في تلك اللحظات تقوم مستقبلات الألم (التي توجد في غالبية أجزاء الجسم)، بتنبيه الجهاز العصبي بشكل سريع جداً من أجل التصرف اللحظي وردة الفعل التي تحمينا من العديد من المخاطر.
* فما هو الألم؟
تعرّف "الجمعية الدولية للألم" الألم على أنه تجربة حسية وعاطفية غير سارة مرتبطة بتلف في الأنسجة، والتلف ربما يكون قد حدث بالفعل أو ربما يكون محتملا.* كيف يحدث الألم في أجسادنا؟ وما هي طريقة استقباله من قبل الجهاز العصبي؟
لحدوث الألم هناك مساران عصبيان مختلفان
- المسار الأول، تأتي إشارة الألم من أي جزء من الجسم وتنشط القشرة المخية، والتي تسبب إدراكنا بالألم.
- يتفاعل الناس بشكل مختلف مع هذا التحفيز، لأن الشعور يتم تحديده من خلال تنشيط المسار الثاني الذي يشمل قشرة الفص الجبهي الإنسي والنواة المتكئة (أجزاء في المخ)، والتي ترتبط بالتحفيز والعاطفة.
- علاوة على ذلك، فهناك عوامل غير فسيولوجية تساهم في إدراك الألم، مثل الشخصية والإدراك والمعتقدات والمتغيرات الاجتماعية والثقافية والتعلم والتفاعل العاطفي والتي سنذكرها تفصيلاً الآن.
* لماذا نشعر بدرجات متفاوتة من الألم؟
عزيزي القارئ لا بد أنك بشكل ما صادفت أحداً ما من أفراد أسرتك أو أصدقائك مصاباً بجروح، أو تم عمل تدخل جراحي له وتكرر الأمر أمامك، والغريب أن ردة الفعل مع كل شخص تختلف عن الآخر، فتجد بعضهم يصرخون من جرح يكاد يكون متناهي الصغر، وعلى النقيض قد يصاب شخص آخر بجرح كبير جداً إلا أنك تجده متماسكاً، فما هو السر في هذا الاختلاف؟هناك مصطلح طبي يسمى تحمل الألم، وهو أعلى شدة من التحفيز المؤلم الذي يمكن للشخص تحمله والذي يختلف من شخص لآخر، وذلك بسبب:
- الجينات، حيث تلعب الجينات دوراً هاماً في تحمل الألم، فمثلاً تجد أولئك الذين يقطنون في المناطق شديدة البرودة يتحملون درجات الحرارة المنخفضة بشكل يذهل غيرهم.
- العمر، فمثلاً تجد أن قدرة الأطفال على تحمل الآلام أقل بكثير من البالغين.
- الجنس، حيث ترجح دراسة أجريت في العام 2016 أن القدرة على تحمل الألم تتفاوت بشكل كبير بين النساء والرجال، وأن النساء قد يتأثرن بالألم أكثر من الرجال. وتعزو الدراسة ذلك إلى أن سببه ربما يكون المكونات الهرمونية والبنية الجسدية والعوامل الاجتماعية.
- الضغط العصبي والذي يجعل الجسد يتوقع المزيد من الآلام.
- توقع مقدار الألم، حيث يشعر أولئك الذي يتوقعون ألماً كبيراً بمزيد من الألم مقارنة بالذين يتوقعون قدراً أقل من الألم.
- التجارب السابقة من الألم تكوّن تخيلاً يساهم في توقع مقدار الألم.
- مشاكل الصحة العقلية، حيث يشعر مرضى الاكتئاب والقلق بالألم أكثر مقارنة بمن لا يعانون منها.
- عوامل أخرى، مثل الاعتماد على بعض الأدوية والأرق والتدخين، حيث تزيد تلك العوامل من الشعور بالألم بشكل أكبر.
* هل من الممكن أن نزيد قدرتنا على تحمل الألم؟
هناك عوامل خارجية يمكننا من خلالها التغلب على الألم، مثل تلك التي يصفها الأطباء، كالأدوية والحقن والكريمات الموضعية والعلاج الطبيعي وغير ذلك من تلك الوسائل المعهودة، ولكن على الجانب الآخر، هناك بعض الوسائل التي من خلالها يمكننا أن نزيد قدرة أجسادنا على تحمل الآلام:-
تحرك
هل لا تستطيع بداية أن تتحرك؟ تحرك قدر ما تستطيع، فالعضلات التي تُهمل تتيبّس وتزيد من شعورنا بالألم مع أقل حركة.
