وبر السرة .. ما هو وممّ يتكوّن؟ للإجابة عن هذا السؤال سنأخذكم في رحلة قصيرة إلى السرة (زر البطن)، تلك الندبة الصغيرة المجوفة من الجسم التي من خلالها يتصل الجنين بالمشيمة عبر الحبل السري للحصول على كل يلزمه من تغذية ضرورية لنموه خلال فترة الحمل.
عند الولادة، يتم قطع الحبل السري مع إبقاء جزء صغير منه متصلًا ببطن الطفل، لا يلبث أن يسقط من تقاء ذاته بعد مرور أيام قليلة على الولادة، لتتشكل في بطن المولود ندبة صغيرة مجوفة تعرف بالسرة.
وفي تجويف السرة عند البالغين، قد يصدف أحيانًا أن يجد البعض كرة صغيرة من الوبر الذي كثيرًا ما يطلق عليه اسم زغب السرة أو وبر السرة، قالت عنه مجلة الجمعية الطبية الكندية في عام 2002 بأنه مزيج من شعر الجسم وخلايا الجلد وألياف الملابس، فهل هذا صحيح؟ تعالوا معنًا في جولة قصيرة نستشف معًا من خلالها حقيقة وبر السرة.
ما هو وبر السرة بالضبط؟ ومن أين يأتي؟
قد تكون واحدًا من أولئك الذين نظروا إلى سرتهم ذات يوم ليتفاجأ بوجود كتلة من الوبر الناعم منحشرة داخل السرة، على الرغم من أنك تقوم بتنظيفها جيدًا عند كل استحمام، لهذا فلا غرابة أن يتبادر إلى عقلك السؤال الآتي: من أين يأتي وبر السرة؟
قلة قليلة من العلماء كرّسوا من وقتهم لمعرفة منشأ وبر السرة، ويمكن القول أن اثنين من الباحثين فقط أجريا بحوثًا جدّية حول هذا الأمر، الأول هو الدكتور كارل كروزلنسكي من جامعة سيدني الأسترالية، والثاني هو الباحث الكيميائي جورج شتاينهاوزر من جامعة فيينا للتكنولوجيا في النمسا.
قام الدكتور كارل كروزلنسكي وزملاؤه بدراسة على عينات لوبر البطن أخذوها من مجموعة من المتطوعين، وطلبوا من البعض حلق شعر البطن حول السرة، فجاءت نتائج الدراسة كما يلي:
- الشعر حول السرة هو الذي يقوم بشفط الخيوط الرفيعة من المنسوجات التي يلبسها الشخص، ويعمل على تجميعها داخل السرة على هيئة وبر (زغب).
- الرجال كثيفو الشَّعر هم الأكثر عرضة لتشكل الوبر في السرة.
- حلق الشعر حول السرة حال دون تكدس الوبر داخل السرة.
أما الباحث الكيميائي النمساوي جورج شتاينهاوزر، فقد خصص الوقت الكافي لدراسة وبر السرة، فأجرى دراسة استغرقت 4 سنوات شملت أكثر من 500 عينة جمعها من سرته، للكشف عن سر تجمع الوبر.
وفي عام 2009، نشر شتاينهاوزر نتائج دراسته، فكانت مطابِقة لما توصّل إليه الدكتور كروزلينسكي، إذ كشف أن الشعر الموجود حول السرة هو المسؤول عن تشكّل الوبر فيها، لأنه يقوم باصطياد الخيوط الرفيعة من الملابس، ومن ثم يعمل على توجيهها إلى داخل السرة، وقال بأن حلاقة الشعر هي الحل الأمثل لمنع تشكل الوبر داخل السرة، إلا أنه نبّه بقوله أن الوبر سوف يتجمع من جديد بمجرد نمو الشعر مرة أخرى.
وأكد جورج شتاينهاوزر بأن وبر السرة ينشأ من ألياف القميص بطريقتين:
- من خلال رؤيته أن لون الوبر مماثل للون القميص الذي يرتديه.
- من خلال تحليل الوبر كيميائيًا بعد ارتدائه قميصًا قطنيًا 100 بالمئة، فجاءت نتائج التحليل مثيرة للدهشة، إذ وجد أن الوبر مؤلَّف من ألياف السيللوز التي تدخل في تركيب قميصه القطني، بالإضافة إلى بقايا من الغبار المنزلي والرقائق الجلدية الميتة والدهون والبروتينات والعَرق والكبريت والنيتروجين.
وتوصل شتاينهاوزر من خلال دراسته إلى اكتشاف أكثر إثارة للاهتمام، فبعد أن قام بوزن كل كرة من كرات وبر السرة، وبعد ملاحظته للقميص الذي كان يرتديه كل يوم، وجد أن القمصان الجديدة كانت تُنتِج المزيد من الوبر بالمقارنة مع القمصان القديمة.
أكثر من هذا وذاك، فقد اهتم الباحث جورج شتاينهاوزر بشكل السرة، وذكر أنه يلعب دَورًا في تجمّع الوبر بداخلها، فالسرة المتجهة إلى داخل البطن تجمِّع الوبر أكثر من السرة التي تتجه إلى الخارج.
وبر السرة والرائحة الكريهة
إذا كانت رائحة السرة كريهة لديك، فإن هناك احتمالين، الاحتمال الأول هو العدوى، أما الاحتمال الثاني فهو قلة النظافة أو سوء التنظيف، لأن السرة غالبًا ما تكون من المناطق المنسية عند الاستحمام أو أخذ الدش.
