تعتبر الخمائر من أقدم الاكتشافات الصناعية التي عرفها الإنسان، حيث يرجح بعض الباحثين في التاريخ أن الإنسان استخدم الخمائر في صناعاته اليومية حتى قبل ظهور اللغة المكتوبة، تشير بعض الكتابات الهيروغليفية إلى أن المصريين القدماء استخدموا الخمائر في تصنيع المشروبات الكحولية (الخمر)، كما استخدموها في عملية تخمير الخبز قبل ما يقارب 5000 عام.
لكن وبالرغم من استخدام الإنسان لخصائص الخمائر، لم تكن عملية التخمير مفهومة بالنسبة له وكان يعتبرها عملية غامضة وسحرية.
بقيت حقيقة الخمائر عصية على الفهم حتى اكتشاف المجهر الذي مكن عالم الأحياء لويس باستور Louis Pasteur من إجراء العديد من التجارب والمشاهدات على المواد المتخمرة، ليصل إلى أن الخمائر كائنات فطرية حية وليست مادة سحرية، وكان ذلك في أواخر عام 1860.
بعد اكتشاف باستور تمكن الإنسان من عزل الخميرة على شكل رقائق نقية ليستخدمها في العديد من المجالات كصناعة الخبز والحلويات.
تعرف الخمائر على أنها كائنات مجهرية أحادية الخلية حقيقية النواة eucaryotic، تنتمي إلى الفطريات، تختلف أشكالها وبنيتها، فهي كروية أو بيضوية تراوح بين 3 و10 ميكرونات في القطر و5و30 ميكرونا طولا. من الجدير بالذكر أن 450 غراما من الخميرة تحتوي على 3200 مليار خلية، تتكاثر معظم الخمائر لاجنسيا عن طريق الانقسام، ويقوم الكثير منها بعملية التقسيم غير المتماثل المعروفة باسم التبرعم.
وقد اكتشف العلماء حوالي 1500 نوع من الخميرة، وهي الكائنات التي تمثل حوالي 1% من أنواع الفطريات، توجد الخمائر في الطبيعة مستوطنة التربة، والنباتات، والأنظمة البيئية المائية. وهي موجودة أيضا بشكل شائع على جسم الإنسان وأجسام الحيوانات الأخرى.
الخمائر من جنس المبيضة Candida ممرضة، ما يعني أنها تسبب الأمراض. الإصابات بهذه الخميرة معروفة باسم داء المبيضات Candidiasis، ويمكن أن تؤثر على مناطق متعددة من الجسم من ضمنها الجلد، والأعضاء التناسلية، والحنجرة، والفم والدم.
خميرةCandida albicans هي النوع الذي يسبب داء المبيضات غالبًا، هذا النوع من الخمائر موجود بشكل طبيعي في الجسم بتراكيز قليلة، ولكن عوامل متعددة مثل استعمال المضادات الحيوية، والاضطرابات الهرمونية، والإجهاد أو ضعف الجهاز المناعي، يمكن أن تسرع من نموها، ما يسبب الإصابة.
إذا دخلت خميرة Candida إلى مجرى الدم، فإنها تستطيع أن تنتشر في الجسم وتسبب الحمى، والقشعريرة، وحتى الموت. تسمى هذه الإصابة بداء المبيضات الاجتياحي invasive candidiasis أو Candidemia أي وجود الكانديدا في الدم.
وتنتشر الخمائر في كثير من الأوساط وخاصة الأغذية، يُذكر منها:
- خميرة Brettanomyces: وتوجد بعض أنواعها في المخللات الفاسدة
- خميرة Hansenula: وتوجد على ثمار الحمضيات والعنب والزيتون.
- خميرة Endomycopsis المؤكسدة: وتوجد فوق الحبوب المختزنة أو تكون بشكل أغشية مخاطية على الخيار.
- خميرة Mycoderma: وتوجد فى عصير الفواكه والمخللات.
- خميرة Rhodotorula: تنتج بعض الأنواع أصبغة حمراء على الأغذية والأوساط الزراعية، وتنتشر انتشاراً واسعاً في الغبار والهواء.
- خميرة Saccharomyces: لها أهمية صناعية، فيستعمل النوع S.cerevisiae في صناعة الخبز والكحول. وتنتشر أنواعه على الفواكه وخاصة العنب والخضراوات لتخمر السكاكر.
- خميرة Schizosaccharomyces: وتنتشر أنواعه في السكر ومنتجاته.
- خميرة Torula: وهي تنتشر انتشاراً واسعاً في الطبيعة، ويمكن أن تنمو فوق الأغذية المحفوظة بالتبريد.
- خميرة Trichosporon: وهي من الخمائر المؤكسدة، وتوجد في أنواع من الأغذية واللحوم.
