وفقاً لعالم النفس البارز سيغموند فرويد، فإن رغبات الأطفال الغريزية والأنانية تتحكم في الأطفال في بداية حياتهم، لكنهم يتأقلمون تدريجياً مع الواقع عبر تشرب قيم وقواعد والديهم، والتي تلعب دوراً مهماً في تطوير ضمير الطفل.
من أهم الأشياء التي يجب أن يعمل عليها الوالدان أن يفهموا نفسية أطفالهم، ولا يحتاج ذلك للحصول على "درجة أكاديمية" في الأبوة والأمومة، ولكن ما يجب عليك فعله هو معرفة الأشياء البسيطة التي تخبرك بما يحبه وما لا يحبه طفلك، ما يجعله يضحك أو يبكي، وما الذي يحفزه أو يسبب له الشقاء.
* ما هو علم نفس الطفل؟
علم نفس الطفل، هو جزء أساسي من علم نفس النمو، وهو علم واسع، ويعد أحد المجالات الأكثر شيوعًا للدراسة، ويركز هذا الفرع المتخصص على العمليات النفسية للأطفال من الولادة وحتى المراهقة، ويحيطك علما بالنمو المعرفي، والمهارات اللغوية، والتغيير الاجتماعي، والتطور العاطفي، إلى آخره.
* الحاجة لفهم علم نفس الطفل
لدى الآباء طريقتهم في تفسير قدرات ومهارات أطفالهم، أو غياب تلك القدرات والمهارت. وعندما لا تفهم أطفالك، يمكنك إساءة التفسير أو إساءة تقديرهم. في بعض الأحيان قد تكون هذه التفسيرات غير ضارة، ولكن في معظم الأحيان تكون خلاف ذلك، لذا فإن دور الآباء هو المفتاح في النمو النفسي للطفل، إذ غالبًا ما يؤدي غياب الوعي بنمو الطفل إلى سوء تقدير الأطفال، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى قرارات سيئة من جانب الوالدين.
كشفت دراسة أعدتها الدكتورة بريندا فولينغ Brenda Volling، مديرة وأستاذة البحوث في جامعة ميشيغن، أن الأطفال يتأثرون بشكل مباشر بالمقدار الذي يستثمره الوالدين في تنميتهم. ومن ثم، من المهم أن يقوم الآباء بتثقيف أنفسهم حول الجوانب المختلفة لعلم نفس الطفل ونموه حتى يتمكنوا من المساهمة بشكل هادف في النمو العاطفي والعقلي للطفل.
* نصائح لفهم نفسية طفلك بشكل أفضل
يقول عالم نفس الأطفال المعروف جان بياجيه Jean Piaget: "من الناحية الأخلاقية والفكرية، لا يولد الطفل جيدًا ولا سيئًا"، والأبوة والأمومة هي أكثر من مجرد توفير وسائل الراحة لأطفالك، بل الأهم هو تعزيز نمو طفلك عاطفيا، وأن توفر لهم الشعور بالأمن، وإليك بعض النصائح الأساسية حول علم نفس الطفل، والتي تساعدك على فهم أطفالك بشكل أفضل:
1. الملاحظة هي المفتاح
واحدة من أبسط الطرق وأكثرها فاعلية للتعرف إلى نفسية طفلك هي الملاحظة، والمطلوب أن تظهر الاهتمام بما يفعله أو يقوله أطفالك، راقب أعمالهم وتعابيرهم ومزاجهم عندما يأكلون وينامون ويلعبون.
ضع في اعتبارك أن طفلك شخص فريد، وقد يكون له شخصية بارزة، حتى عندما ينمو؛ لذا تجنب مقارنة طفلك مع أطفال آخرين، لأن ذلك لا يضيف فقط ضغطًا على الأبوة والأمومة، بل يجعل الطفل أيضًا يشعر بالدونية.
وهذه بعض الأسئلة التي يمكن أن تساعدك على فهم نفسية أطفالك:
1. ما أكثر شيء يحب طفلك أن يفعله؟
2. كيف يتصرف عندما يضطر إلى القيام بشيء لا يعجبه، مثل أكل الخضار أو النوم مبكراً أو القيام بالواجبات المنزلية؟
3. طفلك اجتماعي إلى أي درجة؟ هل هو مستعد لمشاركة أو تجربة أشياء جديدة؟
4. كم من الوقت يستغرق طفلك ليتعرف على محيطه؟ هل هو قادر على التكيف مع التغيرات في البيئة؟
بينما تجيب على هذه الأسئلة، تذكر عدم الحكم على طفلك، فقط لاحظ حتى تكون على علم.
