صحــــتك

اكتشاف تخطيط القلب الكهربائي

تخطيط القلب الكهربائي يفيد في تشخيص الأزمة القلبية

في القرن الثامن عشر خَلبَت الكهرباء لبَّ العلماء فركَّزوا على دراستها ومحاولة فهمها والسيطرة عليها وتسخيرها في خدمة الإنسان. تطورتْ أجهزة البحث الكهربائية وتمكن العلماء مِنْ قياس صفات التيار الكهربائي والتحكم فيه عن طريق وضع مقاومات محددة ومكثفات عديدة على طريق مرور هذا التيار لتغيير صفاته وتضخيمه أو تقليل شدته. واستطاعوا أنْ يقوموا بما يشبه السحر في نقل الأصوات وتسجيلها وإصدار كثير مِنَ الخدع الضوئية الخلابة.

وظهرتْ أسماء لامعة في هذا العلم الجديد مثل لويجي غالفاني (1737-1798) وأليساندرو فولتا (1745-1827) في إيطاليا، وشارل كولومب (1736-1806) وأندريه أمبير (1775-1836) في فرنسا، وجورج أوم (1789-1854) في ألمانيا، ومايكل فاراداي (1791-1867) في انكلترا... وقام هؤلاء العلماء البارزون بأبحاث هامة أضافت كثيراً إلى المعرفة الإنسانية وارتبطت أسماؤهم بكثير من صفات التيار الكهربائي حتى هذه الأيام.

ففي عام 1786 لاحظ الطبيب العالِم غالفاني أنه عندما يلمس رِجْلَ ضفدعٍ ميّتٍ بسكين معدنية فإنّ الرِجْلَ تنتفض وتنسحب بسرعة! ظنّ غالفاني أنّ عضلات رِجْلِ الضفدع تحتوي على الكهرباء، وكتب كثيراً عن " كهرباء الحيوانات". ولكنّ عالِماً إيطالياً آخر هو أليساندرو فولتا فَسَّر هذه الظاهرة في عام 1792 قائلاً: " إنّ سبب انسحاب رِجْلِ الضفدع هو الكهرباء التي تتولد بين معدنين مختلفين هما السكين المصنوعة من الحديد والقاعدة التي وضع عليها الضفدع المصنوعة من القصدير!".  قادته دراسة هذه الملاحظة العابرة إلى صنع أول بطارية لتوليد الكهرباء بوضع جسم رطب بين معدنين مختلفين، وأُطلق عليها اسم كومة أو مجموعة فولتا. كما أُطلق اسم مقياس غالفاني على الجهاز الذي يقيس شدة التيار الكهربائي.

فرانكشتاين

يُعتبر تفجر بركان تامبورا في إندونيسيا سنة 1815 أكبر هيجان بركاني مسجَّل في التاريخ الحديث. فقد سُمع صوت هذا الانفجار البركاني على مسافة 2000 كيلومتر، وبلغ عدد ضحاياه أكثر مِنْ 71000 ألف شخص، وهذا العدد مِنَ الوفيات هو الأكبر في سجل التاريخ الحديث لثورات البراكين. أدّتْ ثورة هذا البركان الهائل إلى تغير هام في مناخ الأرض، وظهور ما سُميَّ بالشتاء البركاني. فكان عام 1816 " سنة بلا صيف " بسبب المناخ البارد الذي عمَّ أمريكا الشمالية وأوروبا. وفُقدتْ كثير مِنَ المحاصيل الزراعية والماشية في النصف الشمالي مِنَ الكرة الأرضية بسبب البرد الشديد مما أدى إلى أسوأ مجاعة عالمية في القرن التاسع عشر.

في ذلك الصيف البارد المروّع قامت السيدة ماري شيللي Mary Shelley وزوجها بيرسي شيللي Percy Shelley بزيارة الشاعر الكبير اللورد بايرون Lord Byron في منزله في سويسرا. وقد اضطروا جميعاً بسبب البرد الشديد لقضاء معظم الوقت داخل المنزل. فشغلوا الأمسيات الباردة بأحاديث متنوعة حول نار هادئة دافئة. كان مِنْ ضمن أحاديثهم حوار شيق عن الكهرباء وتأثيراتها الحيوية واحتمال قدرتها على إحياء الموتى! دار الحديث عن قصص الفيلسوف والشاعر إيراسموس داروين Erasmus Darwin الذي ادعى في القرن الثامن عشر أنه استطاع إعادة الحياة إلى أعضاء ميتة عن طريق الصدمات الكهربائية!