ما هي الخميرة الغذائية؟
الخميرة الغذائية هي نوع من الخميرة المعروفة باسم Saccharomyces cerevisiae، وهي نفس نوع الخميرة المستخدمة في المخبوزات وتخمير البيرة.
الأنواع الثلاثة الرئيسية من الخميرة التي تأتي منS. cerevisiae :
خميرة الخبز (Baker’s Yeast)
تُستخدم كعامل تخمير للخبز، حيث تقوم بتحويل الطعام / السكريات القابلة للتخمير الموجودة في العجين إلى غاز ثاني أكسيد الكربون. يؤدي هذا إلى تمدد العجين أو ارتفاعه حيث يشكل الغاز جيوبًا أو فقاعات. عندما تُخبز العجينة، تموت الخميرة و"تتماسك" الجيوب الهوائية، مما يمنح المنتج المخبوز ملمسا ناعما واسفنجيا. يؤدي استخدام البطاطس أو البيض أو السكر في عجينة الخبز إلى تسريع نمو الخميرة.
خميرة البيرة Brewer’s Yeast
وهي النوع الأكثر شيوعاً كمكمل غذائي، وهي مصدر غني بالمعادن، مثل: السيلينيوم، وفيتامين ب، والكروم، وهو المعدن الذي يساعد على الحفاظ عل مستويات السكر في الدم.
الخميرة الغذائية (Nutritional Yeast)
هناك نوعان من الخميرة الغذائية - غير المدعمة والمدعمة:
- غير المدعمة: لا يوفر هذا النوع أي فيتامينات أو معادن مضافة. يحتوي فقط على الفيتامينات والمعادن التي تنتجها خلايا الخميرة بشكل طبيعي أثناء نموها.
- المدعمة: يحتوي هذا النوع على فيتامينات اصطناعية تُضاف أثناء عملية التصنيع لزيادة محتوى العناصر الغذائية.
الخميرة الغذائية المدعمة هي النوع الأكثر شيوعًا وتقدم أكبر قدر من الفوائد.
تباع الخميرة الغذائية على شكل رقائق رقيقة أو حبيبات أو مسحوق.
القيمة الغذائية
الخميرة الغذائية هي مصدر كبير للبروتين النباتي وفيتامينات ب والمعادن النزرة.
تحتوي الخميرة الغذائية المدعمة على فيتامينات ب أكثر من الأصناف غير المدعمة، حيث تتم إضافة كميات إضافية أثناء التصنيع.
تحتوي ملعقتان صغيرتان فقط (5 غرامات) من الخميرة الغذائية المدعمة على:
السعرات الحرارية | 20 |
البروتين | 3 غرامات |
الدهون | 0 غرام |
الكربوهيدرات | 2 غرام |
سكر | 0 غرام |
الألياف | 4٪ من القيمة اليومية (DV) |
الريبوفلافين (فيتامين ب 2) | 246٪ من القيمة اليومية |
النياسين (فيتامين ب 3) | 109٪ من القيمة اليومية |
فيتامين ب 6 | 212٪ من القيمة اليومية |
حمض الفوليك (فيتامين ب 9) | 59٪ من القيمة اليومية |
فيتامين ب12 | 313٪ من القيمة اليومية |
الحديد | 2٪ من القيمة اليومية |
البوتاسيوم | 2٪ من القيمة اليومية |
تختلف القيم الغذائية الدقيقة بين العلامات التجارية، لذا اقرأ دائما الملصقات للعثور على التنوع الذي يلبي احتياجاتك.
الفوائد الصحية للخميرة الغذائية
معبأة بفيتامين ب 12
أحد أكبر المخاوف الغذائية للأشخاص الذين يتبعون نظاما غذائيا نباتيا، والذي يستثني جميع المنتجات الحيوانية، هو الحصول على ما يكفي من فيتامين ب 12. هذا الفيتامين ضروري للحفاظ على صحة الدم والخلايا العصبية. كما أنه يساعد في تكوين الحمض النووي والوقاية من فقر الدم. تعتبر الخميرة الغذائية أكثر المصادر موثوقية وثباتا لفيتامين ب12. تشير البيانات المأخوذة من مراجعة عام 2014 إلى أن حوالي 62 بالمائة من النساء الحوامل، وبين 25-82 بالمائة من الأطفال و21-41 بالمائة من المراهقين قد يعانون من نقص فيتامين ب 12.
لذلك، فإن تناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من فيتامين ب 12، مثل الخميرة الغذائية، قد يكون مفيدًا للجميع.
تحتوي على مضادات الأكسدة القوية
مضادات الأكسدة هي مركبات تحارب، عند استهلاكها، جزيئات غير مستقرة تسمى الجذور الحرة والتي قد تزيد من خطر الإصابة بالأمراض.