2. قضاء وقت "مميز" مع أطفالك
آباء اليوم مشغولون في العمل والمنزل، ويسمح تعدد المهام، كما يسمونه، بالعناية بالعديد من الأشياء في وقت واحد، وأحد تلك "الأشياء" هو طفلك.
إذا كنت تقضي وقتك مع طفلك بهذه الطريقة، فقد حان الوقت للتغيير؛ فإذا كنت تريد أن تفهم أطفالك، فإنك ستحتاج إلى تخصيص وقت لهم.
- الوقت الذي تقضيه مع أطفالك على مائدة العشاء أو في أخذهم إلى المدرسة والعودة بهم ليس كافياً، أنت تحتاج إلى تخصيص وقت للتحدث واللعب معهم، وقضاء ساعات نوعية تمكنك من فهم نفسيتهم.
- التحدث مع أطفالك يجعلك تعرف ما يحدث في حياتهم في المدرسة والمنزل، وأي موسيقى أو برنامج تلفزيوني مفضل لديهم، وما يجعلهم متحمسين وما يجعلهم خلاف ذلك.
- ليس بالضرورة أن يكون الوقت "المميز" دائمًا هو وقت للتحدث مع أطفالك أو للقيام بشيء معهم، في بعض الأحيان يمكنك الجلوس وملاحظتهم في صمت، لجمع بعض الأفكار حول شخصياتهم.
3. الأطفال بحاجة إلى اهتمامك غير المشتت
عندما تخطط لقضاء بعض الوقت مع أطفالك، خطط للقيام بذلك فقط وليس شيئا آخر؛ حيث يستحق أطفالك انتباهك الكامل. إذا كنت تحاول التحدث مع طفلك أثناء الطهي أو القيادة أو القيام بشيء آخر، فمن المحتمل أنك سوف تفوتك أهم الأفكار التي قد يعطيك إياها طفلك عن نفسه.
ضع خطة لنشاط واحد على الأقل يتيح لك قضاء وقت حصري مع طفلك، وإعطاء اهتمام غير مشتت له؛ يشعره بالأمان والاستحقاق، ومن المرجح أن يفتح قلبه لك بالمزيد.
4. الاهتمام ببيئة طفلك
أثبتت الأبحاث أن سلوك الطفل ومواقفه تتشكل بشكل كبير من البيئة التي نشأ فيها، ولمعرفة طفلك بشكل أفضل، يجب الانتباه إلى البيئة التي يعيش فيها.
وتثبت الأبحاث أيضًا أن البيئة يمكن أن تؤثر على نمو دماغ الطفل، مما يؤثر بدوره على تطور لغته ومهاراته المعرفية.
يعتمد سلوك طفلك إلى حد كبير على نوع الأشخاص المحيطين به وكيف يتفاعلون معه، وخذ بعض الوقت لقياس نوع الأجواء التي تم إنشاؤها في المنزل والمدرسة، وعلى سبيل المثال، إذا كان طفلك عدوانيًا أو ينسحب من التنشئة الاجتماعية، قد ترغب في معرفة ما أو من الذي أثر على الطفل كي يتصرف بهذه الطريقة.
5. افهم كيف يعمل دماغ طفلك
قد يعرف الآباء في كثير من الأحيان علم وظائف الأعضاء الخاصة بأطفالهم، لكنهم لا يعرفون كيف يعمل دماغ الطفل. يتم تشكيل الدماغ من خلال التجارب التي لدى الطفل، وهذا بدوره يؤثر على كيفية استجابته للحالات المختلفة، ويمكن أن يساعدك فهم وظائف دماغ الطفل في التعرف على سلوكه، وكيفية صنعه للقرار، والقدرات الاجتماعية والمنطقية والمعرفية له.
ويمكن أن تؤدي التجارب الخاطئة إلى طبع الاستجابات السلبية في ذهن طفلك، مما يؤثر سلبًا على نموه بشكل عام، ومعرفة كيف يعمل دماغه سوف يساعدك على تحويل التجارب السلبية أو الانهيارات إلى تجارب أو فرص إيجابية.
وفقا لدانيال جيه سيجل، مؤلف كتاب "الطفل الكامل العقل"، وفي الكتاب يصف لنا 12 استراتيجية ثورية لرعاية عقلية طفلك النامية، حيث يمكنك مساعدة أطفالك على بناء أساس متين لحياة اجتماعية وعاطفية صحية، وتمكينهم من التعامل مع المواقف الصعبة بسهولة، من خلال فهم وظائف الدماغ.