أثارتْ هذه الأحاديث الشيقة الخيال الجامح للسيدة الشابة التي لم تكد تبلغ مِنَ العمر 18 سنة آنذاك، فكتبتْ قصة مخيفة وغريبة عنْ عالِم مجنون طَموح اسمه فيكتور فرانكشتاين، قام بتجميع أجزاء مختلفة مِنْ جثث الموتى مِنَ البشر وخياطتها إلى بعضها بعضاً ثم إعادتها إلى الحياة بتعريضها لعدة صعقات كهربائية قوية مِنَ البرق، وبَعثَ بذلك الحياة في مخلوقه المشوه الذي هرب وقام بكثير مِنَ القتل والتدمير. نَشرتْ ماري شيللي قصتها الشهيرة عن العالِم المجنون فرانكشتاين سنة 1818 والتي بُنيتْ عليها بعض الأفلام السينمائية وقصص الرعب والخيال العلمي فيما بعد.

تخطيط كهربائية القلب

تم تسجيل النشاط الكهربائي لقلب الإنسان لأول مرة في التاريخ في مستشفى سانت بارثولوميو St. Bartholomew Hospital في لندن وذلك سنة 1872، ولكنّ الاستخدام العملي لتخطيط القلب الكهربائي لم ينتشر حتى عام 1901 عندما قَدَّم العالِم الهولندي الشهير ويليم أينتهوفن Willem Einthoven (1860-1927) أبحاثه الهامة.

العالِم الهولندي الشهير ويليم أينتهوفن Willem Einthoven (1860-1927)

ولد أينتهوفن في إندونيسيا، وكان أبوه طبيباً هولندياً، وقد أرسل ابنه اللامع لدراسة الطب أيضاً في جامعة أوتريخت Utrecht University. في أواخر القرن التاسع عشر، كان من المعلوم أن العضلات تُصدر تياراً كهربائياً ضعيفاً يمكن تسجيله في المختبر باستخدام مقياس غالفاني، ولكن هل يمكن تسجيل التيار الكهربائي الضعيف الذي يصدره القلب وهو يعمل داخل جسم الإنسان؟ وكيف يمكن التقاط هذا التيار وتسجيله؟ وهل سيكون ذلك مفيداً في تشخيص أمراض القلب؟ كانت هذه أسئلة كثيرة تحتاج الإجابة عليها إلى سنوات من الجد والعمل.

قام أينتهوفن بتصميم جهاز غالفاني حساس يستطيع أن يلتقط النشاط الكهربائي الخافت الذي يصدره قلب الإنسان أثناء انقباضه وانبساطه داخل الجسم عن طريق التقاط هذا التيار عبر الجلد. وأضاف إلى هذا الجهاز إمكانية تضخيم وتكبير سعة هذا التيار الضعيف، ثم تسجيله على ورق خاص بحيث يمكن دراسة صفات هذا التيار وتغيراته المختلفة في حالة الصحة والمرض.

شَغَل أول جهاز تخطيط لكهربائية القلب غرفةً كاملةً، وبلغ وزنه 300 كيلوغرام، واحتاج للتبريد المستمر بالماء، وإلى خمسة أشخاص لتشغيله. وضع أينتهوفن يديه في وعاءين كبيرين مملوءين بالماء ووضع إحدى رجليه في وعاء مماثل، ووصل نفسه إلى جهاز التسجيل، وانتظر قليلاً حتى لاحظ تحرك إبرة الجهاز التي رسمتْ موجات غريبة منتظمة.

وكان ذلك أول تسجيل عملي لما يسمى الآن تخطيط القلب الكهربائي. وعلى مر الزمن أصبح هذا الجهاز صغيراً وخفيف الوزن ولا يحتاج تشغيله إلى كثير من الجهد ولا للتبريد بالماء، وأصبح أحد الأجهزة الأساسية في تشخيص أمراض القلب. درس أينتهوفن الأمواج الكهربائية التي يُصْدرها القلب واستطاع أنْ يميز كثيراً مِنَ الأمراض التي تدل عليها، وغيّر بذلك مِنَ الممارسة اليومية لأطباء القلب، وفاز بجائزة نوبل سنة 1924 عنْ جدارة واستحقاق.

جهاز تخطيط القلب الكهربائي الذي اخترعه أينتهوفن عام 1901

 

 

جهاز تخطيط القلب ست قنوات

جهاز حديث لتخطيط القلب الكهربائي

 

 

المصدر:

كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجاله" للدكتور عامر شيخوني

آخر تعديل بتاريخ
30 مارس 2023
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.