عندما تفشل الدورة الدموية في تزويد خلايا الجسم بما تحتاج إليه من أوكسجين ومواد مغذية، تحدث في الجسم حالة استنفار وإسعاف، قد تكون شديدة، وربما تؤدي إلى الموت إذا لم تعالج أسبابها ونتائجها. يُطلق على فشل الدورة الدموية في أداء وظيفتها الحيوية اسم: الصدمة الدورانية، ولها أسباب كثيرة، ودرجات متفاوتة في مدى شدتها وخطورتها.
ما هي أعراض وعلامات الصدمة الدورانية؟
تعتبر حالة الصدمة الدورانية مهما كان سببها بمثابة حالة استنفار في الجسم، فعندما لا تحصل خلايا الجسم على ما تحتاج إليه من أوكسجين ومواد مغذية لتقوم بنشاطها الحيوي الطبيعي، تلجأ إلى تفاعلات كيميائية حيوية استثنائية لكي تحصل على بعض الطاقة في حالة نقص أو عدم وجود الأوكسجين، أي تفاعلات حيوية لا هوائية. لا تُنتج هذه التفاعلات كميات كافية من الطاقة، كما يَنتج عنها تراكم كميات زائدة من بعض الحموض في الخلايا، مثل حمض اللبن. يؤدي تراكم مخلفات النشاط الحيوي لخلايا الجسم إلى مزيد من الخلل في توازن الجسم الداخلي، وربما تموّت بعض الخلايا. تتأثر الأعصاب والدماغ بهذا الخلل، وتحفّز إفراز هرمونات (الأدرينالين) وردود أفعال عصبية (زيادة النشاط العصبي الودّي) ترفَع درجة تأهب أعضاء الجسم لمواجهة الحالة الطارئة التي قد تشكل خطرًا عليه.
تَظهر علامات زيادة تأهب الجسم لمواجهة الخطر بشكل علامات يمكن تقييمها بالفحص الطبي، مثل:
- النبض سريع وضعيف.
- التنفس سريع وسطحي مع الشعور بضيق التنفس.
- التعرق.
- الشحوب.
- نقص كمية البول.
- الدوار.
- تغيّم الوعي، وربما الإغماء في الحالات الشديدة.
- قد لا ينخفض ضغط الدم في المراحل الأولى من الصدمة الدورانية، إنما يحدث هبوط ضغط الدم في المراحل المتقدمة.
- برودة الأطراف.
- العطش وجفاف الفم.
ما هي أسباب الصدمة الدورانية؟
قد تحدث الصدمة الدورانية عند وجود خلل في واحد أو أكثر من عناصر الدورة الدموية، مثل حدوث تغيرات مهمة مثل:
- انخفاض حجم الدم.
- انخفاض أو ارتفاع المقاومة الوعائية (المقاومة العامة في شبكة الأوعية الدموية).
- انخفاض طاقة ضخ الدم في القلب (الصدمة القلبية).
- تغيّر مكونات الدم، مثل نقص الأوكسجين، واضطرابات الشوارد، وفقر الدم، ووجود بعض السموم والمواد الضارة فيه.
ما هي أنواع الصدمة الدورانية؟
هناك أنواع عديدة للصدمة الدورانية تختلف باختلاف أسبابها، ويمكن سرد أهم أنواعها فيما يلي:
- صدمة نقص حجم الدم، وهي من أكثر أنواع الصدمة الدورانية شيوعًا، وتنشأ عادة عن فقد الدم بسبب حدوث نزيف إلى خارج الجسم، كما في الحوادث والجروح والإصابات الكبيرة. وقد ينقص حجم الدم بسبب حدوث تجفاف شديد في حالات الإسهال والإقياء والحروق وغيرها. تزداد شدة هذه الصدمة بزيادة حجم الدم المفقود. وأفضل علاج لها هو تعويض السائل المفقود، فإذا كان السائل المفقود هو الدم بسبب النزف، فأفضل علاج لها هو نقل الدم، وإذا كان السائل المفقود هو البلازما، كما يحدث في الحروق الشديدة، فأفضل علاج لها هو نقل البلازما، أما إذا كان السائل المفقود هو من مفرزات المعدة، أو الأمعاء، أو الإسهال فأفضل تعويض هو إعطاء سوائل تحتوي على الماء والشوارد المناسبة. ويمكن متابعة كفاءة تعويض السوائل بقياس الضغط الوريدي المركزي، وتحسّن كمية البول وبقية علامات الصدمة الدورانية.
