صحــــتك

النمو بعد الصدمة.. كيف تبدأ رحلة التعافي؟

النمو بعد الصدمة.. كيف تبدأ رحلة التعافي؟

ربما تكون قد سمعت عن اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب كرب ما بعد الصدمة. إنها حالة صحية عقلية تنشأ بعد حدث صادم، وغالبًا ما تتميز بذكريات الماضي والقلق الشديد والأفكار المزعجة، ومن المحتمل أن يكون عدد قليل من الناس قد سمعوا عن "نمو ما بعد الصدمة"، ففي حين أن الصدمة يمكن أن تستدعي استجابة مرعبة ومنهكة، إلا أنها في بعض الحالات يمكن أن تكون حافزًا للتغييرات الإيجابية. في أفضل الحالات، قد يؤدي ذلك إلى النمو والقوة والمرونة، ويحدث النمو اللاحق للصدمة عندما تكون قادرًا على تحويل الصدمة واستخدام الشدائد لصالحك.. والسؤال هو كيف تفعل ذلك؟

خصائص النمو اللاحق للصدمة

تشرح الدكتورة ماريان ترينت، وهي طبيبة نفسية: "المقصود بالنمو اللاحق للصدمة (post traumatic growth PTG)، هو أن يأخذ الشخص الذي تعرض للصدمة معنى جديدا من التجارب الصعبة التي مرت عليه من أجل عيش حياته بطريقة مختلفة عما قبل الصدمة".

تشير إحدى الدراسات إلى أن ما يقرب من 50 في المائة من الناجين من الصدمات يحدث لهم نمو ما بعد الصدمة بعد حدث صادم، وتشمل الأمثلة على مجالات النمو القوة الشخصية، وتقدير الحياة، والإمكانيات الجديدة في الحياة، والتغيير الروحي، وتطور العلاقات مع الآخرين. ويمكن أن تكون أمثلة النمو اللاحق للصدمة واسعة النطاق، بدءًا من ممارسة أعمال إبداعية، وتطوير العلاقة مع الآخرين ومع الله، والانطلاق في الأعمال الخيرية، وغير ذلك الكثير. وفقًا لعالم النفس البيئي ومستشار الرفاهية لي تشامبرز، يمكن للنمو اللاحق للصدمة أن يظهر كما قلنا بأشكال وطرق متعددة لا حصر لها، مثل الكشف عن المواهب والقدرات الكامنة، وإيجاد الثقة لمواجهة التحديات الجديدة، واكتشاف الشعور بالقوة.

يوضح تشامبرز أن "الشخص الذي يمر بالصدمة يميل إلى توليد مستوى من اليقظة والامتنان للحياة واللحظة الحالية والتركيز على تلك العلاقات التي يجب تحديد أولوياتها، وعادةً تلك التي يشعر الفرد أنها كانت موجودة من أجله في الأوقات الصعبة، والنتائج الأخرى التي يتم الإبلاغ عنها كثيرًا هي الرغبة في مساعدة الآخرين ورد الجميل، وتقدير الحياة، والمزيد من الوعي الذاتي والمزيد من التعاطف مع الآخرين".

 

النمو بعد صدمة الوباء

اكتشفت دراسة حديثة نُشرت في Journal of Psychiatry أن 88 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع البالغ عددهم 385 قالوا إنهم تعرضوا لآثار إيجابية من الظروف الوبائية الصعبة، مثل التعليم المنزلي وفقدان الدخل والمخاوف الصحية، وعلى وجه الخصوص، لاحظ المستجيبون تحسنًا إيجابيًا في العلاقات الأسرية وذكروا تقديرًا أكبر للحياة. قال آخرون إنهم استفادوا من نمو روحي بسبب الصدمة الوبائية وأبلغوا عن تحسن في الصحة العقلية.

استجابات مختلفة للصدمة

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا ينمو بعض الناس نتيجة الصدمة بينما ينسحق الآخرون؟

يقول ترينت وتشامبرز إن العوامل التالية تلعب دورًا رئيسيًا:

  • نظام دعم قوي
  • سمات الشخصية مثل الانبساط والانفتاح
  • القدرة على دمج التجربة الصادمة
  • تطوير أنظمة معتقدات جديدة بعد التجربة الصادمة

يقول تشامبرز: "إن القدرة على العثور على فائدة من الأحداث الصادمة تتأثر بالعديد من المتغيرات".

 

نظام الدعم

أحد العوامل الرئيسية هو قوة نظام الدعم الخاص بك. أظهرت الدراسات أن أولئك الذين لديهم شبكة قوية من الأسرة والأصدقاء الداعمين والموارد اللازمة للحصول على رعاية الصحة العقلية هم أكثر عرضة للتعافي.

