يُعدّ سحب الدم العلاجي (الفَصد Therapeutic Phlebotomy) إجراءً طبيًا يُستخدم فيه سحب الدم من الجسم لعلاج بعض الاضطرابات الدموية، مثل كثرة كريات الدم الحمراء الحقيقية (Polycythemia Vera - PV)، أو داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي (Hereditary Hemochromatosis). يتم إجراء الفصد في المستشفيات أو العيادات الطبية بهدف خفض مستويات كريات الدم الحمراء أو الحديد المرتفعة بشكل مفرط في الجسم.
عندما تتوازن مستويات الدم، قد تقل جلسات العلاج تدريجيًا، وفي بعض الحالات يتم التوقف عن هذا العلاج بشكل كامل. على عكس "الفصد" التقليدي الذي كان يُستخدم لعلاج الأمراض بشكل عام في العصور القديمة، يُجرى الفصد العلاجي الحديث لأسباب طبية محددة ولمعالجة مشكلات صحية دقيقة.
فوائد العلاج بالفصد أو سحب الدم العلاجي
سحب الدم (الفَصد) بشكل عام هو إجراء طبي يستخدم عادةً لأخذ عينات دم لإجراء اختبارات أو لأغراض التبرع بالدم، أما الفصد العلاجي فيستهدف تصحيح اختلالات معينة في الدم تؤدي إلى مشكلات صحية محددة. الهدف من هذا العلاج هو إعادة مستويات الدم إلى معدلاتها الطبيعية، وهناك خمس حالات رئيسية يُستخدم فيها الفصد العلاجي هي:
كثرة كريات الدم الحمراء الحقيقية (Polycythemia Vera - PV)
كثرة كريات الدم الحمراء الحقيقية هو نوع نادر من سرطان الدم يُسبب إنتاج نخاع العظم لكمية زائدة من كريات الدم الحمراء، وهذا يؤدي إلى زيادة كثافة الدم ويجعله أكثر عرضة للتجلط، ما يزيد خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. يُساعد الفصد العلاجي في تقليل هذه المخاطر من خلال خفض نسبة كريات الدم الحمراء، ويُقاس ذلك بواسطة اختبار الهيماتوكريت (Hematocrit - HCT).
يُزال من الدم حوالي 250 إلى 500 سنتيمتر مكعب (ما يعادل كوب إلى كوبين) يوميًا أو كل يومين حتى تصل نسبة الهيماتوكريت إلى النسبة المثلى، والتي تتراوح بين 40% و45%. بعدها، يتم إجراء فحوصات دورية كل أربعة إلى ثمانية أسابيع للتحقق من استقرار هذه النسبة.
داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي (Hereditary Hemochromatosis)
داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي هو اضطراب جيني يحدث فيه امتصاص مفرط للحديد من الطعام. مع تراكم وترسب الحديد في الجسم، يتعرض المصاب لمخاطر تلف الدماغ والقلب والكبد والبنكرياس. الفصد العلاجي هو جزء أساسي من العلاج، إذ يُزال الحديد الزائد قبل أن يتسبب بحدوث أي أضرار.
يُجرى الفصد العلاجي مرة واحدة في الأسبوع أو كل أسبوعين حتى تصل مستويات الحديد، التي تُقاس عبر تحليل مستوى الفيريتين (Ferritin) في الدم، إلى 50 ميكروغرامًا لكل لتر أو أقل. بعد ذلك، تُراقب مستويات الحديد بانتظام، وتكرر جلسات الفصد إذا لزم الأمر.
داء ترسب الأصبغة الدموية المكتسب (Acquired Hemochromatosis)
هذا النوع من ترسب الأصبغة الدموية يُعرف أيضًا باسم داء الأصبغة الدموية الثانوي، ويحدث بسبب حالات أو إجراءات طبية تُسبب زيادة الحديد في الدم مثل:
- تلقي عدة عمليات نقل دم.
- الثلاسيميا، فقر الدم المنجلي، أو فشل نخاع العظم.
