الأطفال عبارة عن صفحات فارغة، وتقع على عاتق الوالدين مسؤولية ملء تلك الصفحات بالسلوكيات المناسبة والمهارات الحياتية، ومساعدتهم على تعلم الصحيح من الخطأ. وفي مرحلة أو أخرى، من المحتمل أن يتضمن ذلك استخدام شكل من أشكال التأديب (الانضباط) لتعليم الأطفال سبب عدم تكرار إجراءات معينة في المستقبل. وفي حين أن هناك العديد من المدارس الفكرية المختلفة عندما يتعلق الأمر بالتأديب والأساليب الأكثر فاعلية، لكن الأمر المتفق عليه هو أن لا يقترب خط التأديب من خط إساءة معاملة الأطفال أو يقترب من إيذاء الطفل بأي شكل من الأشكال. وفي مقالنا هذا سنتعرف على كيفية التمييز بوضوح بين التأديب وإساءة معاملة الأطفال وكيفية التأكد من الحفاظ على هوة كبيرة بين الاثنين.
التأديب مقابل إساءة معاملة الأطفال
التأديب في أبسط مستوياته، يعني التدريس أو التعليم، وهو ما يأمل معظم الآباء في القيام به، بمعنى تعليم الأطفال توقعاتك بشأن سلوك أو تصرف ما بدون أن تجرحه أو تمس سلامته. يقول عالم النفس السريري للأطفال روس غرين: "التأديب هو مكافأة ومعاقبة". ومفتاح الفصل بين التأديب وإساءة معاملة الأطفال هو النظر إليه من منظور التعليم، وليس من منظور العقاب. وعندما يبدأ الآباء في التفكير بالعكس سيتحول بالتأكيد التأديب إلى أسلوب لعقاب وإساءة معاملة الطفل. مثلا، يمكنك تأديب طفلك عن طريق تركه بمفرده لبضع دقائق بينما تكون أنت هادئًا وقريبًا ومتاحًا لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل استخدام الحمام وشرب الماء، لكن عندما تحرمه من الوصول إلى الحمام، أو تمنع عنه الطعام والشراب والنوم والملابس، هنا تحول التأديب إلى إساءة وعقاب لطفلك.
أنواع إساءة معاملة الأطفال
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن إساءة معاملة الأطفال هي أي شيء ينتج عنه ضرر أو احتمال حدوث ضرر أو تهديد بإيذاء طفل يقل عمره عن 18 عامًا.
-
الاعتداء الجسدي
أي الاستخدام المتعمد للقوة الجسدية ضد الطفل مما يؤدي إلى الإصابة. ويمكن أن يشمل ذلك أعمالًا مثل الضرب (بيد أو بشيء)، أو الركل، أو الاهتزاز، أو الحرق (بماء ساخن ، أو سيجارة ، أو مكواة)، أو تقييد الطفل، أو حرمان الطفل من الهواء (عن طريق وضعه تحت الماء، على سبيل المثال)، أو أي فعل آخر يستخدم فيه شخص بالغ القوة لإيذاء طفل جسديًا.
-
سوء المعاملة العاطفية
الإساءة العاطفية هي أي فعل، سواء كان كلامًا أو أفعالًا أخرى، يتم استخدامه لإيذاء قيم الطفل الذاتية أو رفاهه العاطفي عن قصد. وتتضمن هذه الاستراتيجيات مثل الشتائم والتشهير وأظهر الكراهية له والتهديد والرفض والنقد المؤذي.
-
العنف الجنسي
الاعتداء الجنسي على الأطفال هو عندما يتورط الطفل قسريًا في فعل جنسي ينتهك القوانين أو الأعراف الاجتماعية للمجتمع. علما أن الغالبية العظمى من الاعتداء الجنسي على الأطفال، 91٪ من الحالات، يرتكبها شخص يعرفه الطفل أو أسرة الطفل شخصيًا .
-
الإهمال
يحدث الإهمال عندما يفشل أحد الوالدين في تلبية الاحتياجات الجسدية والعاطفية الأساسية للطفل. ويشمل عدم توفير المسكن والمأكل والملبس والتعليم والحصول على الرعاية الطبية اللازمة
-
التخلي
غالبًا ما يُعتبر نوعًا من الإهمال، يُصنف الهجر على أنه أي وقت تكون فيه هوية والدي الطفل أو مكان وجودهما غير معروفين، أو يُترك الطفل في موقف يعاني فيه من ضرر جسيم، أو عندما يفشل الوالد في التواصل معه أو تقديم الدعم للطفل لفترة طويلة من الزمن.
