عندما لا نحصل على قسطٍ كافٍ من النوم، فإن لهذا الأمر تأثير كبير على صحتنا اليومية، وعلى المدى الطويل أيضًا، والتأثير على الصحة العقلية وكيفية تخزين أجسامنا للدهون. تضيف الأبحاث الحديثة مزيدًا من الأدلة التي توضّح مدى تأثير الحرمان من النوم على صحتنا الفردية والجماعية.
أثبتت الأبحاث أن الحصول على قسط كافٍ من النوم يساعد على تقوية جهاز المناعة لدينا، ويرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض الأيضية، بما في ذلك السُّمْنة ومرض السكري من النوع 2.
يشير باحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا إلى أن إحدى الطرق التي يؤذينا بها الحرمان من النوم هي أنه يجعلنا نشعر بالشبع حتى بعد تناول عَشاء غني بالدهون.
تناولت الدراسة، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة Lipid Research، كيف أن الحصول على 5 ساعات من النوم كل ليلة ولمدة 4 أيام في الأسبوع، تليها ليلة واحدة من "نوم التعافي" لمدة 10 ساعات، أثَّر على 15 رجلًا سليمًا في العشرينيات من العمر.
لكنْ كيف أثَّر ذلك على شحوم الدم بعد الأكل، أو ارتفاع البروتينات الدهنية الغنية بالدهون الثلاثية التي ارتبطت بتكوين انسدادات خطرة من لويحات دهنية في الشرايين؟ ما وجده الباحثون لم يكن جيدًا، إذْ لم تتبخر الدهون، بل تم تخزينها.
ما يزال الخبراء غير قادرين على تحديد سبب مشكلة الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم بالضبط، لكنهم يقولون إن الإجهاد الناتج عن العمل لا يؤثّر فقط على نومنا، ولكن قلة النوم تجعل وظائفنا أكثر إرهاقًا.
وجدت دراسة حديثة أخرى أجراها باحثون من جامعة بول ستيت أن ما يقرب من ثلث الأمريكيين العاملين يُبلِّغون عن حصولهم على 7 ساعات من النوم أو أقل، وهو اتجاه يقولون إنه يزداد سوءًا مع مرور العام.
قام الفريق، بتحليل بيانات 150 ألف بالغ أمريكي عامل من عام 2010 إلى عام 2018، ووجدوا أن ما يقرب من 31% لم يحصلوا على قسط كافٍ من النوم في عام 2010، لكن هذه النسبة ارتفعت إلى ما يقرب من 36% خلال السنوات الثمانية التالية.
كانت النتائج متطابقة تقريبًا بالنسبة للرجال والنساء، لكن بعض الأعراق والمهن تتضرر أكثر من غيرها. يُعدّ هذا اكتشافًا مهمًا، لأن الولايات المتحدة تشهد حاليًا معدلات عالية من الأمراض المزمنة لدى جميع الأعمار، والعديد من هذه الأمراض مرتبطة بمشكلات النوم.
ما مقدار النوم الموصى به؟
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن أكثر من ثلث البالغين الأمريكيين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم بشكل منتظم. توصيات مدة النوم الصادرة عن مؤسسة النوم الوطنية للأشخاص الأصحاء هي كما يلي:
- حديثو الولادة: من 14 إلى 17 ساعة.
- الرضّع: من 12 إلى 15 ساعة.
- الأطفال الصغار: 11-14 ساعة.
- مرحلة ما قبل المدرسة: من 10 إلى 13 ساعة.
- الأطفال في سن المدرسة: من 9 إلى 11 ساعة.
- المراهقون: من 8 إلى 10 ساعات.
- الشباب: من 7 إلى 9 ساعات.
- الكبار: من 7 إلى 9 ساعات.
- كبار السن: من 7 إلى 8 ساعات.
ما أعراض قلة النوم؟
تشمل الأعراض المباشرة للحرمان من النوم ما يلي:
- النعاس المُفْرط.
- التثاؤب.
- قلة التركيز.
- التهيج.
- التعب أثناء النهار.
- النسيان.
- القلق.
تزداد الأعراض سوءًا كلما طالت مدة بقائك دون نوم، فقد تعاني من الهلوسة.
مَن يحصل على أقل قدر من النوم؟
وجد الباحثون في بول ستيت أن الأمريكيين من أصل أفريقي، والبالغين المتعددي الأعراق شهدوا أكبر الزيادات، فقد أفاد أكثر من 45% من المشاركين في الدراسة بأنهم لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم في كل مجموعة، وهو أمر يضاف إلى التفاوتات العِرْقية المتأصلة في الرعاية الصحية في الولايات المتحدة.
كما أفاد ما بين 45 و50% من العاملين في مجال الرعاية الصحية والشرطة والجيش أنهم محرومون من النوم، وأفاد 41% من الأشخاص في مهن النقل والإنتاج عن الشيء نفسه.