- أمراض الكبد الكحولية.
- الفشل الكلوي.
- تناول كميات مفرطة من مكملات الحديد.
يعتمد علاج ترسب الأصبغة الدموية المكتسب على الفصد العلاجي تمامًا كما هو الحال في حالة داء ترسب الأصبغة الوراثي، وقد يتم استخدام علاج التخلب (Chelation Therapy) لإزالة الحديد الزائد من الأنسجة.
البورفيريا الجلدية المتأخرة (Porphyria Cutanea Tarda - PCT)
البورفيريا الجلدية المتأخرة هو اضطراب نادر يُسبب تشكل بثور على الجلد عند التعرض لأشعة الشمس، ويحدث ذلك عندما تتراكم مادة البورفيرين في الدم، وهي مادة تتحول إلى الهيموجلوبين في الجسم. قد تكون الأسباب وراثية، أو نتيجة لنقص إنزيم يسمى يوروبورفيرينوجين ديكربوكسيلاز (Uroporphyrinogen Decarboxylase - UROD)، أو نتيجة لأمراض أخرى مثل ترسب الأصبغة الدموية، أو أمراض الكبد الناتجة عن الكحول، أو العلاج بالهرمونات الأنثوية، أو التعرض لبعض المواد الكيميائية.
لعلاج البورفيريا، يُزال حوالي 500 سنتيمتر مكعب من الدم يوميًا أو كل يومين لمدة خمس إلى ثماني جلسات حتى تنخفض مستويات البورفيرين في الدم إلى المستوى غير القابل للكشف.
زيادة الكريات الحمر في الدم بعد زراعة الكلى (Post-Transplant Erythrocytosis - PTE)
قد يُستخدم الفصد العلاجي بعد زراعة الكلى لعلاج حالة تُعرف باسم زيادة الكريات الحمر بعد الزراعة، ويحدث ذلك عندما ترتفع مستويات الهيماتوكريت بأكثر من 50% بعد عملية الزراعة، ويُعتبر هذا الارتفاع مشكلة خطيرة تزيد من خطر رفض الجسم للعضو المزروع.
في مثل هذه الحالات، يُستخدم الفصد العلاجي لخفض نسبة الهيماتوكريت إلى مستوياتها الطبيعية، تمامًا كما في حالة كثرة كريات الدم الحمراء.
كيفية إجراء العلاج بالفصد أو سحب الدم العلاجي
يُمكن إجراء العلاج بالفصد أو سحب الدم العلاجي في مراكز التبرع بالدم، أو في عيادة الطبيب، أو في وحدات الفصادة المتخصصة في المستشفيات. يعتمد عدد الجلسات على كمية الدم المراد سحبها، وقد تستغرق الجلسة الواحدة ساعة أو أقل. يتم إجراء جلسات الفصد العلاجي على عدة مراحل، مع إجراء فحوصات دم بين الجلسات للتحقق من استقرار المستويات في المجال المطلوب.
قد يتم إجراء الفصد العلاجي يوميًا أو كل يومين عند بدء العلاج، ثم تُحدد الجلسات بعد ذلك بشكل أسبوعي أو شهري أو كل ثلاثة أشهر حسب الحاجة استنادًا إلى نتائج فحوصات الدم.
نصائح للتعامل مع آثار العلاج بالفصد أو سحب الدم العلاجي
قد يشعر الشخص بعد الفصد العلاجي بالدوار أو الغثيان بسبب فقدان الدم، ومن الأعراض الجانبية الشائعة أيضًا القيء أو الكدمات في منطقة الفصد. لمساعدة الجسم على التكيف مع العلاج، يُوصى باتباع الإرشادات التالية:
- اصطحاب شخص آخر لقيادة السيارة بعد الجلسة.
- تجنب قيادة السيارة أو استخدام الآلات الثقيلة لمدة 24 ساعة.
- شرب كميات كافية من الماء لتعويض السوائل.
- تجنب التدخين لمدة ساعة على الأقل.
