أحلام اليقظة.. هي تلك الأحلام التي نحلق بها في الخيال وسط يومنا الذي من المفترض أنه يعج بتفاصيل حياتية واقعية؛ كالدراسة، أو العمل، أو لقاء ﻷشخاص مختلفين، أو الواجبات اليومية، وأداء أدوارنا المختلفة (أبوة/ أمومة/ بنوة/ زمالة/ مرؤوس/... إلخ).
* هل هي الجنة أم جهنم الحمراء؟
يتصور البعض أن أحلام اليقظة هي مساحة "شر"، وعلامة غير صحية تقتضي من الشخص الحالم أن يتقيها، بل ويعالجها فورا؛ ﻷنه اقترب من الجنون. والبعض يتصور أنها واحة الراحة الوحيدة التي يختار الحالم أدق تفاصيلها كما يشتهي فهي مملكته الرائعة وسط زحام، وغصة الواقع.
والحقيقة أن أحلام اليقظة ليست جنة الله في أرضه، ولا جهنم الحمراء؛ فوجود درجة مقبولة من أحلام اليقظة مطلوب، بل لولا وجودها لما تنعمنا بما تحققه لنا التكنولوجيا في كل مساحات حياتنا، والتي كانت حلم يقظة.
ولكن تلك الأحلام تحتاج لأمور عدة حتى "تظل" في مساحة "الأمل" الحقيقي الدافع للتغيير، وتحقيق "الأهداف المستقبلية" بصدق؛ ولا تتحول لقتل عمد مع سبق الإصرار والترصد للوقت ليمر، أو أمنيات تحلق في السماء يستحيل أن تلامس الأرض.
* ماهية أحلام اليقظة
إذا أردنا أولا أن نتعرف على ماهية أحلام اليقظة؛ فهي علميا - في أغلب نظريات علم النفس - تعتبر بتبسيط شديد مصدراً من "مصادر الحماية، أو مصادر البقاء، أو مصادر الدعم الذاتي" أو غير ذلك من المسميات الكثيرة، ومصادر الحماية هذه وإن كانت في معظم حالاتها "حماية سلبية"؛ إلا أنها كانت مفيدة للإنسان في وقتها حيث وفرت له الحماية من ألم كان سيؤثر بالسلب أكثر كثيرا بدون وجودها، وساعدته على البقاء.
فإذا كنت من هؤلاء الحالمين، فتذكر أن هذه الأحلام قد وفرت لك الحماية من ألم الواقع الموجع جدا لك؛ وأنها ساعدتك على تحمل ألم الإساءات النفسية، أو الجسدية، أو الجنسية، وكانت مصدرا داعما لك.
وبنظرة مدققة ستكتشف أن هذا المصدر لم يوفر لك الحماية فقط، ولكنه كذلك أعطاك مساحات من التميز؛ فقد تكون ممن يمتلكون تميزا في التفكير الإبداعي، وحل المشكلات، بل والاختراعات؛ مما يعني أن تلك المساحة الداعمة لم تجعلك فقط قادراً على تخطي ما تعرضت له من "ألم أو إساءة"، ولكنها أضافت لك مساحات من التميز.
وهنا أنا لا أتحدث عمن صارت أحلام يقظته مجرد عرض من أعراض الوساوس، أو الأمراض العقلية، أو غير ذلك من الأمراض النفسية التي تتحول فيها أحلام اليقظة لجزء أساسي من المرض؛ فهؤلاء يحتاجون للتواصل الفوري مع متخصص للبدء في العلاج، ولكنني أتحدث معك أنت تحديداً.. أنت الحالم الذي "يعي" أنه يحلم، وينتبه لضياع الوقت والحياة بسبب أحلام اليقظة، الذي يلاحظ أن أحلام اليقظة في إزدياد، أو يلاحظ بدرجة ما اختلاط أحلامه بواقعه؛ كفتاة مثلا تحلم بزميلها في العمل كحبيب يرغب في الزواج منها؛ ورغم أنه لم يصرح لها بوجود أي مشاعر نحوها؛ إلا أنها تبدأ بالتعامل معه على هذا الأساس؛ فلك أنت أيها الحالم - ولكل حالم - أقول:
1. أحلام يقظتك جزء من دفاعاتك النفسية التي ظهرت لتحميك من مواجهة العيش وسط ألم تشعر به دون أن تدري؛ فلتمتنَّ لوجودها.
2. امتنانك لوجودها لا يعني موافقتك؛ بأن تظل موجودة بكل هذا الكم؛ فلقد أدت وظيفتها في السابق - دون وعي منك - لحمايتك حين كنت صغيرا، أو ضعيفا، أو غير مسوول عن إدارة حياتك، أو غير قادر - نفسيا/ أو ماليا/ أو عقليا/ أو بدنيا/- على دفع ثمن تغيير طبيعة علاقاتك، أما الآن فأنت ممتن لها، ولكنك لن تستخدمها بهذا الشكل؛ ﻷنك "كبرت ونضجت" على الأقل بوعيك تجاهها، وﻷنك لم تعد هذا الضعيف الخائف غير المسؤول.
