صحــــتك

التنويم المغناطيسي.. أنواعه واستخداماته

الصورة
أنور نعمة
التنويم المغناطيسي.. أنواعه واستخداماته
من منا لم ينبهر يوما في صغره بمشاهد السينما والدراما والتلفزيون التي تظهر الطبيب وهو يردد على مسامع مريضه (الذي يحدق إلى ساعة جيب تتأرحج أمام ناظريه جيئة وذهاباً) بصوت بطيء، نافذ، آمر، رتيب، منخفض النبرة: "ستنام.. لديك رغبة في النوم، فيخر المريض في حال تشبه الغيبوبة"، وكأن لسان حاله يقول لطبيبه: "شبيك لبيك عبدك بين يديك". هذه الممارسة التي ينفذها المعالج على مريضه يطلق عليها التنويم المغناطيسي.

تعريف التنويم المغاطيسي

يوصف التنويم المغناطيسي على أنه حالة شبيهة بالنوم يصل فيها الأشخاص الخاضعون له، إلى مرحلة الاسترخاء الكامل والعميق عن طريق إطلاق الطبيب أو مقدم الرعاية لسلسلة من التعابير اللفظية أو الصور الذهنية، التي تخلق لديهم إحساساً بالأمان وتجعلهم في غاية التركيز والانتباه بحيث يكونون أكثر انفتاحاً وتقبلا ً للإيحاءات والمقترحات.

قد يبدو الأشخاص الخاضعون للتنويم نائمين وكأنهم في عالم آخر، إلا أنهم على أرض الواقع في حال من الوعي المفرط يسمعون للتوصيات والمقترحات المقدمة اليهم ويتمكنون من تذكرها بعد الجلسة.

لمحة تاريخية عن التنويم المغناطيسي

يعود استخدام الحالات الشبيهة بالتنويم إلى آلاف السنين، إلا أن التنويم المغناطيسي بدأ في الظهور على أرض الواقع في آواخر القرن الثامن عشر على يد العالم الألماني فرانز ميسمر Franze mesmer، والذي كانت طريقته تسمى بالمسميريزم Mesmerism، نسبة إليه.

بدأت ممارسة ميسمر للتنويم بداية سيئة بسبب آرائه الصوفية، إذ كان يعتقد بوجود قوى غامضة خفية، ولكن في النهاية تحول الاهتمام بالتنويم فيما بعد إلى نهج أكثر واقعية.

أصبح التنويم المغناطيسي أكثر أهمية في مجال علم النفس في آواخر القرن التاسع عشر، واستعمله جان مارتن شاركوت في علاج النساء اللاتي عانين من حالات الهيستيريا. تأثر عالم النفس سيغموند فرويد بتقنية التنويم المغاطيسي فلجأ إليها في تطوير التحليل النفسي.

برز في الآونة الأخيرة عدد من النظريات المختلفة لشرح آلية عمل التنويم المغناطيسي، إلا أن واحدة منها هي الأكثر شهرة هي نظرية هيلغارد للانفصال Hilgard's neodissociatio, theory، التي فسر فيها بأن الأشخاص الخاضعين للتنويم يكونون في حالة انقسام في الوعي نتيجة وجود تيارين مختلفين من النشاط العقلي، واحد يستجيب لمقترحات مقدم الرعاية، في حين أن التيار الآخر يكون مهتماً بمعالجة المعلومات خارج الإدراك الواعي للفرد الواقع تحت رحمة التنويم المغناطيسي.



أنواع التنويم المغناطيسي

هناك 3 أنواع من التنويم المغاطيسي

1. التنويم المغناطيسي الموجه

يقوم هذا النوع من التنويم على استخدام أدوات مثل التعليمات المسجلة والموسيقى لحث المريض على الدخول إلى عالم التنويم المغناطيسي، وغالباً ما يستخدم هذا النوع من خلال تطبيقات موجودة على الأجهزة الإلكترونية المحمولة أو من برامج مسجلة على الإنترنت.

2. التنويم المغاطيسي العلاجي

يتم عن طريق شخص وسيط مؤهل لتقديم هذا النوع من الرعاية، إذ يقوم بخلق الجو المناسب الذي يجعل المريض في حال من اللاوعي يكون فيها أكثر تلبية وطاعة للمقترحات والإيحاءات وبالتالي إلى تقبل الحلول الجيدة.

3. التنويم المغناطيسي الذاتي

في هذا النوع لا يوجد وسيط، الذي هو الطبيب أو مقدم الرعاية، إذ يقوم المريض نفسه بتقديم الرعاية بعد أن يتعلمها بشكل صحيح من المختصين بهذا الأمر. يستخدم هذا النوع من التنويم كوسيلة مساعدة للتنويم الإيحائي من أجل تحقيق الهدف المرجو من العلاج مثل السيطرة على الألم أو إدارة الإجهاد.