هذا مصدر قلق، خاصة بالنظر إلى أن هذه الوظائف عالية الضغط غالبًا ما تؤدي إلى قرارات تتعلق بالحياة أو الموت يتم اتخاذها لمدة ثوانٍ فقط، مِن تجنّب الحوادث على الطريق، إلى الحد من تصعيد المواجهة التي قد تكون قاتلة.
أحد الأشياء التي يمكن لأصحاب العمل القيام بها هو اتخاذ خطوات للتأكّد من أن عُمَّالهم يحصلون على قسط كافٍ من الراحة.
نعاني جميعًا عندما يُحرَم سائقو الحافلات والشاحنات والأطباء والممرضات من النوم.
ربما يوافق العامِلون في المجال الطبي على ذلك، لكنّ جداولهم المزدحمة وساعاتهم الطويلة تجعل من غير الواقعي الحصول على قسط كافٍ من النوم لمدة 7 ساعات، بالإضافة إلى الليالي في الأسبوع.
إن عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم يمكن أن يؤثّر على طريقة تفكيرنا ورد فعلنا، بما في ذلك انخفاض اليقظة وضعف الذاكرة. للأسف، تؤثّر قلة النوم أيضًا على مزاجنا.
على مدى فترة طويلة من الزمن، تزيد ساعات الراحة المفقودة من خطر تعرض الشخص للحوادث، وتدهور نوعية الحياة بشكل عام.
يمكن أن يؤثّر وقت الشاشة أيضًا على النوم
بعض الأسباب الأكثر شيوعًا التي تجعل الناس يفقدون النوم هو العمل والمسؤوليات الاجتماعية، والتي تشمل الإفراط في استخدام التكنولوجيا الشخصية للبقاء على اطلاع دائم على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الشاشات المنتشرة في كل مكان، سواء كانت هواتف أو أجهزة لوحية أو أجهزة حاسوب أو تلفزيونات، تُصدر ضوءًا أزرق يَعْبث بأنماط نومنا، ويَصْعُب على الدماغ أن ينطفئ، لذا، امنح دماغك الوقت الكافي ليهدأ. يوصَى بتجنب تلك الشاشات المتوهجة قبل ساعتين من النوم.
يمكنك استخدام التكنولوجيا لمساعدتك على النوم من خلال ضبط منبه للنوم، يخبرك أن الوقت قد حان لتسلق سرير مريح في غرفة هادئة ومظلمة، يمكنك أيضًا استخدام جهاز مثل Fitbit لتتبع أنماط نومك. في المناخ الحالي للتكنولوجيا، يمكننا استخدامها لصالحنا بدلاً من إلحاق الضرر بنا.
المخاطر الصحية من قلة النوم
هناك عدد من المخاطر الصحية المرتبطة بالحرمان من النوم، ومنها:
- أداء الدماغ مشابه للشيخوخة، نظرت دراسة أجريت عام 2018 في الحرمان الشديد من النوم (ليس أكثر من أربع ساعات نوم في الليلة)، وجد الباحثون أنه أدى إلى انخفاض في القدرة على التفكير يعادل إضافة ما يقرب من ثماني سنوات في العمر.
- خطر الإصابة بمرض السكري، وجدت دراسة أجريت عام 2005 أن النوم لفترات قصيرة جدًا (ست ساعات أو أقل) يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري. ارتبط النوم لفترات طويلة (تسع ساعات أو أكثر) أيضًا بهذا الخطر المتزايد.
- موت مبكّر، وجدت مراجعة أجريت عام 2010 أن النوم القليل جدًا في الليل يزيد من خطر الموت المبكّر.
- خطر الإصابة بالسكتة الدماغية أو أمراض القلب، وجدت مراجعة أجريت عام 2011 لـ15 دراسة أن الأشخاص الذين ينامون أقل من سبع ساعات في الليلة يكونون أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية أو أمراض القلب، من الأشخاص الذين ينامون سبع إلى ثماني ساعات كل ليلة.
- الاكتئاب، قد يصاب الذين يفشلون في الحصول على نوم جيد ليلاً بالقلق والاكتئاب.
- تدهور الصحة المعرفية، قد تصبح أيضًا كثير النسيان، لأن فترة انتباهك قد تقل. قد يحدث أيضًا أنك لن تكون قادرًا على حل المشكلات بفعالية، وهذا هو السبب الذي يجعل معظمنا يشعر بالتعب مع قلة النوم.
- ظهور مشكلات الجلد، هل تزداد صحة بشرتك سوءًا يومًا بعد يوم؟ جرِّب وراجع نمط نومك. يمكن أن يسبب لك عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم الهالات السوداء والخطوط الدقيقة والبشرة الباهتة.