-
تعاطي الوالدين للمواد الممنوعة
هناك مجموعة متنوعة من المواد والحالات التي تصنف على أنها تعاط وهي تختلف من دوله لأخرى. لكن، بعض الأمور التي تعتبر إساءة للطفل ما يلي: تعريض الطفل قبل الولادة للمواد بسبب تعاطي الأم الحامل، تصنيع مادة خاضعة للرقابة في وجود طفل أو في مكان يعيش فيه الطفل؛ حفظ المواد الكيميائية أو المعدات المستخدمة في التصنيع في وجود طفل؛ بيع أو توزيع أو إعطاء المخدرات أو الكحول للطفل؛ أو عندما يستخدم مقدم الرعاية المواد الخاضعة للرقابة بطريقة تضعف قدرته على رعاية الطفل.
أنواع التأديب
يتم إجراء البحث باستمرار على أكثر أشكال التأديب فعالية، وهي تلك التي تعلم الأطفال سلوكًا أفضل بدلاً من معاقبتهم على السلوك "السيئ". وفيما يلي بعض تقنيات الانضباط الأكثر شيوعًا:
-
العواقب الطبيعية
يقول الدكتور غرين إن السماح للأطفال بالتعلم من العواقب الطبيعية يمكن أن يكون فعالاً. ويشرح قائلاً: "هذه أمور لا مفر منها أبدا". مثلا، إذا لم تدرس للاختبار فمن المحتمل أن يكون أداؤك سيئًا، وعندها قد لا يرغب أصدقاؤك في اللعب معك أو قد أحرمك لفترة من لعبتك المفضلة. وفي حين أن العواقب الطبيعية يمكن أن تكون أداة تعليمية مفيدة، إلا أنه يجب استخدامها فقط إذا كانت آمنة. مثلا، الطفل الذي يتجاهل إحضار سترته إلى المطعم، ثم يبرد، هو أمر غير ضار نسبيًا. لكن السماح لهم بلمس الموقد الساخن لتعلم عدم القيام بذلك مرة أخرى يمكن أن يتسبب في إصابات خطيرة، لذلك من الأفضل استخدام نوع آخر من العواقب.
-
العواقب المنطقية
العواقب المنطقية هي النتائج التي يفرضها البالغون لسوء السلوك ويجب أن تكون مرتبطة بشكل مباشر بسبب استخدامها. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يرسم على الحائط بدلاً من الورق المعروض عليه، فإن النتيجة المنطقية ستكون أخذ أقلام التلوين أو أقلام التحديد. وإذا كان الطفل يشاهد برامج على جهازه اللوحي لم تتم الموافقة عليها مسبقًا، فقد تكون النتيجة المنطقية إلغاء امتيازات الجهاز اللوحي الخاصة به. بمعنى لن يكون من المنطقي سحب الجهاز الخاص بهم إذا رسموا على الجدران، أو العكس.
-
العواقب الإيجابية
العواقب الإيجابية، مثل الثناء على طفلك عندما يفعل شيئًا جيدًا لكنه لم يأخذ رأيك في أمر ما، مثلا، إذا عرض طفلك مشاركة ألعابه الثمينة مع صديقه دون أن يُطلب منك ذلك، يمكنك أن تقول شيئًا مثل، "أنا حقًا أحب الطريقة التي شاركت بها ألعابك مع صديقك، ولكن حبذا لو سألتني قبل ذلك. وتشرح له أهمية حفاظه على تلك اللعبة، أنت بذلك تشجعه على السلوك الجيد وتنبه لضرورة استشارتك ومعرفة أهمية وقيمة حاجياته.
-
التعاون والحلول الاستباقية
الوصول إلى حل هو عملية من ثلاث خطوات: الخطوة الأولى هي جمع المعلومات من الطفل حول ما هو صعب بالنسبة له، ويكون ذلك عن طريق التواصل معه، وقد يبدو هذا وكأنك تسأل طفلك عن سبب قيامه بما فعله، أو لماذا لم يفعل ما يعرف أنه يجب عليه فعله. وبالنسبة للخطوة الثانية، يجب عليك بصفتك الوالد أو مقدم الرعاية تحديد سبب أهمية تصرف الطفل بالطريقة المطلوبة. وفي الخطوة الثالثة والأخيرة، يتعاون الطفل ومقدم رعايته للتوصل إلى حل يعالج مخاوف كلا الطرفين، بدلاً من أن يفرض الشخص البالغ إرادته.
