يعد التحرّش والتنمّر الجنسي مشكلة متنامية تؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ولكنها شائعة بشكل خاص بين المراهقين والشباب، وإذا تركت دون معالجة، فقد تتصاعد وتؤدي إلى مشاكل أكثر خطورة مثل الاعتداء الجنسي. لكن، ما هو الفرق بين التحرّش الجنسي والتنمّر الجنسي؟ وما هي الأساليب التي تتبع في كل منهما؟ وكيف يؤثران على نفسية الطفل؟ وكيف يعي الأبوان هذا الفرق وينبهان أولادهما عليه؟
أولاً: التنمّر الجنسي
يعرّف التنمّر الجنسي - بشكل عام - على أنه شكل من أشكال التنمّر التي تحدث عندما يحط فرد أو مجموعة من الأفراد من شأن شخص ما من خلال التعليقات والأفعال الجنسية، ويمكن أن يحدث التنمر الجنسي عبر الإنترنت أو شخصياً (أي بشكل جسدي أو لفظي).
من المحتمل أن يتعرّض المراهقون للتنمّر الجنسي للتخويف أو النميمة أو الإيذاء أو الإهانة أو الإساءة عبر الإنترنت أو التجاهل أو النبذ أو الترهيب، وعلى عكس التنمّر الجسدي، قد يكون من الصعب تحديد الإصابة بالتنمّر الجنسي لأنه لا يترك عادة علامة مرئية.
وغالباً ما يحدث التنمّر الجنسي عندما لا يوجد بالغون، ونتيجة لذلك، من المهم للغاية أن يتحدث الآباء بانتظام مع أطفالهم عن التنمّر الجنسي الذي يتعرّضون له والنمو الجنسي الصحي، إذْ يمكن أن تحدث هذه السلوكيات داخل وخارج المدرسة، في مجموعات اجتماعية وعبر الإنترنت، وهي خطيرة مثل أي شكل من أشكال جرائم الكراهية ويجب معاملتها على هذا النحو من قبل الآباء والمدرسين والمجتمع بشكل عام.
* أشكال التنمّر الجنسي
تُعتبر الصور الجنسية والنكات والتعليقات غير ملائمة لاعتبارات كثيرة، وخاصةً في المجتمع العربي، لذلك، إذا كانت تصل لابنك صور جنسية وتتسبب بعدم الراحة أو الإزعاج أو الإحراج أو التخويف، فهذا يعني تعرّضه لتنمّر جنسي.
ويمكن أن يشمل التنمّر الجنسي الأشكال الآتية:
1. الضغط على شخص ما للمشاركة في الرسائل الجنسية لإظهار الالتزام أو الحب، وهذا شكل من أشكال (الابتزاز العاطفي)، على سبيل المثال التهديد بإنهاء العلاقة معه إذا لم يرسل صورة عارية له، ثم إرسال الصورة إلى الآخرين دون موافقته.
2. إعادة توجيه الرسائل النصية الصريحة جنسياً، والصور غير المناسبة عبر الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني.
3. كتابة تعليقات جنسية عن شخص ما في المدونات، أو على جدران الحمامات، أو في أماكن عامة أخرى.
4. انتحال شخصية أشخاص آخرين عبر الإنترنت، وإبداء تعليقات أو عروض جنسية نيابة عنهم.
5. نشر الشائعات الجنسية أو القيل والقال الشخصية، عن طريق النصوص أو عبر الإنترنت.
6. نشر التعليقات الجنسية أو الصور أو مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
7. الاستيلاء على ملابس شخص ما واستخدامها ضده بطريقة جنسية.
8. إرسال رسائل نصية جنسية صريحة وصور غير لائقة عبر الواتس أب.
9. تقديم تعليقات حول التفضيل الجنسي لشخص ما أو نشاطه الجنسي.
10. لمس أو الاستيلاء على جسد شخصٍ ما بطريقة جنسية عمداً.
11. استدعاء شخص ما بألفاظ جنسية وأسماء مهينة.
12. مشاركة مقاطع فيديو أو صور جنسية غير لائقة.
13. وضع نكات أو تعليقات جنسية حول شخص ما.