استخدامات وفوائد التنويم المغناطيسي

قد يقرر شخص ما الدخول في تجربة التنويم المغناطسي للمساعدة في إدارة بعض الحالات مثل الألم المزمن، أو للتخفيف من الألم والقلق الناجمين عن بعض الإجراءات الطبية مثل الجراحة أو الولادة. نذكر في ما يلي عدداً من تطبيقات التنويم المغناطيسي التي أمكن إثباتها من خلال البحوث:

مخاطر التنويم المغناطيسي

إن التنويم المغناطيسي الذي يقوم به مقدم الرعاية المتدرب والمختص هو إجراء آمن، ومع ذلك فقد لا يكون مناسباً للمصابين ببعض الأمراض العقلية مثل الفصام والهلوسة.

قد يعاني البعض من بعض الآثار الجانبية في الفترة التي تلي جلسة التنويم، إلا أنها نادرة وعابرة، وتشمل هذه الآثار:
  • النعاس.
  • الصداع.
  • الدوخة.
  • القلق والضيق.
  • تكوين ذكريات خاطئة.

نسب استجابة الناس للتنويم المغناطيسي

يعتقد الكثير من الناس بالتنويم المغناطيسي، وأن غالبيتهم يمكن تنويمهم، وتشير الأبحاث إلى أن:
  • 10 - 15% يستجيبون بشدة الى التنويم المغاطيسي.
  • حوالى الـ 10% من البالغين يعتبرون أنه من الصعب أو من المستحيل التنويم المغناطيسي.
  • الأشخاص الذين يمكن إدخالهم بسهولة في عالم التخيلات هم الأكثر استجابة للتنويم المغناطيسي.
  • يميل الأطفال الى أن يكونوا أكثر عرضة للتنويم المغناطيسي.

خرافات حول التنويم المغناطيسي

ازدهرت الخرافات المتعلقة بالتنويم المغناطيسي خاصة في عالم التلفزيون والسينما والمسرح والسيرك، لدرجة أنها خلقت نوعاً من الخشية لدى الكثير من الناس الذين باتوا ينظرون إلى التنويم المغناطيسي بعين الشك والحذر، إلا أن الكثير مما يجول في عقول الناس حول هذا التنويم هو هراء في هراء، تعالوا نستعرض سوية أشهرها:

1. التنويم المغناطيسي يساعد على استعادة الذكريات المنسية

الحقيقة: هناك اعتقاد شائع أن التنويم المغاطيسي يساعد على انتاج ذاكرة قوية تخدم في استعادة الذكريات المنسية، ولكن الباحثين المخضرمين وجدوا أن التنويم لا يخدم بشكل جيد كطريقة لاستعادة الذكريات المنسية، عدا هذا، فقد يقع بعض الأشخاص الذين جرى تنويمهم في مطب عواطف قوية تعطيهم انطباعاً وكأن ذكرياتهم دقيقة، ما يساهم في صنع ذكريات خاطئة وكاذبة.

2. يمكن فقط التنويم المغاطيسي للضعفاء عقلياً 

الحقيقة: إنها أسطورة أن يكون الضعفاء عقلياً هم من يمكن تنويمهم، بل العكس هو الصحيح، فكلما زاد ذكاء الشخص زادت سهولة تنويمه، من هنا فلا غرابة أن تنشأ صعوبات في تنويم الأشخاص المعاقين عقلياً.

3. يمكن تنويم الشخص غصباً عنه

الحقيقة: نسمع هنا وهناك قصصاً تروي أن أشخاصاً تم تنويمهم غصباً عنهم، وهذا غير صحيح البتة، إذ إن التنويم يتطلب مشاركة طوعية من جانب المريض.

4. يكون الأشخاص تحت التنويم المغناطيسي عاجزين ومنصاعين كلياً

الحقيقة: إنها أسطورة من نسج الخيال، إذ إنه من الصعب جداً جعل الناس يفعلون أشياء تتعارض مع رغباتهم.

5. عندما تستيقظ من جلسة التنويم المغاطيسي لن تتذكر أي شيء حدث لك أثناء التنويم

الحقيقة: قد يحدث فقدان عابر ومؤقت في الذاكرة لدى بعض الأشخاص، إلا أنها تبقى حالات نادرة جداً، وبشكل عام، يمكن القول إن الأشخاص يتذكرون تماماً كل ما حصل لهم أثناء التنويم.