السمات الشخصية

يوضح تشامبرز أن "السمتين النفسيتين اللتين تشيران إلى احتمال أكبر لتجربة النمو اللاحق للصدمة هما الانفتاح على التجربة والانبساط".

من المحتمل أن يكون هذا بسبب الانفتاح الذي يسمح بإعادة النظر في أنظمة المعتقدات، ومن المرجح أن يبدأ المنفتحون في الاستجابة ويسعون بنشاط إلى التواصل الاجتماعي. إن امتلاك سمات شخصية إيجابية مثل التفاؤل والتركيز على المستقبل يمكن أن يلعب دورًا أيضًا، ما يسمح لنا برؤية الاتجاه الصعودي المحتمل والاستفادة منه ".

القدرة على دمج التجربة

يقول ترينت إن النمو بعد الصدمة يحدث عندما يكون الفرد الذي عانى من الصدمة قادرًا على دمج تجربته في حياته، ما يؤدي لتطوير أنظمة معتقدات جديدة. ومن لا يستطيع فعل ذلك قد يبقى في حالة الصدمة، فالأقل قدرة على استيعاب تجاربهم في حياتهم هم أكثر عرضة للتعثر.

نمو بعد الصدمة أو مرونة؟

يشير ترينت إلى أنه يتعين على الشخص تجربة إجهاد ما بعد الصدمة قبل أن يتمكن من تجربة النمو اللاحق للصدمة، ومن أجل أن يتم تصنيف النمو على أنه نمو بعد الصدمة، يجب أن يكون الشخص قد عانى من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أولاً، وبدون هذه الأعراض، يمكن أن يُعزى أي نمو إلى المرونة.

هل يمكن لأي شخص أن ينمو نتيجة الصدمة؟

يمكن لأي شخص استخدام الأحداث المجهدة لتعزيز تقدير أعمق للحياة، ويمكن لخدمات الصحة العقلية المهنية أن تساعد، بما في ذلك:

  1. إزالة حساسية حركة العين وإعادة معالجتها (EMDR Eye movement desensitization and reprocessing)
  2. العلاج المركّز على الرحمة (CFT Compassion-focused therapy)
  3. العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات (TF-CBT Trauma-focused cognitive behavioral therapy)

يقول ترينت: "إن الوصول إلى علاجات الصدمات الفعالة القائمة على الأدلة.. يمكن أن يغير الحياة"، "يمكن أن تكون تأثيرات ما بعد العلاج مثل الليل والنهار بالنسبة للأشخاص من حيث زيادة الأداء وتقليل أعراض الصدمة"، كما تؤكد أن هذه الأساليب فعالة لمجموعة واسعة من الصدمات، بما في ذلك:

  • صدمة حدث واحد.
  • اضطراب ما بعد الصدمة المتعدد/ المعقد.
  • الحزن.
  • القلق والاكتئاب المرتبط بالصدمة.

يضيف تشامبرز: "علينا أن ننتبه إلى أن الصدمة تؤثر علينا جميعًا بشكل مختلف، ولا نقمع أو نتجاهل معاناتنا في سعي ساذج للتفاؤل"، "من خلال تقليل الصدمات التي نمر بها وتأثيرها، قد نجد أنفسنا غير قادرين على التعبير عن مشاعرنا السلبية بشكل صحي وتقليل فرصتنا في الاستفادة من النمو التالي للصدمة عن طريق تقليل التجربة".

 

كيف تنمو بعد الصدمة؟

إذا كنت قد تعرضت لصدمة، فهناك خطوات يمكنك اتخاذها نحو الاندماج. بينما يستغرق الأمر وقتًا، يمكنك تطوير استجابة نمو ما بعد الصدمة لتجربتك.

تتضمن هذه الخطوات:

  1. التفكير في تجاربك وعواطفك
  2. تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع
  3. التماس الدعم من مفدمي خدمات الصحة العقلية

من المهم ملاحظة أن بعض الصدمات ربما يكون من الصعب معالجتها بنفسك. في هذه الحالات، من المهم طلب المساعدة من محترف مؤهل.

تأمل انعكاس الصدمة عليك Reflect

كخطوة أولى، يقترح تشامبرز معالجة مشاعرك عن طريق كتابتها. ويقول: "التفكير في ما مررنا به وكيف تعاملنا معه، وخاصة كتابته، يساعدنا على أن نصبح أكثر وعيًا بكيفية تعاملنا مع تغيير عالمنا بين عشية وضحاها". وعندما نفكر، يمكننا أن ننمي الامتنان.