14. وضع إيماءات جنسية لشخص ما.
* لماذا يشارك الأطفال والمراهقون في تنمر الأطفال جنسياً؟
هناك عدد من الأسباب التي تجعل الأطفال يشاركون في التنمّر الجنسي، ولكن أهم الأسباب تتضمن تحسين وضعهم الاجتماعي داخل المدرسة، والحسد والغيرة، والحاجة إلى الاهتمام والخوف من تطور النشاط الجنسي، وسنقدم في ما يأتي لمحة عامة عن العوامل المحفزة للتنمر الجنسي:
1- الرغبة في الإحساس بالقوّة
الأطفال والمراهقون الذين يشعرون بضعفهم الجنسي والعجز، وكذلك الذين يتعرضون للتخويف أو المضايقة الجنسية.. هؤلاء يرغبون في استعادة بعض السيطرة في حياتهم، وذلك من خلال استهداف الأضعف منهم، وهذا يتيح لهم إظهار السيطرة على حياتهم والشعور بالقوة.
في أوقات أخرى، يكون لدى الأطفال ميل نحو جنس معين أو نمط حياة معين، عندها قد يتنمرون جنسياً على الآخرين بناءً على تلك المعتقدات.
2- الرغبة في إظهار النضج الجنسي
بمجرد أن يصل الأطفال إلى سن المراهقة، يولون أهمية كبيرة لنظرة أقرانهم لهم، والهدف يكون هنا هو الظهور الناضج والمقبول، ونتيجة لذلك، غالباً ما يستسلمون لضغط النظراء ومطالب الأقران، وفي كثير من الأحيان، يقوم الأولاد، على وجه الخصوص، بالتنمّر على الفتيات جنسياً للحصول على قبول من أقرانهم، أو للظهور بمظهر أنهم من ذوي الخبرة الجنسية، ومن ناحية أخرى، قد تمارس بعض الفتيات التنمر على الفتيات الأخريات من خلال تسميتهن بأسماء جنسية صريحة في محاولةٍ منهنّ لتقليص وضع الفتاة الاجتماعي.
3- للحصول على الإثارة
يمكن أن تنشط بعض حالات التنمر الجنسية عند سرد قصة مثيرة أو نشر شائعات، أو مشاركة تفاصيل سلبية عن شخص آخر، ويظهر هذا الأمر بشكل خاص عند الفتيات، اللواتي قد يتنمرن جنسياً بالفتيات الأخريات عن طريق نشر الشائعات والقيل والقال، وتبادل الأسرار أو سرد القصص، وقد تستمتع بعضهنّ بالاهتمام الذي يحصلن عليه من معرفة شيء لا يعرفه الآخرون، ولكن هذا الأمر – للأسف - يسبب البؤس للآخرين.
4- الحد من انعدام الأمن
في كثير من الحالات، يكون التنمر الجنسي بمثابة تستر عن مشاعر عدم كفاية وقلة احترام الذات، وعلى سبيل المثال، قد يشعر المتنمّر بعدم الأمان حيال جسمه النامي أو نشاطه الجنسي، ومن أجل هذا يهاجم الآخرين قبل أن تتاح لهم الفرصة لمهاجمته.
5- للتغلب على الغيرة والفوز في المنافسة
في كثير من الأحيان، قد تتنمر الفتيات جنسياً على فتاة أخرى لأنهن يشعرن بالغيرة منها. ربما يشعرن بأنها أكثر جمالاً أو ذكاءً أو شعبية منهنّ، وأياً كان السبب، فإن الفتيات يستهدفن فتاة أخرى لجعلها تبدو غير مرغوبة لدى الآخرين عبر الإساءة الجنسية لها، ويتضمن هذا النوع من العدوان في العلاقات أشياء مثل مشاركة الأسرار الجنسية أو نشر الأكاذيب والشائعات حول النشاط الجنسي للشخص.
