دواء واعد يساهم في القضاء على فيروس نقص المناعة البشري

فيروس نقص المناعة البشري (HIV)، أو ما يُعرف أيضًا بفيروس العَوَز المناعي البشري أو فيروس الإيدز، هو عدوى تهاجم جهاز المناعة في الجسم وتُضعفه، ولا يوجد علاج شافٍ لهذا المرض، ولكن يمكن استخدام مجموعة متنوعة من الأدوية معًا من أجل السيطرة على تكاثر الفيروس. وقد توصلت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة تولين في الولايات المتحدة إلى أن دواءً تجريبيًا تم تطويره في الأصل لعلاج السرطان يمكن أن يساعد في القضاء على فيروس نقص المناعة البشري في الخلايا المصابة بالدماغ. نُشرت الدراسة في مجلة الدماغ (Brain)، المجلة العلمية المتخصصة في علم الأعصاب، في 25 تموز/يوليو 2024.

أمل جديد في القضاء على فيروس نقص المناعة البشري في الدماغ

اكتشف باحثون من مركز أبحاث الرئيسيات الوطني التابع لجامعة تولين أن دواءً للسرطان قلل بشكل كبير مستويات فيروس نقص المناعة القِرَدي (SIV) -وهو النسخة غير البشرية لفيروس نقص المناعة البشري- في الدماغ من خلال استهداف واستنزاف بعض الخلايا المناعية التي تحتوي على الفيروس.

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة والمدير المساعد للأبحاث في المركز، الدكتور ونغ كي كيم: "هذه الدراسة هي خطوة مهمة في معالجة المشكلات المتعلقة بالدماغ التي يسببها فيروس نقص المناعة البشري، والتي ما تزال تؤثر على المصابين حتى عندما يتناولون أدوية فعالة ضد الفيروس. ومن خلال استهداف الخلايا المصابة في الدماغ بالتحديد، ربما نتمكن من إزالة الفيروس من هذه المناطق التي يصعب الوصول إليها، وهو ما كان تحديًا كبيرًا في علاج فيروس نقص المناعة البشري". وفي هذه الدراسة، ركز الباحثون على البَلعَميات، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء التي تأوي فيروس نقص المناعة البشري في الدماغ.

باستخدام مثبط جزيئي صغير لحجب مستقبل معين يوجد كثيرًا في البَلعَميات المصابة بفيروس نقص المناعة البشري، نجح الفريق في تقليل كميات الفيروس في الدماغ. أدى هذا النهج إلى إزالة الفيروس من أنسجة الدماغ، ما قد يوفر مسارًا علاجيًا جديدًا محتملًا لفيروس نقص المناعة البشري.

العلاج المضاد للفيروسات القهقَرية ضروري لعلاج فيروس نقص المناعة البشري لكنه لا يقضي عليه

تشكل العلاجات المضادة للفيروسات القهقَرية (ART) عنصرًا أساسيًا في نجاح علاج فيروس نقص المناعة البشري لأنها تحافظ على الفيروس عند مستويات غير قابلة للكشف في الدم، وتحوله من مرض مميت إلى حالة يمكن ضبطها. ومع ذلك، فإن العلاج المضاد للفيروسات القهقرية لا يقضي على فيروس نقص المناعة البشري تمامًا، ما يستلزم العلاج مدى الحياة. ويظل الفيروس كامنًا في المستودعات الفيروسية في الدماغ والكبد والغدد الليمفاوية، حيث يبقى بعيدًا عن تأثير العلاج المضاد للفيروسات القهقرية.

القضاء على فيروس نقص المناعة البشري في الدماغ ضروري للعلاج الشامل للمرض

الدماغ هو أحد أصعب المناطق للغاية للعلاج، وذلك بسبب حاجز الدم الدماغي، وهو الغشاء الواقي الذي يحمي الدماغ من دخول المواد المضرة إليه، ولكنه يمنع أيضًا العلاجات من الوصول إلى تلك المنطقة ما يسمح للفيروس بالبقاء. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخلايا الموجودة في الدماغ المعروفة باسم البَلعَميات أو الخلايا البلعَمية تعيش لفترات طويلة للغاية، ما يجعل من الصعب القضاء عليها عند إصابتها بالفيروس.

ويعتقد الخبراء أن إصابة البلعميات تساهم في حدوث اختلالات عصبية مَعرفية، وهي مشكلة يعاني منها ما يقرب من نصف المصابين بفيروس نقص المناعة البشري. لذا، فإن القضاء على فيروس نقص المناعة البشري في الدماغ أمر بالغ الأهمية للعلاج الشامل، كما يمكن أن يحسّن بشكل كبير جودة الحياة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات عصبية مَعرفية مرتبطة بفيروس نقص المناعة البشري.

دواء تجريبي لعلاج السرطان قد يساعد في القضاء على فيروس نقص المناعة البشري في خلايا الدماغ

تمت دراسة المثبط الجزيئي الصغير BLZ945، المستخدَم سابقًا في علاج مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) وسرطان الدماغ، ولكن لم يتم دراسته من قبل لاستخدامه للقضاء على فيروس نقص المناعة البشري في الدماغ. وفي هذه الدراسة، التي أجريت في مركز أبحاث الرئيسيات الوطني التابع لجامعة تولين، استخدم الباحثون ثلاث مجموعات من القرود المصابة بفيروس نقص المناعة:

  • المجموعة الأولى: لم تتلق العلاج بالدواء التجريبي.
  • المجموعة الثانية: تلقت العلاج بجرعة منخفضة من الدواء لمدة 30 يومًا.
  • المجموعة الثالثة: تلقت العلاج بجرعة عالية من الدواء لمدة 30 يومًا.

وأظهرت النتائج أن العلاج بجرعة عالية من الدواء أدى إلى انخفاض ملحوظ في الخلايا التي تحتوي على مستقبلات فيروس نقص المناعة، وكذلك في كميات الفيروس في الدماغ بنسبة 95% إلى 99%. وبالإضافة إلى ذلك، لم يؤثر العلاج بشكل كبير على الخلايا الدَِّبَقية العصبية الصغيرة (الدَّبقيات)، وهي خلايا مناعية في الدماغ ضرورية للحفاظ على بيئة مناعية عصبية صحية. كما لم تظهر أي علامات على تسمُّم الكبد بسبب الجرعات التي تم اختبارها.

استراتيجيات علاجية شاملة قيد التطوير.. خطوة نحو القضاء على فيروس نقص المناعة البشري

تعد هذه الدراسة خطوة كبيرة نحو القضاء على فيروس نقص المناعة البشري (HIV) في الأماكن التي يصعب الوصول إليها داخل الجسم التي يستطيع الفيروس أن يكمن فيها ويتهرُّب من العلاجات الفعالة. الخطوة التالية لفريق الدراسة هي اختبار هذا الدواء مع العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية لتقييم فعالية العلاج في علاج منهجي مشترك، وذلك يمكن أن يفتح المجال لاستراتيجيات أكثر شمولًا للقضاء على فيروس نقص المناعة البشري من الجسم بالكامل.

آخر تعديل بتاريخ
08 سبتمبر 2024