6. استمع - دع أطفالك يخبرونك قصصهم
التحدث جيد، ولكن الاستماع مهم عندما تجري محادثة مع طفلك. ابدأ محادثة مع طفلك ثم استمع إلى ما يحاول قوله.. قد لا يكون الأطفال قادرين على التعبير عن أنفسهم بوضوح، وهذا هو السبب في أنك يجب أن تولي اهتماما للكلمات التي يستخدمونها وإشاراتهم غير اللفظية كذلك.
قم بالتركيز على:
- النغمة: طريقة التأكيد على كلمة أو عبارة.
- التعبيرات: التي تخبرك كيف يشعرون، وحاول أن تقيس انفعالاتهم عندما يتحدثون عن شيء لفهم ما إذا كانوا يحبونه، أو إذا كانوا خائفين منه، أو إذا كانوا متوترين بشأنه.
- لغة الجسد: انتبه إلى التواصل بالعين، وإلى كيف يستخدمون أيديهم وأوضاعهم الجسدية.
لا ينبغي عليك الاستماع فحسب، بل السماح أيضًا لطفلك بمعرفة أنه يتم سماعه والتعامل معه بجدية، واعترف بما يقوله وأبلغه بأنك تفهم ما يقولونه، وإذا كنت لا تفهم، اطرح أسئلة للتوضيح. ولكن احرص على عدم التحدث كثيرًا أو طرح الكثير من الأسئلة، لأن ذلك قد يؤدي إلى إعراض طفلك تمامًا.
7. الأطفال يعبرون بطرق مختلفة
يمكن لأطفالك التعبير عن أنفسهم بأكثر من طريقة، فإلى جانب الحديث، يعبر الأطفال عن مشاعرهم من خلال الأنشطة.
- إذا كان أطفالك يحبون الرسم أو الكتابة أو العمل، فحثهم على القيام بذلك في كثير من الأحيان، واطلب منهم حضور دروس الفن أو الرسم، مع مساعدتهم على التعبير عن أنفسهم بشكل أفضل. يمكنك أيضًا منحهم مواضيع مختلفة للرسم، دون تقييد خيالهم.
- وبالمثل، يمكنك أن تطلب من ابنك أن يحتفظ بمجلة يمكنه أن يكتب فيها ما فعلوه في يوم معين وكيف شعروا به. كلما زاد طفلك من الكتابة أو الرسم ، كلما كان أفضل في التعبير عن نفسه.
- خذ الوقت الكافي للذهاب للنظر في أعمالهم الفنية للحصول على فكرة عما يدور في أذهانهم.
- دعهم يشرحون ما يكتبونه أو يرسمونه وكيف يشعرون به.
8. اطرح الأسئلة الصحيحة
إذا كنت تريد أن يتكلم طفلك، فمن المهم أن تطرح الأسئلة الصحيحة. ابدأ المحادثات عن طريق طرح أسئلة مفتوحة، مما يشجع الطفل على مشاركة التفاصيل.
- بدلاً من السؤال "هل تعجبك هذه الأغنية؟"، والتي ستكون إجابته إما "نعم" أو "لا"، اسأل "ما رأيك في هذه الأغنية؟"، والذي سيسمح للطفل أن يقول أكثر من ذلك.
- بدلاً من سؤال من الذي لعبوا معه، اسألهم عن الألعاب التي لعبوها، ودعهم يشرحون لك التفاصيل، ولا تقطعها.
- كذلك، لا تتجنب الأسئلة التي يطرحها طفلك. إذا لم يكن لديك إجابة، يمكنك العودة إلى طفلك برد في وقت لاحق، حيث يمكن أن يؤدي تجاهل سؤال الطفل باعتباره سخيفًا إلى تثبيطه من طرح أي أسئلة في المستقبل.
9. ثقف نفسك حول نمو الأطفال
كن سباقاً في فهم المراحل المختلفة لنمو الطفل لمعرفة مدى نجاح طفلك. خذ بعض الوقت لقراءة الكتب والمجلات على الإنترنت والتحدث إلى أحد المتخصصين الذي يمكن أن يعطيك فكرة عن علم نفس الطفل ونموه. عندما لا تعرف ما يمكن توقعه، قد يبدو أي شيء وكل شيء على ما يرام أو العكس. لا تجعل التخمينات تسوقك.