6- تقليد الآخرين
في بعض الأحيان يشارك الأطفال في التنمر الجنسي بسبب ما يرونه من الآخرين، وقد يتأثرون بكل شيء يرونه من البالغين سواء في حياتهم (أخ أكبر، أو صديق، أو أحد الوالدين، أو حتى مجموعة من الجيران)، أو من خلال برامج تلفزيون الواقع، أو في الأفلام والموسيقى، غالباً ما يصمم الأطفال سلوكهم حسب ما يرونه أمامهم.
* آثار التنمّر الجنسي
هناك أدلة على أن التنمّر الجنسي آخذ في الازدياد، وهو يرتبط بالعنف المنزلي وغيره من أشكال العنف القائم على نوع الجنس مثل الاغتصاب والاعتداء الجنسي.
وقد كشفت دراسة استقصائية أجرتها مجلة "شوجر" للفتيات المراهقات في عام 2006 أن 45% من الفتيات المراهقات اللائي شملهن الاستطلاع يتم لمس جسدهن دون إرادتهن، وقد حدثت 56% من التجارب الجنسية غير المرغوب فيها لأول مرة عندما كانت الفتيات في عمر أقل من 14 عاماً، وحدثت 51% من التجارب الجنسية غير المرغوب فيها أكثر من مرة، وتركت الفتيات يشعرن بالسخرية والخجل والذنب والقلق وعدم الأمان والغضب والعجز والخوف، وما تظهره هذه الإحصائيات هو أن ازدياد الطابع الجنسي على المجتمع يمكن أن يكون مربكاً للشباب، غير متأكدين مما هو مقبول في النشاط الجنسي أو إلى أي مدى.
كما يمكن أن يقوض التنمّر الجنسي كرامة شخص ما وسلامته، وكذلك يؤثر على صحته العاطفية، ويؤدي إلى الاكتئاب والعزلة واضطرابات الأكل والإيذاء الذاتي، ويمكن أن يكون الأولاد ضحايا للتنمر الجنسي مثل الفتيات، إذْ يشعر الأولاد بأنهم عاجزون عن إيقافه، وأنهم مضغوطون لفعل شيء لا يريدونه، وإذا اختاروا عدم الاختلاط فقد يُنظر إليهم على أنهم أقل من أقرانهم، ويمكن أن تدوم هذه الآثار مدى الحياة إذا لم يتم دعم وتشجيع معالجة هذه المشاعر.
* كيف نساعد شخصا تعرّض للتنمر الجنسي؟
من المهم أن يتم تعليم وتوعية الأطفال والشباب حول قضايا التنمّر الجنسية منذ سن مبكرة، ويجب أن يأتي هذا التعليم من المنزل والمدرسة فقط، وذلك بالتحدث معهم حول اتخاذ خيارات إيجابية والارتقاء فوق ما يتوقعه أقرانهم منهم من ردود فعل، والشعور بالمسؤولية.
إذا تعرض شخص ما للتخويف الجنسي، فسيحتاج إلى المساعدة فوراً، وشجعه على طلب المساعدة من شخص يثق به، مثل أحد الوالدين أو أحد أفراد أسرته أو معلم، ويمكنه الاحتفاظ بمذكرات لجميع الحوادث كدليل والتقاط لقطات شاشة إذا كان التنمر عبر الإنترنت.
ومن المهم أن يلاحظ الوالدان علامات وجود خطأ، حيث يبدو الابن المتفائل حزيناً أو قلقاً أو مشتتاً وفاقداً للتركيز، وربما يفقد الاهتمام بالأنشطة التي كان من المعتاد أن يقوم بها، مثل تغيرات في عادات الأكل، وربما يتجنب المدرسة، أو يتراجع في الدرجات العلمية.
مثل هذه التغييرات غالباً ما تكون علامة على حدوث شيء ما، وقد لا يكون التحرش أو التنمر الجنسي السبب، لكنها فرصة لك أن تسأل إذا كان كل شيء على ما يرام.
هذا الشكل من أشكال التنمر الجنسي خطير للغاية، وقد يحتاج الشخص للدعم والمشورة المتخصصة.
ثانياً: التحرش الجنسي
لا يعدّ التحرش الجنسي شيئاً يحدث في مكان العمل فقط، بل تظهر الأبحاث أن العديد من أطفال في المدارس المتوسطة هم ضحايا التحرش الجنسي اللفظي، وأن هذا السلوك مرتبط بالتنمّر وله جذور تبدأ في وقت مبكر من المدرسة الابتدائية.
