قامت تقنية تجريبية بترجمة إشارات دماغ مصابة بالشلل بسبب سكتة دماغية إلى كلمات مسموعة، مما مكَّنها من التواصل من خلال الصور الرمزية الرقمية.
في عام 2005، أصيبت آن جونسون بسكتة دماغية تعرَّضت على إثرها لشلل كامل، وأصبحت ضمن الملايين من فاقدي النطق، وكانت تبلغ من العمر 30 عاماً، وكانت في أحسن الأحوال يمكنها إصدار الأصوات، لكن دماغها كان لا يزال يطلق الإشارات العصبية.
تعتمد هذه التقنية، التي طورها باحثون في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو وجامعة كاليفورنيا بيركلي، على زرعة توضع على سطح دماغ جونسون في المناطق المرتبطة بالكلام واللغة.
تحتوي الزرعة الدماغية، التي تلقتها جونسون في عملية جراحية العام الماضي، على 253 قطبًا كهربائيًا تلتقط إشارات الدماغ من آلاف الخلايا العصبية، وأثناء الجراحة قام الأطباء أيضًا بتركيب منفذ في رأس جونسون يتصل بكابل، والذي يحمل إشارات دماغها إلى بنك الحاسوب، ثم تستخدم أجهزة الحاسوب خوارزميات الذكاء الاصطناعي لترجمة إشارات الدماغ إلى جُمَل يتم نطقها من خلال شخصية متحركة رقميًا، ويبدو أن هذا النظام أسرع وأكثر دقة من التقنيات السابقة، والتي حاولت تقديم إنجازات مشابهة.
كما استخدم الباحثون تسجيلاً لجونسون وهي تتحدث في حفل زفافها لتخصيص صوت الصورة الرمزية، وقام النظام أيضًا بتحويل إشارات دماغ جونسون إلى حركات الوجه على الصورة الرمزية، مثل الشفاه المزمومة، والتعبيرات العاطفية، مثل الحزن أو المفاجأة.
كيف يمكن لزراعة الدماغ أن تمكن الكلام لفاقدي النطق؟
ساعدت دراسة ثانية، نُشرت أيضًا في مجلة Nature، امرأةً مصابة بالشلل على التواصل، إذ تعاني المريضة "بات بينيت" من مرض التصلب الجانبي الضموري، وهي حالة عصبية تُضعِف العضلات، ولا تزال "بينيت" قادرة على التحرك وارتداء ملابسها بنفسها، لكنها لم تَعُد قادرة على استخدام العضلات الموجودة في فمها وحلقها لتكوين الكلمات.
وبعد أن زرعوا جهازَي استشعار صغيرَين في دماغها، قام الباحثون في جامعة ستانفورد بتدريب برنامج حاسوبي لفك تشفير الإشارات من خلايا الدماغ وتحويلها إلى كلمات على شاشة الحاسوب، وكما هو الحال في الدراسة الأولى، تم توصيل أجهزة الاستشعار بالحاسوب عن طريق كابل، وقد حوَّلت هذه التقنية إشارات "بينيت" العصبية إلى كلمات بمعدل 62 كلمة في الدقيقة، وكانت دقيقة بنسبة 91% تقريباً.
كتبت "بينت" في بيان: "إن هذه التقنية يمكن أن تصبح في نهاية المطاف في متناول الأشخاص الذين لا يستطيعون التحدث بسهولة، وهذا يعني أنهم يستطيعون البقاء على اتصال بالعالم، وربما الاستمرار في العمل والحفاظ على الأصدقاء والعلاقات العائلية"
تقنية التواصل بين الدماغ والحاسوب ليست مثالية بعد
تعود التجارب التي تَستخدم الأقطاب الكهربائية لقراءة إشارات الدماغ إلى أواخر التسعينات، لكن مجال الأبحاث قَطَع خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2021، استَخدم فريق ستانفورد الذي يقف وراء تجربة "بينيت" برنامجَ زرع الدماغ والذكاء الاصطناعي لترجمة إشارات الدماغ المرتبطة بالكتابة اليدوية من رجل مشلول إلى نص على شاشة الحاسوب، وفي العام نفسه، أثبتت مجموعة تشانغ البحثية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو لأول مرة أنها تستطيع بنجاح ترجمة إشارات الدماغ من رجل مصاب بالشلل الكلي إلى كلمات مباشرة.
لكن التجربتين الجديدتين الموصوفتين في مجلة Nature أتاحتا اتصالات أسرع بكثير من المحاولات السابقة.
ومع هذه الدراسات الجديدة، أصبح من الممكن الآن تخيل المستقبل، إذ يمكننا استعادة التحدث بطلاقة لشخص مصاب بالشلل، وتمكينه من قول ما يريد بحرية وبدقة عالية بما يكفي لفهمه بشكل موثوق.
ومع ذلك، فقد سلَّطت مقالةٌ -جنبًا إلى جنب مع الدراستين السابقتين- الضوءَ على العديد من التحديات التي تواجه إتاحة هذه التقنيات على نطاق واسع.
أولاً: لوحظ أن كل المشاركين في التجربتين لا يزال بإمكانهم تحريك عضلات الوجه وإصدار الأصوات إلى حد ما، لذلك من غير الواضح كيف ستعمل الأنظمة لدى الأشخاص الذين لا يستطيعون إصدار أي حركة.
ثانياً: تساءلت المقالة عما إذا كان من الممكن تشغيل هذه التكنولوجيا من قبل أي شخص آخر غير الباحثين ذوي المهارة العالية.
قالت المقالة الافتتاحية: إن هذه الأنظمة لا تزال معقدة للغاية، بحيث لا يستطيع مقدمو الرعاية العمل في المنزل دون تدريب وصيانة مكثفة، واعترف الدكتور جيمي هندرسون، أستاذ جراحة الأعصاب في جامعة ستانفورد الذي أجرى عملية بينيت، بالقيود، لكنه قال إن هناك مجالًا كبيرًا لتحسين التقدم بشكل أكبر، وقال إن هدفه على المدى الطويل هو ضمان عدم فقدان الأشخاص المصابين بمرض التصلب الجانبي الضموري القدرة على التواصل أبدًا.
المصدر:
A high-performance neuroprosthesis for speech decoding and avatar control
A high-performance speech neuroprosthesis