نوهت كثيرٌ من الدراسات إلى وجود كم هائل من البكتيريا التي تسرح وتمرح في سرة البطن، من هنا، فإذا لم يتم غسل السرة بشكل جيد، خاصة عند الاستحمام وأخذ الدش، فإن البكتيريا الموجودة فيها تشكل حِلفًا مع الأشياء المحبوسة في السرة كالأوساخ والزيوت والعَرق والجلد الميت، لتخلق رائحة ملحوظة وغير مستحبة. وإذا بادَرْت إلى غسل سرتك وقمت بتجفيفها جيدًا بعد كل استحمام، فإن الرائحة ستزول عادة، أما إذا بقيت فمن غير المستبعد أن تكون عدوى السرة هي السبب، وفي هذه الحالة لا بد من استشارة مقدم الرعاية الطبية لوصف العلاج المناسب.
السرة والعدوى البكتيرية والفطرية
تُعتبر السرة بمثابة مصيدة للعَرق والجلد الميت والأوساخ، كما أنها تشكل بيئة مناسبة للعدوى كونها رطبة ودافئة ومظلمة، وفيها ثنيات وزوايا، لهذا، فإذا لم يتم تطبيق روتين النظافة الجيدة والتجفيف الصحيح للسرة، فإن العدوى البكتيرية أو الفطرية ستكون على الموعد.
وتؤدي العدوى البكتيرية إلى خروج مفرزات بنية أو صفراء من السرة إلى جانب الرائحة الكريهة، وفي هذه الحالة، فإن العلاج يتم بوصف المضادات الحيوية مع الحفاظ على نظافة السرة، والحرص على إبقائها جافة.
أما في العدوى الفطرية بالمبيضات البيض، فإن وجود الرطوبة في السرة يشجع على حدوثها، فتؤدي إلى الحكة والطفح الجلدي الأحمر، إضافة إلى خروج مفرزات بيضاء، وربما إلى حدوث الرائحة الكريهة. وتعالَج العدوى الفطرية بالحفاظ على سرة نظيفة وجافة، واستعمال كريم مضاد للفطريات، وتجنب الملابس الضيقة.
ويجدر التنويه هنا إلى وجود 3 عوامل خطر من شأنها أن تجعل الشخص أكثر عرضة لظهور الرائحة الكريهة في السرة، هي:
- مرض السكري.
- عمل ثقب حديث العهد في السرة بهدف وضع الحلي والمجوهرات.
- الزيادة في الوزن.
- إجراء جراحة على السرة.
ثقب السرة والرائحة الكريهة
قد يكون ثقب السرة أحد العوامل التي تشجع على نشوء الرائحة الكريهة في السرة بسبب تعرض الثقب للعدوى، فيعاني صاحب الثقب من أعراض شتى مثل الألم والاحمرار والتورم حول الثقب، ومن خروج مفرزات سميكة، صفراء أو خضراء اللون، قد تعطي رائحة كريهة، وتتصلب المفرزات عادة لتتحول إلى قشور تتجمع حول الثقب. كما يمكن أن يعاني صاحب السرة المثقوبة من أعراض عامة، مثل التوعك وارتفاع في درجة حرارة الجسم. على كل شخص قام بعمل ثقب في السرة وظهرت عنده الأعراض والعلامات المذكورة أعلاه، أن يبادر إلى استشارة الطبيب لتقديم العلاج المناسب ومنع حدوث الخراج.
كيفية الوقاية من وبر السرة وتنظيفها بشكل صحيح
إن السرة هي جزء من الجسم غالبًا ما يتم نسيانه أثناء الاستحمام اليومي، فكثيرون يعتقدون أن صب الماء من أعلى الجسم يكفي لتنظيف تلك المنطقة، ولكن هيهات أن يكون الأمر بهذه السهولة، خاصة عندما تكون السرة عميقة وفيها الكثير من الثنيات والزوايا.
إن غسل السرة بالطريقة الصحيحة يحُول دون تراكم الوبر والمخلفات الجلدية والمفرزات العَرَقية والأوساخ والميكروبات. لغسل السرة بشكل صحيح، فإنه يجب اتباع النصائح الآتية:
- تفرك السرة بقطعة من القماش والصابون مع التركيز على الزوايا والثنيات الداخلية الخفية. يلجأ البعض إلى وضع القليل من الزيت في تجويف السرة قبيل الاستحمام، فهو يلتصق بسهولة مع الأوساخ ما يسهّل من عملية طردها عند الغسل.
- تشطف السرة بالماء للتخلص من بقايا الصابون.
- تجفف السرة بشكل جيد، لأن بقاء أي رطوبة يشجع على حدوث العدوى البكتيرية والفطرية.
وبر السرة .. الخلاصة
ظاهرة وبر السرة هي أمر طبيعي، خاصة عند الأشخاص ذوي الشعر الكثيف، والبدينين في منتصف العمر (أصحاب الوزن الزائد)، فالوبر بحد ذاته غير ضار عادة في حال التخلص منه بوتيرة منتظمة أثناء الاستحمام أو أخذ الدش. في المقابل، إذا لاحظت وجود الكثير من الوبر في سرتك، فإنه عليك توخي الحذر والقيام بتنظيف السرة وتجفيفها بشكل جيد لمنع بقاء أي رطوبة فيها، فهذه الأخيرة تشجع على حدوث العدوى البكتيرية والفطرية التي تجلب المشكلات، وتسبب اندلاع الرائحة الكريهة من السرة.
المصادر: