نتناول في هذه المقالة نوع خاص من الإساءات (الإساءة الروحية) والتي تؤدي لاضطراب العلاقة مع الله، وهذا النوع من الإساءات لا يحدث في الطفولة فقط، ولكن كلما كان التعرّض له في عهد مبكر من العمر كانت آثاره أشد، لأن الطفل يرى الحياة من منظور بسيط، وهذا النوع من الإساءة غير مقتصر أيضا على دين معين، فكل سلطة دينية تصورت أن لها الحصانة، وأنها الأعلم والأرقى والأتقى يمكن أن تسبب الأذى.
اقــرأ أيضاً
* ماهي السلطة الدينية؟
نعني بالسلطة الدينية هنا من يقوم بالدور الأبوي (الوالدين ومن يحل محلهما والمعلمين) قبل مرحلة الرشد، هم نقاط النفوذ والتأثير والتعليم، أو من تولى مهمة التبليغ عن الله في مرحلة ما بعد الرشد، من رجال الدين والوعاظ والخُدَّام (المرجعية الدينية)، ومهم أن نؤكد أننا حينما نتحدث عن سلطة دينية مسيئة فإننا لا نعني الله سبحانه وتعالى، ولكننا نقصد من يبلغون عنه.
* ماهي الإساءة الروحية؟
يمكن تعريف الإساءة الروحية بأنها تقديم صورة مشوهة عن الروحانية من السلطة الأبوية، وسوء استغلال السلطة الدينية لتحقيق مكاسب خاصة، سواء كانت هذه المكاسب مادية أو معنوية، وسواء تمت هذه الإساءة بوعي أو بدون وعي.
الكثير ممن فقدوا الروحانية ووجدوا أنفسهم بلا هوية ولا رابطة تصلهم بالسماء لديهم في الغالب جرح عميق في علاقتهم بالله، هذا الجرح نجم في كثيرٍ من الأحيان عن علاقتهم بالله كما عُرِف لهم وقُدِّم إليهم لا كما أخبر هو نفسه، ثم من خبرتهم لمن احتكروا حق النطق باسمه.
ويمكن تعريف الإساءة الروحية بأنها "إساءة استعمال السلطات المخولة للسلطة الدينية من أجل تحقيق نفع ذاتي من خلال السيطرة ومحاولة التحكم في الآخرين"، دون اعتبار لآراء الغير أو ما يترتب على تلك الإساءة من آثار على علاقة الفرد بالله أو مدى صحته النفسية والروحية.
* ماهي علامات السلطة المسيئة روحيا؟
تكلم الكثيرون عن علامات السلطة الدينية المسيئة روحياً، ومنهم من قال أن العلامات يمكن تلخيصها كما يلي: "لدى السلطة المسيئة روحياً معنى مغلوط للاحترام، حيث يعتبرون أن احترام الآخرين لهم حق أصيل وليس قيمة مكتسبة، ويعتبرون الإذعان لرأيهم دليلا على احترام الشريعة، ويميلون إلى الحديث بلغة الحق الحصري، وفي تعليمهم يميلون إلى إفشاء ثقافة الخوف والخزي، ولديهم ثقافة نحن وهم، أو ما يعرف بالخواص والعوام، وهم يميلون إلى استثناء أنفسهم من دائرة النقد، كما يضعون الطقوسية [الممارسات الدينية الفعلية] في مرتبة أعلى من الروحانية [العلاقة الروحية بين الفرد والله].
اقــرأ أيضاً
بينما يلخصها بعضهم في خمس سمات وهي:
- السلطوية بمعنى الرغبة في التحكم والسيطرة والتحدث من محل فوقي.
- الحساسية تجاه مكانتهم.
- قمع النقد وتغذية روح الإذعان.
- الكمالية الدينية بمعنى مطالبة الأتباع بتحقيق مستويات عالية من الممارسة واعتبار ذلك حدا أدنى.
- وأخيراً عدم التوازن بهدف اعتبار أنفسهم في مكانة خاصة لدى الرب، ويتم ذلك في الغالب من خلال تضخيم وتهويل أمور صغيرة من الشريعة والالتزام بها ومحاكمة الغير لها.
* نتائج الإساءة الروحية
أولا: نتائج الإساءة في الطفولة
تمثل الإساءة الروحية في مفهومها البسيط اضطراب العلاقة مع السلطة (أي سلطة)، وتأتي خطورة ذلك المفهوم لكون الأب - أو من ينوب عنه - هو أوّل ممثّل لها، ومن خلاله يرى الإنسان خبرته مع السلطة ومدى كونها مسيئة أو محبة، وفي ضوء علاقة الطفل بالأب تتشكّل أوليات علاقته بالله وما سواه من رموز السلطة والقانون (المعلمين والمدراء وغيرهم)، وبقدر خطورة هذا الدور نجد تغافل أكثر الآباء عن القيام به، ويتناسى الآباء والمربون أن دور الوالد الصالح هو أن يؤسس دعائم الضمير داخل ابنه ويربط قلبه بالسماء، كل ذلك من خلال تفاعله الصحيح معه.
ثانيا: نتائج الإساءة على البالغين
وكما تؤثر هذه الإساءة في الأطفال، تلعب دورها مع البالغين أيضاً لأن الفرد يضع ثقته في من يعتبرهم سلطة روحية، أولئك الذين يميل الأعم الأغلب من البشر - خطأً - إلى الاستسلام لهم، وأغلب المساء إليهم ينعكس غضبهم تجاه السلطة الروحية الأرضية على علاقتهم الروحية بالدِّين والإله، ولأن علاقة الفرد بتلك الدائرة علاقة شديدة الحساسية، تصبح الإساءة بالغة الأذى.
* خطورة الإساءة الروحية
تكمن خطورة الإساءة الروحية في أنها لا تكون متعمّدة في بعض الأحيان، بل يظن صاحبها أنه يُسدي نفعاً ونصحاً إلى الآخر، وما زلت أذكُر تلك الليلة حينما كنا في صلاة القيام - وهي صلاة تطوعية - وجاءت رسالة من مصلّى النساء من إحدى المصليات أنها تصلي في لباس ضيّق، وإذا بالتي تصلّي بجوارها تشتد عليها، وتتوعدها بأن صلاتها ليست مقبولة، وحينها أحسن الإمام الصنع حين قال: "أقول للتي نصحت أختها بهذه الطريقة، كيف تأمنين قول الله: ﴿وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله﴾"، والشاهد من الحكاية أنه ربما ظنت المرأة أنها تعمل خيراً ولم تنتبه إلى حجم الإساءة التي سددتها لروح أختها.
* تاريخ الإساءات الروحية
عرفت الإنسانية الإساءة الروحية في تاريخها الأولي، بل تسهل قراءة الإشارات نحوها في كل المدوِّنات الدينية، لاسيما الشرائع الإبراهيمية، وفي رأي الكثير فهذا هو سر إرسال الرسل، تخليص الأمم من التبعية للمسيئين روحياً أو بالمفهوم الكتابي "من الأنبياء الكذبة"، ويقف الخليفة الراشد أبو بكر بعدما تولّى الخلافة فأصبح يمسك بزمام السلطة الدينية والسياسية معاً ليوضح للناس: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم"، ويجدر الإشارة هنا إلى مؤَلَّف ضخم يحمل عنوانه إشارة بليغة على المحتوى الذي نتكلم عنه، وهو من تأليف الإمام ابن القيم، بعنوان "إعلام المُوقِّعين عن رب العالمين"، وفي هذا المؤلف يشبّه ابن القيم الفتوى الدينية أو التعليم الديني كما لو كان توقيعا باسم الرب، بما يتضمن ذلك من مسؤولية وخطورة.
