تقوم الغالبية العظمى من البشر بالاستغراق في أحلام اليقظة من آن لآخر؛ إذ يتوق الجميع للاسترسال في أفكار حالمة بعوالم خيالية أفضل أو ذكريات أجمل مرة تلو الأخرى، وفي حين يعتقد الجميع أن أحلام اليقظة أمر ممتع ولا يتسبب بالضرر، إلا أنه في حقيقة الأمر قد يكون غير ذلك، ففي بعض الأحيان يكون الاستغراق الزائد عن اللزوم في أحلام اليقظة عرضاً أو علامة دالة على وجود مشكلة تتعلق بالصحة النفسية، لذا تتناول هذه المقالة العلاقة بين أحلام اليقظة والأمراض النفسية.
* الإفراط في أحلام اليقظة والأمراض النفسية
يمكن القول إن بعض الأمراض النفسية تنطوي على أنماط تفكير سلبية لا يمكن التحكم بها، والتي قد تشمل القدرات على التخيل أيضاً، والأمر الذي ينطبق على الإفراط في أحلام اليقظة، الذي قد يدل على وجود مرض نفسي مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه أو غيرها، حيث يعتمد سبب حدوث أحلام اليقظة، ومحتواها، ومدى تكرارها وشدتها على الحالة النفسية.
مع ذلك، يجدر التنبيه إلى أن الاستغراق في أحلام اليقظة لا يعني دائما الإصابة بمرض نفسي، وفقط الإفراط في الأمر قد يكون عرض واحد ضمن أعراض عديدة تشخص وتؤكد وجود مرض نفسي، وللأسف لا يوجد تعريف واضح للحدود الطبيعية لأحلام اليقظة، أو بعبارة أخرى لا يمكن تحديد مدى اعتبار الاستغراق بأحلام اليقظة مفرطاً أو زائداً عن اللزوم. لذا فإن الطريقة الأفضل لمعرفة إذا ما كانت أحلام اليقظة علامة دالة على وجود مرض نفسي هي إدراك سمات أحلام اليقظة لدى الإصابة بمرض نفسي.
اقــرأ أيضاً
* أحلام اليقظة والاكتئاب
تتمحور أحلام اليقظة لدى مرضى الاكتئاب حول التفكير المفرط في خواطر ومواقف كئيبة أو تزيد من الاكتئاب، كما يظهر الاستغراق بأحلام اليقظة لدى غياب الدافع أو فقد الرغبة لممارسة الأنشطة المختلفة، مما يزيد من سوء حالة عدم التركيز وعدم القدرة على أداء المهام اليومية.
* أحلام اليقظة والقلق
أما في حال الإصابة بالقلق، فتكون أحلام اليقظة حول أسوأ السيناريوهات الممكنة، فقد يقوم الفرد يتخيل حدوث مواقف غاية في السوء والاسترسال فيها والقلق حولها - وذلك رغم عدم حدوثها من الأساس - مثل الاشتباك في صراع لفظي، أو بدني مع شخص آخر، أو وقوع مصيبة أو كارثة قد تفضي للموت وغيرها.
وفي أحيان أخرى، تصبح أحلام اليقظة وسيلة للهروب من الواقع عند التعرض للقلق والضغوطات الشديدة؛ الأمر الذي يطلق عليه المتخصصون "الهروبية" أو "الإفلاتية"، وهي إحدى الوسائل الدفاعية التي قد يلجأ إليها المخ للحماية من القلق أو الألم، لكن للأسف فإن الهروب من الواقع عبر أحلام اليقظة في تلك الحالة قد يتسبب في تفاقم حالات القلق من خلال اجتنابها بدلاً من مواجهتها بشكل ناجع وفعال.
* أحلام اليقظة واضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه
غالباً ما يعاني المصابون بتلك الحالة من صعوبة التركيز في أداء مهام الحياة اليومية، الأمر الذي قد يظهر في شكل الاستغراق في أحلام اليقظة.
اقــرأ أيضاً
* أحلام اليقظة واضطراب الوسواس القهري
تعتبر الأفكار الوسواسية غير المرغوب فيها أو التي تزيد من القلق والضغوط من أعراض اضطراب الوسواس القهري، وفي كثير من الأحيان قد تشبه الأفكار الوسواسية الاستغراق في أحلام اليقظة، إذ تتضمن الاسترسال في التفكير في قتل أو إيذاء شخص ما، أو الانتحار وإيذاء النفس، أو موت شخص عزيز، أو الإصابة بمرض قاتل، أو حدوث كارثة طبيعية عشوائية، والفارق الأساسي بين أحلام اليقظة والأفكار الوسواسية أن الأخيرة تستمر في الحدوث بشكل يتسبب في تطوير ردود أفعال قهرية لا يمكن التحكم فيها بغرض التخلص من تلك الأفكار.
