حقق باحثون من مركز ستيفنسون للسرطان في جامعة أوكلاهوما للعلوم الصحية في الولايات المتحدة، إنجازًا علميًا مهمًا من خلال دراسة ثورية جديدة قد تُحدِث نقلة نوعية في علاج سرطان البنكرياس الذي يعد أشد أنواع السرطان فتكًا، إذ يصعب اكتشافه في مراحله الكبرى، ممّا يقلل من فرص نجاح علاجه بشكل كبير.
وقد طوَّر الباحثون تقنية تصوير مبتكرة للكشف عن سرطان البنكرياس في مراحله المبكرة، وبفضل هذه التقنية الجديدة، قد يصبح اكتشاف هذا المرض في مراحله المبكرة أسهل من أي وقت مضى، مما يزيد فرص الشفاء منه، ويمنح المرضى فرصة لعيش حياتهم لفترة أطول وبصحة أفضل.
نهج جديد للكشف المبكر عن سرطان البنكرياس
ركزت الدراسة على مجموعة من تقنيات التصوير المبتكرة، وجمعت بين تقنية التصوير المقطعي البصري الصوتي المتعدِّد الأطياف (MSOT)، وعامل تباين تم ابتكاره حديثًا يمكنه التعرُّف على خلايا سرطان البنكرياس. يهدف نهج التصوير الجديد إلى تحسين اكتشاف خلايا سرطان البنكرياس على المستوى المجهري، وباستخدام هاتَين التقنيتَين معًا، يمكن لهذا النهج الجديد كشف خلايا سرطان البنكرياس بحجم حوالي 200 ميكرون، وهو عرض رمش العين تقريبًا، أي أصغر بما يقرب من 10 أضعاف الحجم الذي يمكن اكتشافه بالوسائل الحالية.
تحديات علاج سرطان البنكرياس
صرَّح الدكتور أجاي جين، أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة أوكلاهوما، أن سرطان البنكرياس هو أحد أصعب أنواع السرطانات علاجًا، وذلك بسبب صعوبة اكتشاف الخلايا السرطانية على المستوى المجهري. وبما أن الأعراض المبكرة لسرطان البنكرياس لا تظهر عادةً، فإنه غالبًا ما يتم تشخيصه بعد انتشاره، مما يؤدي إلى نتائج سيئة للغاية، إذ يكون معدل النجاة منه حوالي 9%. تُقدم الجراحة والعلاج الكيميائي أفضل فرصة للمرضى للبقاء على قيد الحياة، ولكن نجاح الجراحة يتطلَّب إزالة جميع الخلايا السرطانية، وهذا أمر يصعب تحقيقه إذا تأخر اكتشاف المرض.
يؤثر سرطان البنكرياس بشكل متفاوت على الأشخاص الذين يبلغون من العمر 60 عامًا أو أكثر، الذين يواجهون مخاطر أكبر من العمليات الجراحية الكبيرة مقارنة بالمرضى الأصغر سنًا، وعادةً لا يستطيعون تحمل عملية جراحية كبيرة. كما تتمثَّل التحديات في علاج سرطان البنكرياس في صعوبة اكتشافه في مراحله المبكرة. فخيارات التصوير الحالية، مثل التصوير المقطعي المحوسب (CT)، لا تكتشف السرطان إلا بعد أن ينمو ويكبر ليصل حجمه إلى سنتيمتر تقريبًا.
تقنية جديدة لتحديد خلايا سرطان البنكرياس .. كيف تعمل؟
تجمع التقنية الجديدة بين عامل التباين الفريد من نوعه الذي ابتكرته الدكتورة لايسي ماكنالي، أستاذة الجراحة في كلية الطب بجامعة أوكلاهوما، وجهاز التصوير المقطعي البصري الصوتي المتعدد الأطياف (MSOT). وأكدت الدكتورة ماكنالي، أن هذه التقنية يمكنها أن تحقق ما لا تستطيع تقنية التصوير المقطعي المحوسب (CT) تحقيقه. وأشارت إلى أن سرطان البنكرياس غالبًا ما يُنتج مواد تنتشر خارج الورم الرئيسي، وفي الوقت الحالي، لا توجد طريقة للجراحين لتحديد مواقعها. ولكن إذا تمكَّن فريق الجراحة من استخدام تقنية MSOT في غرفة العمليات، فسيتمكنون من تحديد أماكن انتشار السرطان بشكل فوري، وبالتالي إزالتها.