اقــرأ أيضاً
* ماذا تفعل إذا كنت معرّضاً للأذى الروحي؟
- أولاً: لا تستهن بالأمر واحمله محمل الجد، وتحدّث عن ذلك مع دائرة ثقتك، وتوسل إلى الله ليرشدك إن كان ينبغي عليك المواجهة ومتى، واجه الشخص نفسه بحب لأنه في الغالب لا يقصد الأذى، فإن تعسّر ذلك فانتقل لمن فوقه [إن كنت تتبع طائفة هرمية]، وربما من الأفضل أن تعتزل لفترة لتمنح روحك فرصة للتعافي والتفكير بشكل أكثر سلاماً، وأحياناً قد يتوجب عليك مراجعة موقفك من هذه الطائفة بالكلية، لكن دوماً أبق علاقتك بالله وشريعته فوق كل ذاك الهراء.
* المصادر:
١- Shawn Nelson, Spiritual Abuse, Unspoken crisis, 2 Fib. 2015
٢- Ten ways to spot spiritual abuse; 9 Oct. 2016.
٣- David Hink, Spiritual Abuse, Watchman Fellowship.
٤- كريستين نصار، عُد يا أبي.
ويمكن تعريف الإساءة الروحية بأنها "إساءة استعمال السلطات المخولة للسلطة الدينية من أجل تحقيق نفع ذاتي من خلال السيطرة ومحاولة التحكم في الآخرين"، دون اعتبار لآراء الغير أو ما يترتب على تلك الإساءة من آثار على علاقة الفرد بالله أو مدى صحته النفسية والروحية.
* ماهي علامات السلطة المسيئة روحيا؟
تكلم الكثيرون عن علامات السلطة الدينية المسيئة روحياً، ومنهم من قال أن العلامات يمكن تلخيصها كما يلي: "لدى السلطة المسيئة روحياً معنى مغلوط للاحترام، حيث يعتبرون أن احترام الآخرين لهم حق أصيل وليس قيمة مكتسبة، ويعتبرون الإذعان لرأيهم دليلا على احترام الشريعة، ويميلون إلى الحديث بلغة الحق الحصري، وفي تعليمهم يميلون إلى إفشاء ثقافة الخوف والخزي، ولديهم ثقافة نحن وهم، أو ما يعرف بالخواص والعوام، وهم يميلون إلى استثناء أنفسهم من دائرة النقد، كما يضعون الطقوسية [الممارسات الدينية الفعلية] في مرتبة أعلى من الروحانية [العلاقة الروحية بين الفرد والله].
بينما يلخصها بعضهم في خمس سمات وهي:
- السلطوية بمعنى الرغبة في التحكم والسيطرة والتحدث من محل فوقي.
- الحساسية تجاه مكانتهم.
- قمع النقد وتغذية روح الإذعان.
- الكمالية الدينية بمعنى مطالبة الأتباع بتحقيق مستويات عالية من الممارسة واعتبار ذلك حدا أدنى.
- وأخيراً عدم التوازن بهدف اعتبار أنفسهم في مكانة خاصة لدى الرب، ويتم ذلك في الغالب من خلال تضخيم وتهويل أمور صغيرة من الشريعة والالتزام بها ومحاكمة الغير لها.
* نتائج الإساءة الروحية
أولا: نتائج الإساءة في الطفولة
تمثل الإساءة الروحية في مفهومها البسيط اضطراب العلاقة مع السلطة (أي سلطة)، وتأتي خطورة ذلك المفهوم لكون الأب - أو من ينوب عنه - هو أوّل ممثّل لها، ومن خلاله يرى الإنسان خبرته مع السلطة ومدى كونها مسيئة أو محبة، وفي ضوء علاقة الطفل بالأب تتشكّل أوليات علاقته بالله وما سواه من رموز السلطة والقانون (المعلمين والمدراء وغيرهم)، وبقدر خطورة هذا الدور نجد تغافل أكثر الآباء عن القيام به، ويتناسى الآباء والمربون أن دور الوالد الصالح هو أن يؤسس دعائم الضمير داخل ابنه ويربط قلبه بالسماء، كل ذلك من خلال تفاعله الصحيح معه.