* أحلام اليقظة واضطراب التفكك أو الاضطرابات الانشقاقية (dissociative disorder)
هي اضطرابات عقلية تتميز بهروب لا إرادي من الواقع، وانفصال بين الأفكار والهوية والوعي والذاكرة، هذا الاضطراب ليس نادرًا كما يتخيل البعض، فالدراسات تؤكد أن 2% من الأشخاص حول العالم قد عانوا من اضطرابات التفكك بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو عرقهم.
وفي كثير من الأحيان قد يبدو التفكك كأنه إفراط في أحلام اليقظة، إلا أنه هناك بضعة فوارق أساسية بين التفكك وأحلام اليقظة، أهمها:
- خلال التفكك يشعر الفرد كأنه انفصل بدنياً عن نفسه ومكانه.
- كما أن التفكك يكون مرتبطاً بردود الأفعال المتعلقة بالهروب أو القتال، وغالباً ما يحدث عند الشعور بالخوف أو التهديد الشديدين.
* أحلام اليقظة المرتبطة بسوء التأقلم والتكيف
في بعض الأحيان قد يكون الاستغراق في أحلام اليقظة لفترات طويلة للغاية علامة على احتمالية الإصابة بأحلام اليقظة المرتبطة بسوء التأقلم والتكيف، الأمر الذي يعد حالة نفسية تتضمن الاستغراق في أحلام اليقظة بشكل مستمر وشديد ولفترات طويلة على مدار اليوم مما يعوق الحياة بشكل طبيعي، ولا تزال تلك الحالة غير مصنفة كمرض نفسي بشكل معتمد بعد، مما يعني عدم وجود علامات تشخيصية، أو طرق علاجية معتمدة لها.
* كيف تمكن السيطرة على الإفراط في أحلام اليقظة؟
لدى ملاحظة زيادة الاستغراق بأحلام اليقظة يمكن كبح جماحها عبر الانخراط في نشاط بدني أو القيام بأنشطة بغرض التشتيت كالكتابة أو اللعب بألعاب بسيطة، أما لدى تفاقم الأمر بشكل ملحوظ بشكل يعوق دون ممارسة الحياة اليومية بطريقة طبيعية، يجدر اللجوء لطبيب متخصص أو معالج نفسي على الفور، الأمر ذاته ينطبق على الاستغراق في الأفكار الوسواسية أو الشعور بالانفصام.
وفي النهاية، ينبغي التوضيح أن أحلام اليقظة ليست دائماً ضارة ومؤذية، لكن بالوقت ذاته يجدر الانتباه إلى طبيعتها ومدى تكرار وشدة حدوثها، فالوعي الذاتي بهذا الأمر يساهم في اكتشاف الحاجة للمساعدة بشكل مبكر، ومن ثم التشخيص الصحيح والعلاج الشافي.
يمكن القول إن بعض الأمراض النفسية تنطوي على أنماط تفكير سلبية لا يمكن التحكم بها، والتي قد تشمل القدرات على التخيل أيضاً، والأمر الذي ينطبق على الإفراط في أحلام اليقظة، الذي قد يدل على وجود مرض نفسي مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه أو غيرها، حيث يعتمد سبب حدوث أحلام اليقظة، ومحتواها، ومدى تكرارها وشدتها على الحالة النفسية.
مع ذلك، يجدر التنبيه إلى أن الاستغراق في أحلام اليقظة لا يعني دائما الإصابة بمرض نفسي، وفقط الإفراط في الأمر قد يكون عرض واحد ضمن أعراض عديدة تشخص وتؤكد وجود مرض نفسي، وللأسف لا يوجد تعريف واضح للحدود الطبيعية لأحلام اليقظة، أو بعبارة أخرى لا يمكن تحديد مدى اعتبار الاستغراق بأحلام اليقظة مفرطاً أو زائداً عن اللزوم. لذا فإن الطريقة الأفضل لمعرفة إذا ما كانت أحلام اليقظة علامة دالة على وجود مرض نفسي هي إدراك سمات أحلام اليقظة لدى الإصابة بمرض نفسي.
* أحلام اليقظة والاكتئاب
تتمحور أحلام اليقظة لدى مرضى الاكتئاب حول التفكير المفرط في خواطر ومواقف كئيبة أو تزيد من الاكتئاب، كما يظهر الاستغراق بأحلام اليقظة لدى غياب الدافع أو فقد الرغبة لممارسة الأنشطة المختلفة، مما يزيد من سوء حالة عدم التركيز وعدم القدرة على أداء المهام اليومية.