تكشف الدراسات أن الخميرة الغذائية تحتوي على مضادات الأكسدة القوية الجلوتاثيون والسيلينوميثيونين.
قد تساعد هذه المركبات في حماية خلاياك من التلف الذي تسببه الجذور الحرة والمعادن الثقيلة وتساعد جسمك على التخلص من السموم البيئية.
قد تعزز المناعة
تحتوي الخميرة الغذائية على نوعين من الكربوهيدرات الرئيسية: ألفا مانان وبيتا جلوكان.
تشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أن هذه الكربوهيدرات تقدم فوائد مضادة للبكتيريا والفطريات الضارة، والتي قد تحمي جسمك من العدوى، ولا يزال البحث البشري ضروريا.
قد تساعد في خفض مستويات الكوليسترول
قد يساعد بيتا جلوكان الموجود في الخميرة الغذائية أيضا على خفض نسبة الكوليسترول.
في دراسة استمرت 8 أسابيع، قام الرجال الذين يعانون من ارتفاع نسبة الكوليسترول والذين تناولوا 15 غراما من بيتا جلوكان المشتق من الخميرة يوميًا بتخفيض مستويات الكوليسترول الكلية لديهم بنسبة 6٪.
يوجد بيتا جلوكان في الأطعمة الأخرى، مثل الشوفان والشعير.
هل الخميرة آمنة للجميع؟
تعتبر الخميرة الغذائية آمنة لمعظم الناس، ولكنها قد تسبب مشاكل لمن لديهم حساسية تجاه منتجات الخميرة أو الذين يتناولون بعض الأدوية.
ضع في اعتبارك ما يلي قبل إضافة الخميرة الغذائية إلى نظامك الغذائي:
الصداع النصفي
تحتوي منتجات الخميرة على التيرامين Tyramine، وهو حمض أميني يساعد في تنظيم ضغط الدم، قد يسبب التيرامين الصداع لدى الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي.
الحساسية
يجب على الأشخاص الذين لديهم حساسية تجاه منتجات الخميرة ألا يستهلكوا الخميرة الغذائية. قد تؤدي الخميرة الغذائية أيضا إلى تفاقم الأعراض لدى الأشخاص المصابين بأمراض الأمعاء الالتهابية مثل مرض كرون.
تدخل الدواء
قد يتفاعل التيرامين الموجود في الخميرة الغذائية مع بعض الأدوية، بما في ذلك مثبطات مونوامين أوكسيديز المستخدمة لعلاج الاكتئاب، وبعض الأدوية المخدرة التي تعالج الآلام الشديدة، والأدوية المضادة للفطريات. لا ينصح أيضا بالخميرة الغذائية للأشخاص الذين يتعاطون أدوية لعلاج مرض السكري.
طريقة حفظ واستخدام الخميرة الغذائية
يجب حفظ الخميرة الغذائية في مكان بارد ومظلم للحفاظ على محتواها من الفيتامينات. علاوة على ذلك، أغلق الحاوية بإحكام للحفاظ على الرطوبة. عند تخزينه بشكل صحيح، يمكن أن يستمر لمدة تصل إلى عامين.
في ما يلي بعض الاستخدامات:
- كتوابل للفشار أو المعكرونة أو السلطة
- كنكهة أومامي في الحساء
- كمكثف للحساء والصلصات
- كمادة مضافة لغذاء الحيوانات الأليفة
تعتمد أحجام حصص الخميرة الغذائية على الوصفة، لكنك عادة ما تستخدم 2-4 ملاعق صغيرة (5-10 غرامات).
الخميرة الغذائية متاحة للشراء في بعض محلات البقالة ومحلات الأطعمة الصحية.
الخلاصة
- الخميرة الغذائية هي منتج غذائي نباتي ذو قيمة غذائية عالية مع العديد من الفوائد الصحية المحتملة.
- تشير الدراسات إلى أن الخميرة الغذائية قد تساعد في خفض الكوليسترول ودعم المناعة ، على الرغم من الحاجة إلى مزيد من البحث.
- باستخدامه، يمكنك بسهولة إضافة المزيد من البروتينات والفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة إلى وجبات الطعام.
- الخميرة الغذائية متعددة الاستخدامات ويمكن للناس إضافتها إلى مجموعة متنوعة من الأطباق الصحية.
المصادر
Nutritional Yeast: Nutrients, Health Benefits, and Uses.
How prevalent is vitamin B 12 deficiency among vegetarians?
Nutritional Yeast: Is It Good for You? - WebMD.
Top 5 nutritional yeast benefits and how to use it.
Beneficial effects of probiotic and food borne yeasts on human health (Nutrients).