فقد وجدت دراسة مدتها خمس سنوات نُشرت في ديسمبر 2016 في مجلة خدمات الأطفال والشباب أن نسبة 43% من طلاب المدارس المتوسطة الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم تعرضوا للتحرش الجنسي اللفظي (بما في ذلك التعليقات الجنسية والنكات) في العام الماضي.
وأفاد ما يصل إلى 25% من الأطفال أنهم أُجبروا على تقبيل شخص ما، وحتى التعرض للاعتداء الجنسي، بينما أفاد 21% من الطلاب أنهم تعرضوا للإمساك أو القرص بطريقة جنسية، وقال ما يقرب من واحد من كل خمسة أو 18%، إن أطفالاً آخرين قد تعرضوا لهم بطريقة جنسية.
وأفاد حوالي 14% من الأطفال أنهم تعرضوا للشائعات الجنسية، وقال 9% إنهم وقعوا ضحية كتابات جنسية صريحة في غرف الصف أو على خزانة المدرسة.
* ما يمكن للوالدين القيام به
1- راقب أصدقاء أطفالك، وأشرف عليهم، وتقرب منهم، وتحدث إلى أطفالك حول كيفية التعامل مع الناس، وما الذي يجب عدم فعله أو قوله لهم ضمن حدود الآداب العامة.
2- ابدأ في الحديث عن التحرش الجنسي مبكراً، قبل أن يتعرض ابنك أو ابنتك للتحرش.. حيث تنتشر هذه الأفكار والسلوكيات الضارة في المدرسة الثانوية والمتوسطة والابتدائية.. لأن المدارس أرض خصبة لظهور التنمر أو التحرّش الجنسي.
3- استمر بالحديث، وتأكد من اغتنام كل فرصة في حياتك اليومية لتعليم الأطفال احترام خصوصية الآخرين، وعندما يمرّ إعلان يظهر امرأة في لباس ضيق تستخدم لبيع منتج ما، تحدث عن كيف يمكن أن تكون هذه الرسالة ضارة، واطلب من طفلك أن يفكر في أسئلة مثل لماذا لا يظهر الرجال بهذه الطريقة؟ أو لماذا تهتم النساء بمظهرها أكثر، وقم بإجراء محادثات منتظمة حول كيفية النظر إلى الأشخاص استناداً إلى مواهبهم وقدراتهم وقوة شخصيتهم (كم هم لطيفون أو إذا كانوا يقومون بأعمال خيرية أو هم متطوعون ويساعدون الآخرين) بدلاً من شكلهم أو ما يرتدونه.
4- ذكّر الأطفال دائماً بأن ما ينشرونه على مواقع التواصل الاجتماعي سيبقى إلى الأبد، فهو بمثابة وشم رقمي، وذكّر طفلك بعدم نشر أشياء مثل الصور شبه العارية، أو النكات ذات الطبيعة الجنسية، أو التنمّر على الآخرين.
5- التحدث إلى إدارة المدرسة: إذا كان طفلك ضحية للتحرش أو التنمر الجنسي أو شاهد ذلك يُمارس في مدرسته، فتحدث إلى المعلمين والإداريين.
* خلاصة القول
من المهم التحدث إلى أطفالك عن التنمر والتحرّش الجنسي، ولا يحتاج الأطفال فقط إلى تزويدهم بأفكار أساسية تتعلق بالسلامة مثل معرفة وقت التحدث، بل يحتاجون أيضاً إلى معرفة أن التنمر الجنسي قد يؤدي إلى اعتداء جنسي، وتأكد من أنك تعلم أطفالك أيضاً الحدود وعدم الاحتفاظ بالأسرار التي يكون فيها خطر على حياتهم أو نفسيتهم، ومن خلال إجراء محادثات منتظمة مع أطفالك، فأنت تقوم بالخطوة الأولى؛ ليس في الحفاظ على أمنهم فقط، ولكن أيضاً في المساعدة على إزالة مشكلة التنمّر والتحرّش الجنسي.