عندما يتم إدخال عامل التباين الجديد عبر الوريد، يمكنه أن يميز بين خلايا سرطان البنكرياس والخلايا الأخرى. ولأن بيئة سرطان البنكرياس حمضية، فعندما يتعرض هذا العامل لهذه الحموضة، فإن صبغته تضيء. ويقوم جهاز التصوير المقطعي البصري الصوتي المتعدد الأطياف (MSOT) بتوجيه ضوء الأشعة تحت الحمراء إلى داخل الجسم، مما يُحفّز عامل التباين. ويؤدي ذلك إلى إنتاج موجات صوتية يلتقطها الجهاز ويحوّلها إلى صور ملوَّنة ومفصَّلة للغاية، لدرجة أنها تُظهر الخلايا السرطانية التي لا يمكن اكتشافها بوسائل التصوير التقليدية.
نقلة نوعية في جراحة سرطان البنكرياس .. وإمكانية تحديد مسار العلاج
ستكون تقنية التصوير الجديدة نقلة نوعية بالنسبة لجرّاحي سرطان البنكرياس، إذ يمكن أن تساعدهم أيضًا في التخطيط للنهج الجراحي الذي يرغبون في اتّباعه. على سبيل المثال، إذا كشف جهاز MSOT أن السرطان قد انتشر في الأوعية الدموية الرئيسية المحيطة برأس البنكرياس، فسيقوم الجراحون بإجراء العملية بشكل مختلف عمّا لو كانوا لا يعرفون ذلك. وفي حال تم إعطاء العلاج الكيميائي قبل الجراحة، يمكن للتصوير أن يحدد ما إذا كانت الخلايا السرطانية الموجودة على الأوعية الدموية قد ماتت، أو ما إذا كانت الخلايا السرطانية الصغيرة ما تزال موجودة.
أمل جديد لمرضى سرطان البنكرياس
يمكن استخدام هذا النهج التصويري الجديد كأداة لفحص الأشخاص المعرَّضين لمخاطر عالية للإصابة بسرطان البنكرياس، مثل أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي للمرض، أو لديهم استعداد وراثي للإصابة به. وأكد الدكتور جين على أهمية الكشف المبكر عن المرض، قائلًا: "يمنح الكشف المبكر عن سرطان البنكرياس أفضل فرصة للشفاء. إذا اكتشفنا السرطان في مرحلة مبكرة جدًا وعلى المستوى المجهري، فقد نتمكن من علاجه".
وأضافت الدكتورة ماكنالي: "لدينا الفرصة لتحسين التقنيات الجراحية لعلاج سرطان البنكرياس. لقد أحرزت المجتمعات العلمية والطبية تقدمًا طبيًا في علاج بعض أنواع السرطان، ولكن مرضى سرطان البنكرياس لديهم حاليًّا أدنى معدلات البقاء على قيد الحياة، ويمكن لنتائج هذه الدراسة أن تُحدث تغييرًا جذريًا في حياتهم".
أعراض سرطان البنكرياس
قد لا يسبب سرطان البنكرياس أي أعراض، أو قد يصعب ملاحظتها، وتشمل ما يلي:
- اصفرار بياض العينين أو الجلد (اليرقان)، وقد يصاحب ذلك أيضًا حكة في الجلد، وبول داكن وبراز شاحب أكثر من المعتاد.
- ألم شديد ومستمر في أعلى البطن والظهر.
- فقدان الشهية وخسارة الوزن.
- الشعور بالإرهاق أو قلة الطاقة.
- ارتفاع درجة الحرارة، أو الشعور بالحرارة أو الارتعاش.
يمكن أن تؤثر أعراض أخرى على عملية الهضم، مثل:
- الشعور بالغثيان أو التقيؤ.
- الإسهال أو الإمساك، أو تغيرات أخرى في البراز.
- ألم في الجزء العلوي من البطن والظهر، والذي قد يزداد عند تناول الطعام أو الاستلقاء، ويتحسن عند الانحناء إلى الأمام.
- أعراض عسر الهضم، مثل الشعور بالانتفاخ.