- تجنب تناول الكحوليات حتى تناول وجبة كاملة.
- الاستلقاء في حالة الشعور بالدوار أو الإغماء.
- الاتصال بالطبيب فورًا في حالة ظهور حمى عالية أو عدم توقف النزيف.
الأسئلة الأكثر شيوعًا
كيفية إجراء سحب الدم العلاجي؟
يتم إجراء سحب الدم العلاجي أو الفصد العلاجي في مستشفى أو عيادة طبية، إذ يقوم المتخصص بوضعك على سرير أو كرسي مريح، وفحص ضغط الدم ونبض القلب. يُدخل إبرة في وريد بالذراع، متصلة بأنبوب وكيس لجمع الدم، ويتم سحب كمية محددة من الدم تتراوح بين 250 و500 سنتيمتر مكعب، بناءً على الحالة الطبية. يُعوض الفقد في السوائل بشرب الماء أو بتمرير سوائل في الوريد، وبعد الانتهاء، تُزال الإبرة وتُغطى منطقة الوخز بضمادة.
هل سحب الدم صحي؟
نعم، سحب الدم العلاجي يعتبر صحيًا وضروريًا للأشخاص الذين يعانون من بعض الحالات الطبية التي تتطلب تقليل مستوى خلايا الدم الحمراء أو تخفيض الحديد الزائد في الجسم. يُستخدم هذا الإجراء للحفاظ على توازن الدم، ويعمل على تقليل خطر الإصابة بمضاعفات خطيرة مثل الجلطات الدموية والنوبات القلبية لدى مرضى كثرة كريات الدم الحمراء الحقيقية، أو منع تراكم الحديد الضار في الأعضاء لدى مرضى داء ترسب الأصبغة الدموية. إلا أن سحب الدم يجب أن يتم وفقًا لتعليمات الطبيب وفي إطار مراقبة طبية.
ما هي الأمراض التي يعالجها الفصد؟
يُستخدم الفصد العلاجي لعلاج عدة أمراض، من بينها:
- كثرة كريات الدم الحمراء الحقيقية (Polycythemia Vera): وهي حالة تزيد فيها كريات الدم الحمراء بشكل غير طبيعي، مما يزيد خطر التجلط.
- داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي (Hereditary Hemochromatosis): اضطراب وراثي يسبب امتصاصًا زائدًا للحديد، وقد يؤدي إلى تلف الأعضاء.
- داء ترسب الأصبغة الدموية المكتسب (Acquired Hemochromatosis): تراكم الحديد نتيجة عوامل خارجية مثل نقل الدم المتكرر.
- البورفيريا الجلدية المتأخرة (Porphyria Cutanea Tarda - PCT): اضطراب نادر يتسبب في ظهور بثور جلدية عند التعرض لأشعة الشمس.
- زيادة الكريات الحمر بعد زراعة الكلى (Post-Transplant Erythrocytosis): ارتفاع غير طبيعي في عدد كريات الدم الحمراء بعد زراعة الكلى، مما يزيد من خطر رفض الجسم للعضو المزروع.
نصيحة من موقع صحتك
العلاج بالفصد أو سحب الدم العلاجي هو إجراء طبي يَعتمد على سحب الدم لعلاج أو ضبط حالات معينة مثل كثرة كريات الدم الحمراء الحقيقية، وداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي والمكتسب، والبورفيريا الجلدية المتأخرة، وزيادة الكريات الحمر بعد زراعة الكلى. يتم سحب الدم على عدة جلسات عند ارتفاع مستويات كريات الدم الحمراء أو الحديد، ويُستأنف العلاج عند الحاجة للحفاظ على التوازن المطلوب.
يُمكن للفصد العلاجي أن يُحسن من جودة حياة المرضى ويقلل من خطر المضاعفات المرتبطة بهذه الأمراض، ولكنه يتطلب الالتزام بتعليمات الطبيب والمتابعة المنتظمة لضمان العلاج الآمن والفعّال.