والدتي ضحية لوالدي وتريد منا أن نعيش معها دور الضحية
المشكلة التي اعاني منها هي امي متعها الله بالصحة فهي دائمة التذمر والغضب والاحساس بأنها ضحية أبي والأقارب ودائما تذكر لنا مواقف قديمة حدثت لها نحن لا نعلم عنها شيئا وتستحضر ذلك بكل الحزن والأسى ودائما ما تندب حظها والظروف. والآن لما يقارب السنة هي ملازمة للفراش بسبب وعكة صحية تعالجت منها ولكني اشعر بانها تخاف أن تمارس الحياة الطبيعية ويحدث أن تلقي اللوم علينا في وضعها وانها ضحت لأجلنا ووصلت لهذه المرحلة بسببنا نحن ابنائها ويصبح الحديث معاها شبه مستحيل لانه سيتحول لنقاش عنيف..
عزيزتي؛
أشعر بحيرتك تجاه هذا الوضع، وقلقك على والدتكِ، وفي نفس الوقت ألاحظ بوضوح ذلك الوعي الذي تتمتعين به في رؤيتك لكل هذا، فكأن وعيك ساعدكِ على رؤية اختياراتها في الحياة رغم ما مرت به من معاناة وألم، وتتمكنين من رؤية أشهر فخ يقع فيه البشر لدرجة أنه صار معروفا ومشهورا وهو دور "الضحية"، والذي فيه يختار الشخص أن يتنازل عن حقوق له، ويقبل أوضاعاً صعبة عليه تحت مبررات غير صحية وغير حقيقية، حتى يظل في هذا المربع الذي أضطر إليه اضطرارا في طفولته حيث كان لا حول له ولا قوة بدنية ولا عقلية ولا إرادية ولا شيء، ولكنه بعد ذلك اعتاده حرام أنه يشكو منه، فيصبح "اختياراً " بعد أن تزول مرحلة اللاقدرة تلك؛ لأن الاختيارات الأخرى تكون متاحة للتنفيذ ولو بجهد كبير نسبيا إلا أنها متاحة، فالتعايش مع ضياع حقوقها كان اختياراً، والبقاء في تلك الزيجة كان اختيارا، والسكوت على تصرفات أقاربكم كان اختيارا.. إلخ.
وإن أردت أن تتأكدي من ذلك فاسألي نفسك سؤالا مهما.. لماذا اختارت والدتك البقاء على وضع تعاني فيه؟ سأتصور أنك تجيبين وغالباً ستكون الإجابة حتى لا تتأثروا بالطلاق نفسيا وماليا، أو حتى لا يتحكم فيكم أحد، أو حتى لا تشعر بثقل وعبء الحياة وهمومها وحدها معكم.. إلخ. وإجابة كل تلك المبررات سيحددها الواقع، فهل عدم الطلاق جعلكم لا تتأثرون بصعوبة العلاقة بين والدتك ووالدك؟ هل تحررتم من التحكم؟ هل صارت نفسية والدتك خفيفة بلا أعباء بلا هموم؟ إذاً هي اختيارات غير واعية، أو غير ناضجة وتعززها طريقة التفكير.
وبقي أن أوضح لكِ لماذا قلت كل هذا؟ قلت لكِ كل هذا حتى لا تقعي أسيرة هذا الدور الصعب -الضحية- الذي يقع فيه الشخص فيكون عالقاً بالذنب تجاه الشخص ويظل في هذا الإحساس السيئ في علاقته بمن يحيا دور الضحية دون نتيجة إيجابية حقيقية تغير الواقع، فوالدتك مثقلة جدا بطريقة تفكيرها وتفسيرها واختياراتها لدرجة أن جسدها لم يعد يحتمل هذا الألم النفسي، ولا تفكر حتى تلك اللحظة أنها تحتاج لمساعدة متخصصة تساعدها على التخلص من هذه المعاناة التي لا تنتهي، وتستبدله بإشعاركم أنها ضحت بنفسها من أجلكم ولكنكم لا تحملون الجميل!
لذا يا ابنتي تحتاجين أن تقطعي الرابط الخطأ بين برك لوالدتك ومسؤوليتها عن تغيير اختياراتها الآن في أن تبقى كما هي، فمن أجلها هي؛ لا تستجيبوا لذلك مهما قالت أو تصورت أنكم مثلا أبناء جاحدة، ولكن موقف التفهم لمعاناتها وتوضيح أنكم تعجزون عن مساعدتها في تخفيف هذا العبء؛ لأن ذلك يحتاج متخصصين درسوا أبعاد تلك المعاناة ويتمكنون علمياً من مساعدتها هو الحل، وأن تكونوا أصحاب اختيارات أكثر وعيا وشجاعة هو ما سيساعدها فعلاً ولو بعد حين؛ لأن استجابتكم لاختياراتها لن تقدم شيئا لها، بل سيكون تكراراً لنفس دورها مع نفسها لأنكم ستستجيبون لها بغير ما ترون أو تختارون؛ أي ستتنازلون عن وجودكم واختياراتكم في الحياة تحت ضغط نفس المبرر وهو التضحية من أجل من نحب! ويتحول هذا الفضل لطوق خانق يخنقكم ولن يساعدها في أي شيء.
هذا الحديث لأجلها أولا ومن أجلكم، وكلما كانت الاستجابة بطريقه غاية في الأدب مع الإصرار المهذب جدا على عدم الانسياق لسماع تلك الأحاديث أو النحيب والشكوى والغرق في المعاناة؛ سيكون جيدا لكم جميعا، وإن لم تستجب فلا تتصوروا أن الاستجابة هي الحل، ولكن تغيير اختيارها ورغبتها في حل مشكلتها مع نفسها وتجاه الحياة والناس هو فقط الحل، لذا أؤكد على أن يتم ذلك بأدب شديد مع إصرار مهذب في نفس الوقت، وأن تأخذ محاولاتكم المتكررة للتواصل مع معالج نفسي مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد عن 6 شهور قبل عدم الاستجابة لطريقة تفكيرها وتصرفاتها بشكل واضح دون مواربة وبأدب جم. لأنها مسؤوليتها الذاتية تجاه نفسها تماما، ولا تنسوا أن الوضع الطبيعي أنها هي الأم وأنتم الأبناء وليس العكس!، ولكن تفهمكم لانخفاض وعيها النفسي هو ما يحتاج منكم لمحاولات حاسمة مهذبة في ذات الوقت. دمتم بخير.
