هل تؤدي قلة النوم إلى إصابة الأطفال بمرض الذهان ؟

يمكن أن يكون لقصر مدة النوم تأثير مضر على نمو الطفل على المدى القصير والمتوسط والطويل، فالأطفال الذين لا يحصلون على قسطٍ كافٍ من النوم يكونون أكثر عرضة لخطر الإصابة بالعديد من الأمراض العقلية والنفسية، بما في ذلك اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة (ADHD)، والاضطرابات السلوكية. وفي دراسة جديدة، سلط الباحثون الضوء على العلاقة المحتملة بين قلة النوم خلال مرحلة الطفولة ومرض الذِّهان في بداية مرحلة البلوغ، وهي المرحلة التي تبدأ فيها معظم حالات الذهان. وأظهرت أن الأطفال الذين يعانون من نقص مزمن في النوم منذ مرحلة الطفولة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض الذهان في بداية مرحلة البلوغ.

دراسة حديثة تكشف العلاقة بين قلة النوم في مرحلة الطفولة وخطر الإصابة بمرض الذهان في بداية مرحلة البلوغ

كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة برمنغهام بالمملكة المتحدة عن وجود علاقة بين قلة النوم في مرحلة الطفولة وزيادة خطر الإصابة بالذهان في مرحلة البلوغ، ونُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية للطب النفسي (JAMA Psychiatry) في 8 مايو 2024.

قام الباحثون بتحليل بيانات مدة النوم ليلاً لدى مجموعة كبيرة من الأطفال الذين تراوحت أعمارهم بين 6 أشهر و7 سنوات، ووجدوا أن الأطفال الذين ناموا دائمًا لساعات أقل في مرحلة الطفولة كانوا أكثر عرضة للإصابة بمرض نفسي ذهاني في بداية مرحلة البلوغ، كما أظهرت النتائج أن هؤلاء الأطفال كانوا أكثر عرضة بأربعة أضعاف للإصابة بنوبات مرض نفسي ذهاني.

وكانت دراسات سابقة قد أشارت إلى وجود علاقة بين اضطرابات النوم ومرض الذهان في فترات زمنية محددة، ولكن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تُظهر وجود علاقة قوية بين قلة النوم في مرحلة الطفولة وارتفاع خطر الإصابة بمرض الذهان لاحقًا في مرحلة المراهقة.

قلة النوم في مرحلة الطفولة قد تهدّد الصحة العقلية على المدى الطويل

ومن جانبها، أكدت يزابيل موراليس مونيوز، المؤلفة الرئيسية للدراسة، على أهمية الانتباه لمشكلات النوم لدى الأطفال، وأوضحت قائلة: "من الطبيعي جدًا أن يعاني الأطفال من مشكلات في النوم خلال مراحل مختلفة من طفولتهم، ولكن من المهم أيضًا معرفة متى يحين الوقت لطلب المساعدة. ففي بعض الأحيان يمكن أن تصبح مشكلات النوم اضطرابات مستمرة ومزمنة، ومن هنا نرى أهمية علاقة النوم مع الأمراض النفسية في مرحلة البلوغ".

وأضافت: "والخبر الجيد هو أننا نعلم أنه من الممكن تحسين أنماط نومنا وسلوكياتنا المرتبطة بالنوم، فعلى الرغم من أن قلة النوم المستمرة قد لا تكون السبب الوحيد لمرض الذهان في بداية مرحلة البلوغ، فإن دراستنا تشير إلى أنها عامل مساهم في الإصابة به، وهو أمر يمكن للوالدين معالجته".

عوامل جديدة تُفسّر العلاقة بين قلة النوم في مرحلة الطفولة وزيادة خطر الإصابة بمرض الذهان

اعتمَدت هذه الدراسة على بيانات من دراسة آفون الطبية الطويلة الأمد للآباء والأطفال (ALSPAC)، والتي شمَلت 12394 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر إلى 7 سنوات، بالإضافة إلى 3889 بالغًا بعمر 24 عامًا. ورغم أن الدراسة أكدت على وجود علاقة إحصائية قوية بين قلة النوم في مرحلة الطفولة وزيادة خطر الإصابة بمرض الذهان في بداية مرحلة البلوغ، لكنها لم تُثبت وجود علاقة سببية بينهما، كما أشارت إلى ضرورة دراسة العوامل الأخرى المرتبطة بقلة النوم في مرحلة الطفولة وحدوث مرض الذهان.

وفي هذا السياق، فحص الباحثون صحة الجهاز المناعي بشكل عام لدى الأطفال لمعرفة ما إذا كان ضعف الجهاز المناعي يمكن أن يفسّر أيضًا بعض الروابط بين قلة النوم ومرض الذهان، وتم اختبار ذلك في سن التاسعة عن طريق قياس مستويات الالتهابات في عيّنات الدم. وأظهرت النتائج أن ضعف الجهاز المناعي يمكن أن يفسِّر جزئيًا العلاقة بين قلة النوم ومرض الذهان، ولكن من المحتمل أيضًا أن تكون هناك عوامل مهمة أخرى غير معروفة قد تساهم في هذا الارتباط.

اقرأ أيضاً

قلة النوم تسبب اكتئاب وإدمان المراهقين

في الختام، أشارت نتائج هذه الدراسة إلى أن قصر مدة النوم على المدى الطويل خلال مرحلة الطفولة تزيد خطر الإصابة بمرض الذهان في بداية مرحلة البلوغ، كما أكدت على أهمية التدخل المبكر لمعالجة مشكلة قصر مدة النوم عند الأطفال، فاستمرار هذه المشكلات قد يكون عامل خطر للإصابة بالذهان لاحقًا في الحياة.