عادات الأم الصحية أثناء الحمل تعزز التنظيم العاطفي لدى الأطفال

يسعى جميع الآباء والأمهات الذين ينتظرون مولودًا جديدًا لتوفير أفضل بداية صحية ممكنة لأطفالهم، وتعتبر فترة الحمل من أهم المراحل التي تؤثر على صحة الطفل ونموه البدني والعقلي على المدى الطويل. وفي هذا السياق، كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة بروك وجامعة ماكماستر في كندا عن دور التغذية الصحية والنشاط البدني أثناء الحمل في تعزيز التنظيم العاطفي لدى الأطفال. نُشرت نتائج هذه الدراسة في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية (American Journal of Clinical Nutrition) في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2024.

العوامل المؤثرة في التنظيم العاطفي لدى الأطفال تبدأ في رحم الأم

أظهرت الدراسة أن فوائد التغذية الصحية وممارسة النشاط البدني أثناء الحمل لا تقتصر على صحة الحامل فحسب، بل تشمل أيضًا صحة الطفل لسنوات بعد الولادة. وجدت النتائج أن الأطفال الصغار الذين اتبعت أمهاتهم نظامًا غذائيًا صحيًا ومارسنَ النشاط البدني خلال فترة الحمل، أظهروا قدرة أكبر على تنظيم عواطفهم مقارنة بالأطفال الذين تلقت أمهاتهم الرعاية التقليدية السابقة للولادة وحدها.

التنظيم العاطفي لدى الأطفال هو القدرة على التعرف على العواطف، وفهمها، والسيطرة عليها، والتعبير عنها بطريقة صحيحة. وأكد الباحثون أن نتائج هذه الدراسة تسلط الضوء على الفوائد المحتملة لتحسين النظام الغذائي وممارسة النشاط البدني أثناء الحمل في تقليل مخاطر الاضطرابات النفسية التي قد تصيب الأطفال في المستقبل.

دور التغذية الصحية والنشاط البدني للحامل في تعزيز التنظيم العاطفي لدى الأطفال

شملت الدراسة 50 امرأة حاملًا في الفترة ما بين الأسبوعين 12 و17 من حملهنّ، وتم تقسيمهنّ إلى مجموعتين:

• المجموعة الأولى: خضعت المشاركات في هذه المجموعة لنظام غذائي غني بالبروتينات يتضمن أطعمة مثل الزبادي اليوناني القليل الدسم، والجبن القريش، والحليب القليل الدسم، بالإضافة إلى جلسات استشارية غذائية شخصية. كما شاركنَ في برنامج رياضي للمشي من 3 إلى 4 مرات في الأسبوع، حتى وصلنَ إلى 40 دقيقة مشي في أواخر الحمل.
• المجموعة الثانية: تلقت المشاركات في هذه المجموعة رعاية الحمل التقليدية دون أي تدخل إضافي.

بعد حوالي عامين، قام الباحثون بتقييم مهارة التنظيم العاطفي لدى الأطفال من خلال إعطائهم مهام مصممة لاختبار قدرتهم على التحكم في اندفاعهم ودرجة انتباههم. في المهمة الأولى، جلس الطفل أمام لعبة جذابة وطُلب منه إبقاء يديه على الطاولة دون لمس اللعبة حتى يسمع صوت الجرس، مع زيادة الفترة الزمنية بين دقات الجرس. هذا الاختبار يقيس قدرة الطفل على تأخير الإشباع، وهو القدرة على مقاومة الرغبة في الحصول على مكافأة فورية من أجل الحصول على مكافأة أكبر لاحقًا.

وفي المهمة الثانية، أعطى الباحثون الطفل لعبة مختلفة، وسجلوا مدة لعب الطفل بها، ومتى يتوقف عن اللعب بها، كرروا العملية مرتين إضافيتين لقياس مدى تركيز الطفل ومدة انتباهه. وبالإضافة إلى ذلك، أكمل الوالدان استبيانَين:

• قائمة مراجعة سلوك الطفل (CBCL)، لتقييم أعراض المشكلات العاطفية والسلوكية لدى الأطفال.
• مقياس التقدير السلوكي للوظائف التنفيذية (BRIEF) لمرحلة ما قبل المدرسة، لتقييم مهارات الذاكرة، ومرونة التفكير، وضبط النفس.

أظهرت النتائج أن الأطفال الذين كانت أمهاتهم في المجموعة الأولى بالمقارنة مع الأطفال الذين كانت أمهاتهم في المجموعة الثانية:

• كان لديهم مشكلات أقل في التحكم بالنفس والمرونة العقلية والوظائف التنفيذية.
• كان لديهم أعراض مشكلات سلوكية وعاطفية أقل.
• استطاعوا الانتباه لفترات أطول.
• أظهروا سلوكًا أقل اندفاعًا.

اقرأ أيضاً

سوء تنظيم المشاعر.. ما هو؟ وما هي أسبابه؟

تعزيز التنظيم العاطفي لدى الأطفال خلال فترة الحمل وبعدها

أوضح الباحثون أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تدخلت في النظام الغذائي والنشاط البدني للمشاركات أثناء الحمل وقدمت لهنّ الأغذية الكاملة، وهذا منح الباحثين رؤية حول كيف يمكن للتدخلات المستقبلية معالجة التفاوتات الغذائية في المجتمعات وتفيد صحة النساء الحوامل وأدمغة أطفالهن.

وأكدوا أنه بالرغم من أن النظام الغذائي الصحي أثناء الحمل يمنح الأطفال بداية قوية، فإن أدمغة الأطفال الصغار بعد الولادة تبقى مرنة وقابلة للتغيير، ويمكن تعزيزها من خلال الأطعمة المغذية والأنشطة التي تطور الدماغ. كما أشاروا إلى أن الخطوة التالية هي توسيع نطاق الدراسة لتشمل مشاركات من خلفيات اجتماعية واقتصادية منخفضة ومجموعات عرقية متنوعة، لأن هذه الدراسة ركزت على مشارِكات من الطبقة المتوسطة والأصول الأوروبية.