* أحلام اليقظة والقلق
أما في حال الإصابة بالقلق، فتكون أحلام اليقظة حول أسوأ السيناريوهات الممكنة، فقد يقوم الفرد يتخيل حدوث مواقف غاية في السوء والاسترسال فيها والقلق حولها - وذلك رغم عدم حدوثها من الأساس - مثل الاشتباك في صراع لفظي، أو بدني مع شخص آخر، أو وقوع مصيبة أو كارثة قد تفضي للموت وغيرها.
وفي أحيان أخرى، تصبح أحلام اليقظة وسيلة للهروب من الواقع عند التعرض للقلق والضغوطات الشديدة؛ الأمر الذي يطلق عليه المتخصصون "الهروبية" أو "الإفلاتية"، وهي إحدى الوسائل الدفاعية التي قد يلجأ إليها المخ للحماية من القلق أو الألم، لكن للأسف فإن الهروب من الواقع عبر أحلام اليقظة في تلك الحالة قد يتسبب في تفاقم حالات القلق من خلال اجتنابها بدلاً من مواجهتها بشكل ناجع وفعال.
* أحلام اليقظة واضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه
غالباً ما يعاني المصابون بتلك الحالة من صعوبة التركيز في أداء مهام الحياة اليومية، الأمر الذي قد يظهر في شكل الاستغراق في أحلام اليقظة.
* أحلام اليقظة واضطراب الوسواس القهري
تعتبر الأفكار الوسواسية غير المرغوب فيها أو التي تزيد من القلق والضغوط من أعراض اضطراب الوسواس القهري، وفي كثير من الأحيان قد تشبه الأفكار الوسواسية الاستغراق في أحلام اليقظة، إذ تتضمن الاسترسال في التفكير في قتل أو إيذاء شخص ما، أو الانتحار وإيذاء النفس، أو موت شخص عزيز، أو الإصابة بمرض قاتل، أو حدوث كارثة طبيعية عشوائية، والفارق الأساسي بين أحلام اليقظة والأفكار الوسواسية أن الأخيرة تستمر في الحدوث بشكل يتسبب في تطوير ردود أفعال قهرية لا يمكن التحكم فيها بغرض التخلص من تلك الأفكار.
* أحلام اليقظة واضطراب التفكك أو الاضطرابات الانشقاقية (dissociative disorder)
هي اضطرابات عقلية تتميز بهروب لا إرادي من الواقع، وانفصال بين الأفكار والهوية والوعي والذاكرة، هذا الاضطراب ليس نادرًا كما يتخيل البعض، فالدراسات تؤكد أن 2% من الأشخاص حول العالم قد عانوا من اضطرابات التفكك بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو عرقهم.
وفي كثير من الأحيان قد يبدو التفكك كأنه إفراط في أحلام اليقظة، إلا أنه هناك بضعة فوارق أساسية بين التفكك وأحلام اليقظة، أهمها:
- خلال التفكك يشعر الفرد كأنه انفصل بدنياً عن نفسه ومكانه.
- كما أن التفكك يكون مرتبطاً بردود الأفعال المتعلقة بالهروب أو القتال، وغالباً ما يحدث عند الشعور بالخوف أو التهديد الشديدين.
* أحلام اليقظة المرتبطة بسوء التأقلم والتكيف
في بعض الأحيان قد يكون الاستغراق في أحلام اليقظة لفترات طويلة للغاية علامة على احتمالية الإصابة بأحلام اليقظة المرتبطة بسوء التأقلم والتكيف، الأمر الذي يعد حالة نفسية تتضمن الاستغراق في أحلام اليقظة بشكل مستمر وشديد ولفترات طويلة على مدار اليوم مما يعوق الحياة بشكل طبيعي، ولا تزال تلك الحالة غير مصنفة كمرض نفسي بشكل معتمد بعد، مما يعني عدم وجود علامات تشخيصية، أو طرق علاجية معتمدة لها.
* كيف تمكن السيطرة على الإفراط في أحلام اليقظة؟
لدى ملاحظة زيادة الاستغراق بأحلام اليقظة يمكن كبح جماحها عبر الانخراط في نشاط بدني أو القيام بأنشطة بغرض التشتيت كالكتابة أو اللعب بألعاب بسيطة، أما لدى تفاقم الأمر بشكل ملحوظ بشكل يعوق دون ممارسة الحياة اليومية بطريقة طبيعية، يجدر اللجوء لطبيب متخصص أو معالج نفسي على الفور، الأمر ذاته ينطبق على الاستغراق في الأفكار الوسواسية أو الشعور بالانفصام.
وفي النهاية، ينبغي التوضيح أن أحلام اليقظة ليست دائماً ضارة ومؤذية، لكن بالوقت ذاته يجدر الانتباه إلى طبيعتها ومدى تكرار وشدة حدوثها، فالوعي الذاتي بهذا الأمر يساهم في اكتشاف الحاجة للمساعدة بشكل مبكر، ومن ثم التشخيص الصحيح والعلاج الشافي.