ورد في كتاب القانون في الطب لابن سينا، في فصل الفن التاسع عن أحوال الحلق، وصفه لأساليب التعامل مع حالات الاختناق وعسر البلع الحادة. وقد وجدنا في هذا الوصف ربما أول ذِكر في التاريخ لاستخدام ما يسمى "أنبوب القصبة الهوائية، أي انبوب الرغامى"، الذي يُستخدم الآن في التخدير العام، وفي علاج الصعوبات التنفسية الشديدة التي يحتاج علاجها لاستخدام جهاز التنفس الاصطناعي.
كما وصَف في هذا الفصل ذاته، ربما لأول مرة في التاريخ أيضاً، عملية شقّ القصبة الهوائية (خَزع الرغامى) التي تطبق الآن في بعض حالات الاختناق الاسعافية.
سأسرد فيما يلي فقرات من النص الأصلي كما وردت في كتاب القانون في الطب، ثم أشرحها بلغة عربية حديثة، وقد وضعت شرحي بين أقواس ] [ باللون الأزرق للتوضيح. كما وضعت الفقرات التاريخية المهمة في سرد ابن سينا باللون الأحمر للتأكيد على أهميتها وأسبقيتها التاريخية. لم يتم استخدام أنبوب القصبة الهوائية في التخدير العام حتى أوائل القرن العشرين.
فقرات تاريخية في كتاب القانون في الطب
أولا: علاج الذَّبح والخوانيق وكل اختناق من كل سبب: الفَصد والحجامة والغَراغر
الشرح:
علاج جروح الرقبة وحالات الاختناق لأي سبب هي: فَصد الدم، والحجامة، والغَرغرة [
ثانيا: إذا عَسر البلع، وضِعت المَحاجم على الرقبة عند الخَرزة الثانية بالمصّ، أو بالنار، ليتَّسع المَنفذ قليلاً قليلاً، ويَسيغ كل ما يتجرّع من الأغذية، فإذا فرغ من ذلك، أزلت المحاجم. ... ولا بأس أن يُشرط أيضاً، ويُخرج الدم من هنا ومن الأخدعَين، ثم يُحجم محجمة واحدة على الرأس، وتوضَع أيضاً مَحاجم على الذقن تحت الحَلق، وذلك بعد قطع المادة، فإن جميع هذا يَجذب المادة إلى خلاف، ويقلّلها ... ولا بأس بإدخال ما ينقّي من الخيزران ونحوه ،ملفوفاً عليه قطنة، فإنّ في التنقية توسيعاً، وربما أُدخِل في الحَلق قصبة مَعمولة من ذهب، أو فضة، أو نحوهما، تُعين على التنفس.
الشرح:
إذا عَسر البلع، توضَع المحاجم على الرقبة عند الخرزة الثانية، مع إجراء حجامة جافة أو ساخنة، وذلك لكي يتّسع مجرى الهواء تدريجياً، ويصبح البَلع ممكِناً. إذا حدَث ذلك بنجاح، يُمكن رفع المحاجم ... ولا بأس بعمل شقوق جراحية (حجامة رطبة) لإخراج الدم من الرقبة ومن الصّدغَين، ثم تُطبَّق حجامة واحدة على الرأس، وعلى الذَّقن تحت الحَلق، وذلك بعد قطع المادة، لأن هذه الإجراءات تَجذب المادة إلى مواضع أخرى وتقلِّلها ... ولا بأس بإدخال ما يُنقّي من مواد في الحَلق، مثل الخيزران ونحوه، مَلفوفاً عليه قطن، لأن التنقية توسّع مجرى الحَلق، وربما يمكن إدخال قصبة مصنوعة من ذهب أو فضة أو نحوها في الحَلق لِتعين على التنفس.
ثالثا: وإذا اشتدَّت الخوانيق، ولم تَنجَع الأدوية، وأيقَن بالهلاك ،كان الذي يُرجَى به التَّخليص شقُّ القصبة، وذلك بأن تُشقَّ الرباطات التي بين حلقتَين مِن حلق القصبة من غير أن يَنال الغضروف حتى يتنفس منه، ثم يُخاط عند الفراغ من تدبير الورم، ويُعالج فيَبرَأ.
الشرح:
إذا اشتدَّ ضيق التنفس، ولم تنفع الأدوية، وأيقَن بالهلاك، يمكن إجراء شقّ جراحي إسعافي في القصبة الهوائية، وذلك بأن تُشقّ الرباطات التي بين حلقتَين من حلقات القصبة الهوائية دون جَرح الغضروف ذاته لكي يمكن التنفس من خلال هذا الجَرح، ثم تتم خياطة الجرح بعد انتهاء التعامل مع الورم الخانق، وتتم متابعة العلاج حتى يَبرأ ويشفى.
رابعا: وَجهُ علاجِه، أنْ يُمدَّ الرأس إلى خَلف، ويُمسَك، ويُؤخَذ الجلد ويُشقّ. وأصوبه أن يُؤخَذ الجلد بصنّارة، ويُبعَد، ثم يُكشَف عن القصبة، ويُشقّ ما بين حلقتَين من الوسط بحِذاء شقّ الجلد، ثم يُخلط، ويُجعل عليه الذّرور الأصفر، ويجب أن تُطوى شفَتا شقّ الجلد، ويُخاط وحده من غير أن يُصيب الغضروف والأغشية شيء.
الشرح:
وطريقة إجراء الشق الجراحي الإسعافي في القصبة الهوائية هي أن يُمدَّ الرأس إلى الخلف، ويُمسكَ، ثم يُشقّ الجلد، والأفضل أن يُسحَب الجلد بصنارة، ويُبعَد، ثم يتم كشف وتشريح القصبة الهوائية، ويُجرى شقّ جراحي بين حلقتَين من حلقاتها الغضروفية من الوسط بالتماشي مع الشقّ في الجلد، ثم يُطهَّر موضعياً بمسحوق الذّرور الأصفر، ويجب أن تُطوى شفَتا شقّ الجلد، ويُخاط وحده من غير أن يُخاط الغضروف والأغشية [
المصدر:
من كتاب "القانون في الطب" لابن سينا،
شرَح الدكتور عامر شيخوني هذه الفقرات من النص الأصلي