6. التنويم المغناطيسي هو النوم

الحقيقة: يبدو الناس وكأنهم في عالم النوم أثناء جلسات التنويم المغناطيسي، لأن عيونهم تكون مغلقة ومستسلمة. في الواقع، فإن الأشخاص تحت التنويم المغناطيسي ليسوا نائمين، بل هم في حالة اسمها النشوة المنومة hypnotic trance، أي أنهم في حالة تركيز عالية يكونون فيها مستيقظين ومتنبهين ومستجيبين للغاية، وهذا ما أكدته مخططات كهربائية الدماغ التي أظهرت مستويات عالية من موجات ألفا التي تختلف عن تلك الموجودة عند الشخص النائم.

7. تكفي جلسة واحدة للعلاج بالتنويم المغناطيسي

الحقيقة: إن القصص التي يرويها البعض بأن جلسة واحدة من التنويم تكفي لعلاج أي مرض هي خرافة بل أم الخرافات، إذ لا أحد تقريباً يشفى من جلسة واحدة، فالعلاج بالتنويم المغاطيسي يحتاج إلى 6 جلسات وقد تصل هذه إلى 20 جلسة في بعض الأحيان.

8. لا يستطيع الناس الكذب وهم نائمون مغناطيسياً

الحقيقة: إن التنويم المغناطيسي ليس بمصل الحقيقة، صحيح أن الشخص الخاضع للتنويم يكون أكثر انفتاحاً على المقتراحات المقدمة له أثناء التنويم، إلا أنه لا يزال يملك الإرادة الحرة ويستطيع أن يتفوه بأي شيء بما فيه الكذب.

9. يمكن التنويم المغناطيسي الذاتي عن طريق الإنترنت

الحقيقة: تروج العديد من تطبيقات الهواتف الذكية ومقاطع الفيديو إلى أن التنويم المفناطيسي الذاتي ممكن، لكنها على الأرجح غير فعالة.

10. يحتاج المنومون إلى أن يكونوا من ذوي المهارات العالية لإنتاج استجابة كبيرة

الحقيقة: إن صورة المنوم المغناطيسي على أنه ساحر يستطيع تنويم من يشاء هي صورة عشوائية وأسطورية، إذ لا يتطلب التنويم المغناطيسي سوى القدرة على تطبيق الإجراءات والتمتع بالمهارات الاجتماعية الأساسية، مثل تأسيس علاقة مع الآخر.

نصائح

إذا كنت مهتماً بالتنويم المغناطيسي فإننا ندعوك للأخذ بالنصائح التالية:
  • ابحث عن متخصص لديه أوراق معتمدة في استخدام العلاج بالتنويم المغناطيسي يمكنك الوثوق به، لأن هناك الكثير من الدجالين الذين يعملون في هذا المضمار.
  • يجب التعامل مع تجربة التنويم بعقل منفتح، إذ تفيد البحوث بأن الأشخاص الذين ينظرون إلى التنويم المغاطيسي بإيجابية هم الأكثر استجابة للعلاج بالتنويم.
  • إذا كنت منجذباً لاستعمال التنويم المغناطيسي عبر تطبيقات الهاتف الذكي أو برامج على الإنترنت، فاهرب منها، فهي ليست ناجعة.

في التنويم المغناطيسي.. لا وجود لساعة الجيب التي تتأرجح يمنة ويسرة

ختاماً

على الرغم من أن التنويم المغناطيسي كان قد مر في حقبات زمنية أثار فيها الكثير من الجدل، إلا أن معظم الأطباء يتفقون اليوم على أنه عملية حقيقية للغاية يمكن استخدامها كجزء من الخطط العلاجية لإدارة مجموعة من الأمراض والمشكلات الصحية والتعافي منها. قد يظن البعض أن التنويم المغناطيسي هو نوع من غسل الدماغ، وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً، لأن مقدم الرعاية المشرف على التنويم لا يمكنه، بأي حال من الأحوال، أن يجعل المريض يفعل أشياء محرجة أو لا يريدها. علاوة على ذلك، فالعلاج بالتنويم المغاطيسي لا يشبه أبداً ما نراه في دور السينما أو العروض المسرحية أو البرامج التلفزيونية، ولا وجود أبداً لساعة الجيب التي تتأرجح يمنة ويسرة على وقع قرقعة صوت مقدم الرعاية.



المصادر
What Is Hypnosis? - Verywell Mind
Hypnosis: 8 Myths You Should Know - PsyBlog
21 Myths About Hypnosis | Psychology Today

آخر تعديل بتاريخ
14 يناير 2022
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.