ثانيا: نتائج الإساءة على البالغين
وكما تؤثر هذه الإساءة في الأطفال، تلعب دورها مع البالغين أيضاً لأن الفرد يضع ثقته في من يعتبرهم سلطة روحية، أولئك الذين يميل الأعم الأغلب من البشر - خطأً - إلى الاستسلام لهم، وأغلب المساء إليهم ينعكس غضبهم تجاه السلطة الروحية الأرضية على علاقتهم الروحية بالدِّين والإله، ولأن علاقة الفرد بتلك الدائرة علاقة شديدة الحساسية، تصبح الإساءة بالغة الأذى.
* خطورة الإساءة الروحية
تكمن خطورة الإساءة الروحية في أنها لا تكون متعمّدة في بعض الأحيان، بل يظن صاحبها أنه يُسدي نفعاً ونصحاً إلى الآخر، وما زلت أذكُر تلك الليلة حينما كنا في صلاة القيام - وهي صلاة تطوعية - وجاءت رسالة من مصلّى النساء من إحدى المصليات أنها تصلي في لباس ضيّق، وإذا بالتي تصلّي بجوارها تشتد عليها، وتتوعدها بأن صلاتها ليست مقبولة، وحينها أحسن الإمام الصنع حين قال: "أقول للتي نصحت أختها بهذه الطريقة، كيف تأمنين قول الله: ﴿وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله﴾"، والشاهد من الحكاية أنه ربما ظنت المرأة أنها تعمل خيراً ولم تنتبه إلى حجم الإساءة التي سددتها لروح أختها.
* تاريخ الإساءات الروحية
عرفت الإنسانية الإساءة الروحية في تاريخها الأولي، بل تسهل قراءة الإشارات نحوها في كل المدوِّنات الدينية، لاسيما الشرائع الإبراهيمية، وفي رأي الكثير فهذا هو سر إرسال الرسل، تخليص الأمم من التبعية للمسيئين روحياً أو بالمفهوم الكتابي "من الأنبياء الكذبة"، ويقف الخليفة الراشد أبو بكر بعدما تولّى الخلافة فأصبح يمسك بزمام السلطة الدينية والسياسية معاً ليوضح للناس: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم"، ويجدر الإشارة هنا إلى مؤَلَّف ضخم يحمل عنوانه إشارة بليغة على المحتوى الذي نتكلم عنه، وهو من تأليف الإمام ابن القيم، بعنوان "إعلام المُوقِّعين عن رب العالمين"، وفي هذا المؤلف يشبّه ابن القيم الفتوى الدينية أو التعليم الديني كما لو كان توقيعا باسم الرب، بما يتضمن ذلك من مسؤولية وخطورة.
* ماذا تفعل إذا كنت معرّضاً للأذى الروحي؟
- أولاً: لا تستهن بالأمر واحمله محمل الجد، وتحدّث عن ذلك مع دائرة ثقتك، وتوسل إلى الله ليرشدك إن كان ينبغي عليك المواجهة ومتى، واجه الشخص نفسه بحب لأنه في الغالب لا يقصد الأذى، فإن تعسّر ذلك فانتقل لمن فوقه [إن كنت تتبع طائفة هرمية]، وربما من الأفضل أن تعتزل لفترة لتمنح روحك فرصة للتعافي والتفكير بشكل أكثر سلاماً، وأحياناً قد يتوجب عليك مراجعة موقفك من هذه الطائفة بالكلية، لكن دوماً أبق علاقتك بالله وشريعته فوق كل ذاك الهراء.
* المصادر:
١- Shawn Nelson, Spiritual Abuse, Unspoken crisis, 2 Fib. 2015
٢- Ten ways to spot spiritual abuse; 9 Oct. 2016.
٣- David Hink, Spiritual Abuse, Watchman Fellowship.
٤- كريستين نصار، عُد يا أبي.