا، فقد طوروا دواء نانويا يمكنه أن يوصل "السيليكوكسيب" مباشرة إلى هذه الخلايا البلعمية - أو تحديدا حيث يوجد الألم - رغبة منهم في معرفة اختلافات الاستجابة للألم التي تعتمد على الجنس.
فعندما أعطي هذا العلاج النانوي إلى الفئران - وذلك حسبما أفادت به دراسة حديثة - فإنه خفف من حدة الألم في الذكور لمدة 5 أيام، بينما اقتصر تخفيف الألم في الإناث على يوم واحد فقط.
وقد لاحظ الباحثون وجود ارتباط بين حساسية الألم وعدد الخلايا البلعمية الموجودة في موقع الإصابة. إذ كان لدى الإناث عدد أكبر من هذه الخلايا في موقع الإصابة، وهو ما قلل من تخفيف الشعور بالألم. وذكر الباحثون أن كلا الجنسين كان لديهما امتصاص متكافئ للعلاج، كما أشاروا إلى أن الجرعات الأعلى لم تؤد إلى المزيد من تخفيف الألم.
غير أن نتائجهم أظهرت أيضا أن تثبيط إنزيم (COX-2) يسبب اتصالات عصبية مناعية مختلفة في كل من الجنسين. إذ عانت الإناث من تواجد أعلى للخلايا الالتهابية الأخرى في موقع الإصابة مقارنة بالذكور، وهو ما قد يلعب دورا في استجابتهن الالتهابية.
فروق بين الجنسين
ويذكر الدكتور جون بولوك - الأستاذ والمدير المشارك لاتحاد أبحاث الألم المزمن بجامعة دوكويسن، وأحد مؤلفي الدراسة - أنهم "في كل مرة نتحرى فيها هذه الآلية نجد اختلافات دقيقة في الفسيولوجيا الأساسية الخاصة بالإناث مقارنة بالذكور. إذ لاحظنا في هذه الدراسة أن الألم الناتج عن الجهاز العصبي الطرفي يعتمد على التواصل بين الخلايا العصبية والخلايا الدبقية المُنَشَّطَة والاستجابة المناعية، وهو ما يوفر بيئة ديناميكية".
وتتطور وتتغير هذه الاستجابة ثلاثية المحاور بمرور الوقت، مما قد تنتج عنه استجابة مناعية تساعد على التعافي وتخفيف الألم، أو قد تتحول إلى ألم مزمن.
ويقول بولوك أن "هذه العمليات الخلوية تشمل العديد من الاختلافات المتعلقة بالجنس". لذلك فإنه تتحتم على الباحثين في مجال الأدوية وصانعي الدواء مراعاة هذه الاختلافات القائمة على الجنس عندما يطورون الأدوية الخاصة بتخفيف الألم لكلا الجنسين.
المصادر
What is pain, and how do you treat it?
Gender difference in analgesic response to the kappa-opioid pentazocine
Sex-Related Differences in Drugs with Anti-Inflammatory Properties