3. أحلامك كانت تحمل جوانب أيجابية بجانب سلبياتها؛ فالآن أنت ستحتفظ بإيجابياتها؛ ﻷنه جهدك الذي تعبت فيه، وستقرر التخلي عن الجزء السلبي منها؛ ﻷنها كانت مساحة "هروب"، والهروب ليس حلا مريحا، وبتكراره يتحول الهروب من وسيلة سيئة؛ إلى أسلوب حياة.. هل تذكر كم هارب رأيت؟؟
4. ابدأ في تحديد وقت محدد للحلم فليكن مثلا 3 ساعات فقط؛ اضبط منبهك، وحدد كرسياً محدداً واحداً في مكان محدد واحد في بيتك ليكون مكان الأحلام؛ على أن تترك هذا المكان، والأحلام بمجرد إنتهاء الوقت المحدد تحت أي ظرف.
5. حدد أنشطة ستقوم بها خلال اليوم، قبل وبعد وقت الأحلام؛ حسب حياتك ومتطلباتها، ولا تسمح بالتداخل بينها قدر الإمكان، وسيساعدك كثيراً تسجيل ذلك كتابة؛ لتتمكن من معرفة مدى اختراقك للوقت، أو للحدود بين الأحلام والأنشطة المتنوعة - دراسة/ تنظيف/ استحمام/ رياضة/ اتصال هاتفي/ مساعدة آخر/ ترفيه/... إلخ، وتفادَ تكرار الاختراق فيما بعد.
6. لاحظ نفسك؛ فبسبب تلك الأحلام الكثيرة ستكتشف كم الإبداع الذي اكتسبته في تفاصيلها، وكم السيناريوهات التي تعلمتها منها، وكم الحبك الدرامي، والقصصي، والأدبي، وطرق التعبير التي اكتسبتها، وغير ذلك من المهارات الإبداعية المبهرة، ولولا وجودها ما كنت اكتسبت كل هذه المهارات، وما كنت اكتسبت تميزك عن غيرك من غير الحالمين.
7. العائق الكبير بين تحقيق أحلامك، والواقع هو "الخوف"، وكلما هربت من الخوف؛ كلما زاد حجمه، وزاد هروبك؛ فلتقبل خوفك دون الاستسلام له، أو التناحر معه؛ لتتمكن من الخطوة التالية.
8. يمكنك كذلك القيام بتدريب "التخيل الهرمي"، وهو عبارة عن تخيل مشهد مواجهة تقلق منها، أو تخاف منها - هناك فارق بين الخوف والقلق؛ سنتحدث عنه إن شاء الله - على أن تستخدم حواسك كلها في المشهد؛ فترى ملابسك بألوانها، وشكلها، وتسمع الأصوات المختلفة في المشهد حتى لو صوت حذائك وأنت تمشي، وتشم رائحة المكان... إلخ، وابدأ في وضع الأشخاص بتفاصيلهم وبداية المشهد، وحين تجد نفسك وصلت لذروة خوفك فيه اخرج منه فورا، وتخيل مشهدا مريح لك جدا يسعدك وخذ نفسا صحيا، ثم عد للمشهد مرة أخرى لتكملته، وتوقف ثانية عند شعورك بالقلق، أو التوتر، وكرر فصلك عن المشهد بتخيل مريح ثم عد ثانية، وهكذا حتى تتمكن من إنهاء المشهد بنهاية تقبلها لك دون تهور، أو عنف، أو انسحاب، وكرره كثيرا حتى تتمكن منه بكل الإضافات التي ستحدث، وتضع لها جملا أفضل، أو ردودا أفضل تمكنك من التوصل لهدفك في مشهد المواجهة.
9. ابدأ رويداً رويداً في نقل السيناريوهات التي اخترعت طرق المواجهات فيها على أرض الواقع؛ حتى لو كانت كلمة، أو نظرة هادفة، أو جملة، أو رداً... إلخ، حتى يكتمل.
10. استفد تماما من ابداعاتك في أحلامك؛ فيمكنك نقلها للكتابة والتأليف؛ فبدلا من الجلوس في مكان الأحلام لتحلم؛ حولها لكتابة، أو رسومات، أو مدونات، أو خواطر... إلخ.
11. راجع إجابة سؤال مهم تنسى دوما أن تسأله لنفسك.. هل شاركت أنت في وضعك هذا؟ فقد تكون شاركت بصمتك، أو بانتظارك لمبادرة الآخر، وبعدم رؤية مساحات أخرى فيمن حولك، أو بتصورك عدم فهم من حولك لك وغباءهم، أو تصورك أن احتياجاتك النفسية مقروءة، ومفهومة ولا تحتاج للتعبير، أو بعدم تعبيرك عنها لشعورك تجاهها بالخزي، أو التفاهة، أو التسول ممن حولك، أو بإعطاء انطباع عكس ما بداخلك لمن حولك.. كل هذا وغيره مسؤوليتك، ويمثل أكثر من نصف طريق التغير؛ فتغييرك أنت هو وحده ما سيغير ردود أفعال من حولك.
12. استعن بصديق تأتمنه على مشاعرك، ورحلة تغييرك دون أن يحكم عليك؛ ليتابعك، ويشجعك، وقد تتبادلان التشجيع فيما بينكما في مساحات مختلفة؛ فتكسب علاقة جيدة مريحة في حياتك، وحياته.
13. تذكر.. ليس المطلوب "إنهاء" أحلام اليقظة من حياتنا، ولكن المطلوب "ترشيدها"، والاستفادة من مميزاتها، وتحويلها لطريق التغيير.. هيا ابدأ.
اقرأ أيضاً:
من أين تأتي الأحلام؟ (2)
أساطير طبية شائعة عن النوم.. هل هي صحيحة؟
استشارات ذات صلة:
بنت 13 غارقة في أحلام اليقظة
أعيش في عالم من الخيال.. خائف من تأثيراته