وبالطبع، بصفتك أحد الوالدين، يكون لك القول الفصل فيما ستكون عليه التداعيات. لكن سؤال طفلك عما يعتقد أنه نتيجة عادلة لأفعاله يمكن أن يساعده على فهم سبب تجنبه لتكرار ذلك في المستقبل ومساعدته على التعلم. كما إن إجراء هذه العملية يحل المشكلة ويحسن السلوك المرتبط بالمشكلة ويحسن التواصل ويحسن علاقتك بطفلك ويعزز أيضًا المهارات التي يفتقر إليها الطفل.
-
الوقت المستقطع
يمكن أن تكون الفترات المستقطعة استراتيجية انضباط فعالة عند استخدامها بشكل صحيح. وفقًا للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، فإن أفضل طريقة لتوظيف وقت مستقطع هي تحذير الأطفال من أنهم سيحصلون على وقت مستقطع إذا استمروا في إساءة التصرف، وأخبرهم بما ارتكبوه من خطأ في كلمات قليلة ومحددة مع القليل من المشاعر قدر الإمكان، ثم أخرجهم من الموقف لفترة زمنية محددة مسبقًا. وتوصي AAP بدقيقة واحدة لكل عمر أو السماح للأطفال الذين يبلغون من العمر ثلاث سنوات على الأقل بتحديد طول الوقت المستقطع بأنفسهم (في حدود المعقول)، مما يساعد على تعليم التأديب الذاتي.
كيفية التأكد من أن التأديب لا يتجاوز الخط
التأديب ليس عقابًا، لذلك من السهل التمييز بينه وبين الإساءة. ومع ذلك، غالبًا ما يكون هناك خط رفيع بين العقوبة وسوء المعاملة. وقد يقترب أحد الوالدين أو مقدم الرعاية من هذا الخط إذا بدأت الطريقة التي يتصرفون بها تجاه الطفل في محاكاة الطريقة التي يتصرف بها الطفل تجاههم. بمعنى، هناك أوقات لا يستطيع فيها الأطفال ببساطة تنظيم أنفسهم ويصرخون أو يبكون أو يضربون، وقد يتصرف مقدم الرعاية بالمثل فهو يصرخ ، ثم يهدد، وقد ينتهي بهم الأمر في النهاية إلى هز أو ضرب الطفل بمجرد أن يصبحوا غير قادرين على التحكم في أنفسهم." هذه علامة واضحة جدًا على أن التأديب لم يعد فعالًا وقد تجاوز هذا الخط.
والتأديب الذي يبدأ كتوبيخ يمكن أن يتحول بطريقة مماثلة إلى إساءة عاطفية، مثلا، عندما ينتقل أحد الوالدين من التركيز على "السبب" الكامن وراء السلوك، أو حتى على السلوك نفسه ، إلى مهاجمة شخصية الطفل، فإنهم بهذا التصرف ينخرطون في الإساءة العاطفية. والإهمال هو احتمال أيضًا إذا تحول أحد الوالدين أو مقدم الرعاية من إرسال طفل إلى غرفته ليبرد إلى حبسه حتى لا يتمكنوا من الذهاب إلى الحمام أو الوصول إلى الطعام والماء. المحصلة النهائية: التركيز على "السبب" وراء سلوك طفلك، واستخدام الانضباط كفرصة تعليمية، وعدم تصعيد الموقف سيساعد على ضمان بقاء أساليب التأديب الخاصة بك خارج نطاق الإساءة.
أخيرا:
يمكن أن يكون استخدام الانضباط لتعليم طفلك الفرق بين الصواب والخطأ من خلال استخدام استراتيجيات مثل العواقب الطبيعية أو المهلات أداة صحية وفعالة. ولكن إذا كنت تستخدم الانضباط لتوزيع العقوبة أو إذا نسيت تنظيم سلوكك ، فقد يتصاعد نحو إساءة معاملة الأطفال. إذا كنت قلقًا بشأن طفلك أو كنت في حيرة بشأن كيفية تعليمه السلوك السليم بشكل فعال ، فاتصل بمقدم الرعاية الصحية أو أي اختصاصي صحة عقلية آخر للحصول على إرشادات.
* المصدر