10. راقب الأطفال الآخرين
في بعض الأحيان، يمكن أن تساعدك مراقبة الأطفال الآخرين الذين هم في نفس عمر طفلك على فهمه بشكل أفضل. هذا يمكن أن يتيح لك فهم كيف يتصرف طفلك في بيئة اجتماعية وتحديد نقاط القوة والضعف التي تحدد شخصيته. هذا لا يعني أن تقارن طفلك مع كل طفل في عمره وتصدر الحكم على من هو أفضل.
يميل الآباء إلى التحقق من قدرات أداء أطفالهم من خلال مقارنتهم بالأطفال الآخرين. ومع ذلك، يمكن أن يكون لهذا تأثير سلبي على الطفل، على المدى الطويل. في حين أن المقارنة ليست سيئة دائمًا، إلا أنها يمكن أن تكون خطرة عند المبالغة فيها.
11. تعاطف – ضع نفسك مكان طفلك
في بعض الأحيان، عليك أن تفكر كطفل، وحتى تتصرف مثل واحد منهم لتصل إليهم. التعاطف هو قيمة مهمة يجب على الآباء تطويرها إذا أرادوا فهم أطفالهم بشكل أفضل. قد تكون على علم بما يمر به أطفالك عندما يخبروك عن ذلك. لكنك قد لا تقترب حتى من فهم ما يعانيه إذا لم تستطع التعاطف.. فيما يلي بعض الطرق البسيطة للتعاطف:
- استمع إلى مشاعرهم. حاول قياس ما يمرون به.
- استخدم لغتهم لمساعدتهم على فهمك بشكل أفضل، واسأل نفسك هل إذا كنت طفلاً فهل سأفهم هذه الكلمات والتعابير المعقدة؟
- عندما لا تفهم سلوك طفلك، سل نفسك - كيف كنت ستتصرف إذا كنت في مكان طفلك؟
12. ما هي المحصلة العاطفية لطفلك؟
"إنه لتناقض محزن بين الذكاء المشع للطفل، والعقلية الضعيفة للشخص البالغ" - سيغموند فرويد
لفترة طويلة، لم يكن الأطفال يعتبرون مهمين مثل البالغين. اعتبرت مشاعرهم وعواطفهم أمرا مفروغا منه، لأنه كان من المفترض أنهم ينسون كل ذلك عندما يكبرون.
الآن، نحن نعرف أن هذا غير صحيح - ما يمر به الطفل في طفولته له تأثير كبير على نوع الشخص الذي يكونه عندما يكبر، وبصفتك أحد الوالدين، يجب عليك عدم التقليل من أهمية عواطف طفلك، أو قدرته على إدارتها.
الذكاء العاطفي أو المحصلة العاطفية (Emotional Quotient (EQ هو قدرة الشخص على تحديد عواطفه والتعبير عنها والتحكم فيها. يولد الأطفال بمزاج فريد. قد يكون بعضهم صريحًا واستباقيًا في حين أن بعضهم الآخر قد يكون خجولًا أو بطيئًا.
بصفتك أحد الوالدين، تقع على عاتقك مسؤولية فهم EQ أطفالك، والقيام بما يلزم لمساعدتهم على النمو إلى أشخاص بالغين يتمتعون بالذكاء العاطفي.
13. لا تفترض
لا تفترض أنك تعرف ما يريده طفلك أو أنك تشعر به في أي وقت... إذا كان طفلك لا يشكو، قد تفترض أنه سعيد. أنت تفترض أنك والد عظيم لأن طفلك يتصرف بشكل جيد في الأماكن العامة ولا يدخل في نوبات غضب.
عندما تفترض، فإنك تغلق نفسك أمام فهم أطفالك بدقة، مما يجعل اختياراتك سيئة لأطفالك. يساعدك سؤالهم في إزالة أي شك، وفي معرفة ماذا بهم على وجه اليقين.
اقبل التحدي.. يمكن أن يكون فهم سيكولوجية الأطفال أمرًا صعبًا. إذا كان لديك أكثر من طفل، قد تختلف نفسية طفلك الأول عن الأوسط، والذي قد يكون مختلفًا عن الأولاد الصغار.
الاعتقاد بأن جميع الأطفال متشابهون؛ وأن استخدام أسلوب واحد يناسب جميع الأطفال يمكن أن يسبب خللا كبيرا. قد يكون الأمر شاقًا ومستهلكًا للوقت، لكن فهم نفسية الطفل هو أهم شيء يمكنك القيام به لدعمه حتى يصبح شخصا بالغا سليما.
المصادر:
13 Tips To Understand Your Child's Psychology Better