الحركة تزيد نسبة إفراز الإندروفين، وهو واحد من المواد التي تساعد في تخفيف الألم.
-
ابسط عضلاتك
اليوغا، ليست فقط ممارسة رياضية لترييض وتهدئة المخ وتنظيم التنفس وحسب، بل تزيد قدرة الجسم على تحمل الألم أكثر من المعتاد، حسبما أظهرته دراسة أجريت في العام 2014، والتي أوضحت أن ممارسة اليوغا بشكل منتظم تزيد من قدرة التحمل للألم أكثر من الضعفين.
-
اشرب الماء
شرب الماء بكميات مناسبة بشكل يومي ومنتظم يزيد من كفاءة عمل خلايا الجسم وأنظمته بشكل أكثر كفاءة، ويحد من الشعور بالألم ويقلل من تيبس العضلات والمفاصل.
-
نم جيداً
النوم يهب أجسامنا القدرة على إعادة العمل وتنظيم إفراز الهرمونات. اسمح لي أن أطرح عليك سؤالاً، في اليوم الذي لا تنام فيه جيداً كيف تستقبل أي محفز للألم؟ الحقيقة أن قدرتنا على تحمل الألم تقل بشكل كبير عند عدم منح أجسامنا القدر الكافي من النوم.
-
عبر عن ألمك بصوت
عند إحساسك بالألم، فواحد من العوامل التي تحد من شعورك بالألم هو أن تصرخ بصوت عالٍ، يمكن أن تقول "آه"، حتى ولو كنت ذا هيبة، من حقك أن تعبر عما بداخلك، وذلك سيمنحك شعوراً أقل بالألم.
-
تخيل
عندما يكون موعد الحقن أو موعد تضميد جرحك، تخيل، تخيل أي شيء قد يزيل عنك الألم، تخيل أنك في مكان واسع أمام شاطئ، الأمر قد يبدو خيالياً للبعض، لكن في حقيقة الأمر فإنه أداة لتقليل الألم عند الكثيرين.
-
خفف الضغط العصبي
الضغط العصبي يزيد تأهب الجسم وحساسيته تجاه أي مؤثرات خارجية قد تكون سبباً في الألم.
-
مجرد لحظات
من واقع تجاربنا في الحياة فحدوث الألم والشعور به هو أمر مرتبط بالحياة واستمراريتنا فيها، تخيُّلنا أن لحظات الألم باقية هو أمر غير متحقق في الحياة مهما كانت قدراتك، إنها مجرد لحظات من الألم، تقبلها، ستمر كما مر غيرها، والحقيقة أن هذا الشعور سوف يحد من شعورك بالألم.
-
تدفأ
هل لاحظت أن وجودك في مكان بارد يزيد من حساسيتك للبرد؟ الحقيقة أن البرد يزيد من شعورنا بالألم، ووجودنا في أماكن باردة أثناء وجود مثيرات للألم يدفعنا نحو الشعور بالألم بنسب أكبر من وجودنا في أماكن دافئة.
-
الغذاء الصحي
لا شك أن منح أجسادنا الغذاء الصحي والبعد عن الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة المليئة بالدهون غير الصحية يحد من قدرة أجسادنا على أداء الوظائف الحيوية بشكل جيد، فكلما كانت أطعمتنا صحية أكثر، كلما كانت قدرتنا على تحمل الآلام أكثر بكثير مما لو كنا نعتاد على الوجبات السريعة غير الصحية.
الألم هو رفيق الإنسانية ويمنحنا الكثير من الوقاية من المخاطر والمضاعفات، إنه إنذار لنا بوجود شيء غير جيد في أجسادنا، ومن خلاله نستطيع أن نعي الخطر ونتعامل معه.
تقبُّل وجود الألم يهبنا الكثير من الراحة النفسية بل ويحد من قوة شعورنا بالألم.
المصادر:
How to Test and Increase Your Pain Tolerance
13 Ways To Improve Pain Tolerance
Insular Cortex Mediates Increased Pain Tolerance in Yoga Practitioners
pain tolerance
Gender differences in pain and its relief
The revised International Association for the Study of Pain definition of pain: concepts, challenges, and compromises