- الصدمة الوعائية التي تحدث إما بسبب انخفاض شديد في المقاومة الوعائية نتيجة توسّع الأوعية الدموية بشكل مفاجئ، مثلما يحدث في حالات الصدمة التَّأَقية (صدمة الحساسية الشديدة المفاجئة) أو الصدمة العصبية في رضوض الحبل الشوكي، وفي بعض حالات تجرثم الدم، أو قد تحدث هذه الصدمة بسبب ارتفاع شديد في المقاومة الوعائية نتيجة تشنّج الأوعية الدموية، مثلما يحدث في بعض حالات تجرثم الدم أو التعرض للبرد الشديد خاصة عند الأطفال. يمكن قياس المقاومة الوعائية وقياس تدفّق الدم في الدقيقة باستخدام قسطرة وريدية خاصة تسمى قسطرة سوان-غانز على اسم مخترعيها. تُعالَج الصدمة التَّأَقية بإعطاء الأدرينالين ومقبِّضات الأوعية، بينما تعالَج صدمة ارتفاع المقاومة المحيطية بإعطاء موسِّعات الشرايين.
- الصدمة القلبية، وهي الصدمة الوعائية التي تحدث بسبب خلل في عمل القلب، وقد ينشأ هذا الخلل بسبب مرض في شرايين القلب، أو في صماماته، أو في عضلة القلب، أو في نظم انقباض القلب، أو بسبب وجود جلطة في شريان الرئة، أو انسلاخ وتمزق في الشريان الأبهر، أو بسبب وجود التهاب في غشاء التامور الذي يحيط بالقلب، أو تجمع سائل في التامور يضغط على القلب ... مما يؤدي إلى نقص ضخ الدم في الدورة الدموية وحدوث الصدمة. لكل سبب من أسباب الصدمة القلبية أعراض وعلامات يمكن تمييزها وتشخيصها بالفحص الطبي، والصورة الشعاعية، وتخطيط القلب، والإيكو القلبي (فحص القلب بالأمواج فوق الصوتية)، والقسطرة القلبية ... يعتمد علاج الصدمة القلبية على سبب حدوثها.
- الصدمة الانتانية بسبب تجرثم الدم ووجود تسمم جرثومي التهابي في الجسم، وهي أيضًا من أكثر أنواع الصدمة شيوعًا. تختلف مظاهرها الطبية كثيرًا لأن تسمم الدم يؤثر على جميع عناصر الدورة الدموية، إذ يؤثر على حجم الدم، وعلى المقاومة الوعائية، وعلى قوة انقباض القلب، وعلى درجة الحموضة والقلوية في الدم بشكل عام. كما تختلف أعراضها وعلاماتها بحسب نوع الجرثومة التي تسببها. ويعتمد علاجها بالطبع على إعطاء المضادات الحيوية المناسبة، وتصحيح التغيرات الضارة في حجم الدم، وفي المقاومة الوعائية، وعمل القلب، وتصحيح درجة الحموضة والقلوية في الجسم.
- الصدمة بسبب حدوث تغيرات مهمة في بعض مكونات الدم، مثلما يحدث في بعض أمراض الغدد، كنقص أو زيادة هرمون الغدة الدرقية، أو نقص هرمونات الغدة فوق الكلية (الكظر)، أو فقر الدم الشديد، أو نقص بعض الفيتامينات، كنقص الفيتامين ب1، أو التسمم ببعض المعادن، مثل الزرنيخ والسيانيد، أو بسبب وجود مواد تعيق عمل خضاب الدم في نقل الأوكسجين إلى الخلايا، مثلما يحدث عند التسمم بغاز أول أوكسيد الكربون ... ويعتمد علاج هذه الأنواع من الصدمة الدورانية على كشف سببها وعلاجه.
العلاجات العامة للصدمة الدورانية
يمكن تطبيق بعض العلاجات الداعمة العامة ريثما يتم كشف سبب حدوث الصدمة وعلاجه، وتشمل العلاجات الداعمة العامة تدفئة المريض، وإعطاء الأوكسجين، وإعطاء السوائل الوريدية، والأدوية التي تدعم عمل القلب وترفع أو تخفض ضغط الدم، وإعطاء مدرات بولية أحيانًا، ودعم تنفس المريض، ووضع قسطرة بولية لمتابعة كمية البول كل ساعة، وربما وضع خط وريدي مركزي، وقد يلجأ الأطباء أحيانًا في حالات الصدمة الشديدة إلى دعم كمية الطاقة الحركية في الدورة الدموية ببعض الأجهزة التي تنظّم عمل القلب، أو تحسّن تدفّق الدم، مثل البالون الأبهري، وقد تحتاج الحالة إلى قسطرة القلب، وتوسيع بعض شرايينه بالبالون والدعامات، أو حتى إجراء عمليات جراحية كبيرة لوضع مضخات قلبية صناعية تساعد القلب في أداء عمله، وفي تحسين تدفق الدم في الجسم.