يقول تشامبرز: "يمكننا اعتبار الأشياء التي نقدرها ونشعر بالامتنان لها والمعنى في حياتنا"، "عندما ننظر للأشياء من بعيد، نصبح واسعي الحيلة، وقد نبدأ في رؤية مدى ثراء حياتنا".

التواصل الاجتماعي

يؤمن تشامبرز بأن تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع والسعي للحصول على الدعم من الأشخاص الذين تثق بهم يمكن أن يساعد أيضًا.

ويشرح قائلاً: "لقد اجتمعت المجتمعات لدعم بعضها بعضا [أثناء الوباء]، وتعزيز الروابط ومساعدة الضعفاء"، "يقول الكثير من الناس إن هذا الاتصال المتعمد جعلهم يشعرون بقدر أكبر من التقدير للآخرين وأنهم يشعرون بأنهم جزء من شيء أكبر".

الدعم

يتعلق الأمر بالسعي للحصول على دعم الصحة العقلية والتواصل مع الأشخاص المقربين منك أولاً وقبل كل شيء، ولكن متى وكيف تطلب المساعدة؟

ينصح بطلب المساعدة إذا شعرت بأعراض الصدمة، وهي ما يلي:

  1. اليقظة المفرطة
  2. الأفكار الدخيلة
  3. الكوابيس
  4. ذكريات الماضي
  5. زيادة تعاطي الكحول أو المخدرات
  6. اضطراب النوم

إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه يعاني من هذه الأعراض، فينصح بالخطوات التالية:

  1. تحدث مع طبيبك أو اتصل بخدمات الصحة العقلية الطارئة المحلية.
  2. تحدث مع صديق موثوق به أو أحد أفراد الأسرة حول ما تواجهه.
  3. ضع في اعتبارك الكتابة عن تجاربك. فعملية التدوين يمكن أن تساعد في الواقع في معالجة الأحداث.

بدلاً من دفع أفكارك أو مشاعرك الصعبة بعيدًا أو استخدام تقنيات الإلهاء، ربما يكون من المفيد تعلم كيفية تحملها لفترات زمنية أطول. يمكن أن يؤدي استخدام تقنيات تحمل الكرب مثل تدريبات التنفس لمدة ثلاث إلى أربع دورات تنفس إلى زيادة القدرة على التعامل مع الأفكار المؤلمة.
يمكن أن يكون التعرف إلى تقنيات التثبيت أو الوصول إلى العلاج النفسي مفيدًا للغاية.

عندما تحتاج إلى مساعدة الآن

إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه يمر بأزمة أو يفكر في الانتحار أو إيذاء النفس، فيرجى طلب الدعم الطارئ عن طريق الاتصال برقم خدمات الطوارئ المحلي، كما يمكنك البحث عن خط مساعدة في بلدك مع Befrienders Worldwide، وأثناء انتظار وصول المساعدة، ابق معهم وقم بإزالة أي أسلحة أو مواد يمكن أن تسبب الضرر، وإذا لم تكن في المنزل نفسه، ابق على الهاتف معهم حتى وصول المساعدة.

 

الخلاصة

بعبارات بسيطة، يكمن مفهوم النمو اللاحق للصدمة في فهم أن الأحداث المؤلمة والمرهقة والعكسية التي تحدث للبشر لديها القدرة على توليد فوائد إيجابية، وهذه الأحداث الصادمة، التي يمكن أن تراوح بين المرض الشديد وفقدان أحد الأحباء إلى الحروب والاعتداء الجنسي، وغالبًا ما يمكن لهذه التجارب أن تغير حياة الفرد، والنمو اللاحق للصدمة هو النتائج الإيجابية لتحمل الصراع النفسي لهذه الأحداث.

إن معرفة أن الأحداث الصادمة يمكن أن تكون حافزًا للنمو الإيجابي قد يجلب الأمل إذا كنت تمر بأحداث صادمة، مع الأخذ في الاعتبار أن أعراض الإجهاد اللاحق للصدمة صعبة، لذا من المهم عدم التقليل من تجربتك مع الصدمة وأخذ الوقت الكافي لمعالجتها بشكل صحيح، بدلاً من التسرع في تحقيق شعور زائف بالتفاؤل. مع الدعم المناسب، يمكن أن يساعدك القيام بذلك على الانتقال إلى مساحة أكثر إيجابية بمرور الوقت.

 

المصادر

Post-Traumatic Growth: How to Start Healing

Post-Traumatic Growth - Trauma-recovery.ca

Post-Traumatic Growth: Definition, Examples, and How to Get It

آخر تعديل بتاريخ
13 يوليو 2022
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.