- زيادة الوزن، إذا كنت تنام بانتظام لمدة ثماني ساعات، يمكن لجسمك الحفاظ بسلاسة على جدول منتظم للشهية والجوع. يؤدي عدم النوم بشكل صحيح إلى زيادة إنتاجك لهرمون الجريلين المعروف بتحفيز الجوع. علاوة على ذلك، فإنه يقلل أيضًا من إنتاج هرمون اللبتين، والذي بدوره يثبط الشهية.
- فقدان الدافع الجنسي، تؤدي قلة النوم إلى توتر في الجسم، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الدافع الجنسي.
- ضعف المقدرة على اتخاذ القرارات بكفاءة بسبب قلة النوم.
لماذا لا نحصل على قسط كاف من النوم؟
وفقًا للأكاديمية الأمريكية لطب النوم، عادةً ما يكون سبب قلة النوم:
- الظروف الصحية الأساسية، يمكن أن يؤدي اضطراب النوم المستمر أو حالة صحية مضطربة أخرى إلى اضطراب النوم.
- التزامات العمل، يمكن أن تؤثّر ساعات العمل الطويلة أو غير المنتظمة على جدول نومك. قد يصاب بعض الأشخاص باضطراب نوم العمل بنظام الورديات.
- الالتزامات الشخصية، تشمل الأمثلة: إحضارَ طفل جديد إلى المنزل، أو تقديم الرعاية لشخص بالغ.
- يمكن لمشكلات النوم مثل الأرق، وتوقف التنفس أثناء النوم، والخدر، ومتلازمة تململ الساقين، أن تزعج نوم المرء حقًا.
- يمكن أن تتسبب الشيخوخة في معاناة غالبية الأشخاص فوق سن 65 عامًا من النوم بسبب مشكلات صحية مختلفة.
- يمكن أن يكون أيضًا نتيجة لأمراض أخرى. يُلاحظ الحرمان من النوم بشكل شائع عند الأشخاص بسبب الاكتئاب، أو متلازمة الألم المزمن، أو السرطان، أو السكتة الدماغية، أو مرض الزهايمر.
- الإجهاد هو سبب آخر للحرمان من النوم، ويمكن أن يمنحك وقتًا عصيبًا.
- كما أنه شائع في حالة الأمهات الجدد، وذلك لأن الجدول الزمني المتغير بسبب مولود جديد يمكن أن يزعج نوم الأم.
غير قادر على النوم؟ إليك بعض النصائح التي ستساعدك على النوم بشكل أفضل
-
حافِظ على روتين نوم مناسب
تحتاج إلى النوم في نفس الوقت كل ليلة، والاستيقاظ في نفس الوقت كل صباح. اتَّبِع نفس المواعيد، حتى خلال عطلات نهاية الأسبوع.
-
لا تأخذ قيلولة في فترة ما بعد الظهر
تجنَّب النوم في فترة ما بعد الظهيرة، حتى تتمكن من النوم بهدوء ليلًا.
-
تجنَّب تناول الكافيين
المعروف أيضًا باسم سارق النوم، يجب تجنب الكافيين بأي ثمن في المساء.
-
تجنَّب الكحول والتدخين
يمكن لتناول هذين المذنبَين القاتلَين سرقة نومك.
-
حافِظْ على نشاطك البدني
تحتاج إلى ممارسة الرياضة يوميًا للحفاظ على لياقتك، والحصول على نوم مناسب.
-
اصنَعْ جوَّ غرفة نوم مريح
اجعل غرفة نومك مظلمة وهادئة، وليست دافئة أو باردة جدًا، للاستمتاع بنوم هانئ ليلاً. استخدم مرتبة ثابتة ووسادة تدعم ظهرك.
-
اتَّبِع طقوس النوم
يمكنك القراءة والاستماع إلى الموسيقى أو الاستحمام بماء دافئ لتهدئة جسدك وعقلك.
-
قلِّل من تعرضك للأجهزة الإلكترونية
لا تستخدم هاتفك أو تشاهد التلفاز قبل النوم مباشرة.
-
لا تشرب كثيرًا من الماء في المساء
تجنَّب شرب الماء أو أي سوائل أخرى عندما تكون على وشك النوم.
الخلاصة:
النوم أمر بالغ الأهمية لصحة جيدة، يمكن أن يؤدي عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم إلى ضعف أداء الدماغ، وعلى المدى الطويل، إلى زيادة مخاطر الإصابة بحالات صحية تشمل أمراضَ القلب والسكتة الدماغية والسكري.
حاوِل الحصول على 7-8 ساعات من النوم كل ليلة. لمساعدتك على النوم جيدًا، مارِسْ عادات نوم جيدة. إذا وجدت صعوبة في التركيز على عملك، أو شعرت بمشاعر متكررة من الإحباط أو الغضب أو الاكتئاب أو القلق أو التوتر، أو كنت تعاني من مشكلات ارتفاع ضغط الدم، فاستشر الطبيب دون أي تأخير.
المصادر: