يعاني من يصاب بمرض باركنسون من أعراض مثل الصعوبة في الكلام، وكتابة النصوص، وارتعاش إحدى اليدين، وتباطؤ حركته، وضعف عام في أدائه الحركي. وقد لاحظ الأطباء والباحثون ظهور أعراض تشبه أعراض الإصابة بمرض باركنسون عند بعض الأشخاص الذين تعافوا من فيروس كورونا.
الأمر الذي أثار مخاوف حقيقية لدى العلماء اليوم من أن الظهور السريع للأعراض الحركية لدى مرضى باركنسون بعد الإصابة بكوفيد-19 يشير إلى وجود علاقة سببية بينهما، وسنتعرف في هذا المقال على طبيعة العلاقة بين فيروس كورونا ومرض باركنسون وتداعياتها على المدى الطويل.
* رصد تطور حالة المصابين
منذ بداية هذا الوباء، أصبح علماء الأعصاب قلقين بشكل متزايد من أن كوفيد-19 يمكن أن يؤدي إلى زيادة عدد المرضى الذين يصابون بمرض باركنسون، إذْ تظهر النتائج الجديدة أن مشكلة العلاقة بين فيروس كورونا ومرض باركنسون أكثر حدة. حيث تصف ثلاثة تقارير منشورة أخيراً عن ثلاثة مرضى (رجلان وامرأة من الشباب نسبياً) أصيبوا بكوفيد-19 وأنهم أصيبوا أيضاً بمرض باركنسون الإكلينيكي بعد أسابيع. وقد كشف تصوير الدماغ عن انخفاض وظائف المخ، باستخدام دواء الدوبامين التقليدي، الذي يستخدم عادة لعلاج الأعراض الحركية في مرض باركنسون، للتخفيف من الآثار بالنسبة لاثنين من المرضى الثلاثة. علماً أنه لم يكن لدى أي من المرضى الذكور استعداد وراثي معروف لمرض باركنسون، بينما لم يتم إجراء الاختبارات الجينية للمريضة.كانت حالة هؤلاء المرضى الثلاثة الذين طوروا مرض باركنسون الإكلينيكي فريدة من نوعها، لأنهم عانوا من ظهور سريع للأعراض الحركية الشديدة بعد الإصابة بفيروس كوفيد-19. من الممكن أنهم أصيبوا بمرض باركنسون بغض النظر عن العدوى الفيروسية التي أدت إلى تسريع تطور المرض. ومع ذلك، فإن البداية السريعة للأعراض الحركية بعد الإصابة بكوفيد-19 تشير إلى وجود علاقة بين فيروس كورونا ومرض باركنسون، ويرجع ذلك أساساً إلى عدم ظهور علامات على أي من المرضى المبلّغين عن مرض باركنسون قبل تشخيصهم بكوفيد-19 أو حملهم أي عوامل خطر وراثية معروفة.
* التداخل بين فيروس كورونا ومرض باركنسون
على الرغم من مرور أكثر من 200 عام منذ أن وصف جيمس باركنسون حالة المرضى الذين يعانون من أعراض حركية مميزة، فإننا ما زلنا لا نعرف السبب الكامن وراء مرض باركنسون، إذْ يتم التشخيص عادةً عند ظهور أعراض الحركة المعتادة.من الصعب تحديد السبب الدقيق للمرض فقد يكون هناك ما يصل إلى 50 عاماً بين الحادث الأصلي والتشخيص.
نحن نعلم أن التفاعل بين المعلومات الجينية لكل فرد والبيئة يلعب دوراً مهماً، ولذلك من الصعب تحديد الروابط المباشرة. لكنّ الدراسات الوبائية تربط بين التعرض لمبيدات الآفات أو المعادن الثقيلة، وإصابات الدماغ الرضحية، والعدوى الفيروسية/ البكتيرية، مع زيادة احتمالية الإصابة بمرض باركنسون في وقت لاحق من الحياة.
يُعرف كوفيد-19 بأنه حالة مرضية تنفسية، لكن من الواضح أن الجهاز العصبي المركزي يتأثر بنسبة ما لدى المرضى. حيث تتراوح التأثيرات العصبية الأكثر شيوعاً التي لوحظت في مرضى كوفيد-19 من الصداع والدوخة والارتباك إلى السكتات الدماغية والنوبة لفترات طويلة وفقدان الشمّ والتهاب الدماغ. ويمكن أن تتطور حالة التهاب الدماغ إلى شكل حاد يُعرف باسم التهاب الدماغ والنخاع الحاد المنتشر، حيث يلتهب كل من الدماغ والحبل الشوكي، وبذلك تفقد الخلايا العصبية غلافها الخارجي، مما يؤدي إلى أعراض تشبه أعراض التصلب المتعدد.
لا تزال الآثار طويلة المدى للعلاقة بين فيروس كورونا ومرض باركنسون غير واضحة، لكن معرفتنا الحالية تشير إلى عدة نقاط من التداخل بين الاضطرابات. ففي مرض باركنسون، تتراكم كتل سامة من بروتين يسمى (ألفا سينوكلين) في الدماغ. وقد عُثرَ على كتل (ألفا سينوكلين) لأول مرة في المناطق المعرضة مباشرة للبيئة الخارجية، وعلى وجه التحديد، البصيلات الشمية والأمعاء قبل ظهورها داخل الدماغ.
يعتبر فقدان الشم (يحدث انخفاض في أداء حاسة الشم عند 65 ٪ من الأشخاص المصابين بكوفيد-19) والإمساك من السمات الشائعة في المرحلة المبكرة من الإصابة بفيروس كورونا ومرض باركنسون، مما يشير إلى أن الفيروسات قد تدخل مباشرة إلى مناطق الدماغ المصابة بمرض باركنسون باستخدام الطرق نفسها. مثلاً يصيب فيروس كوفيد-19 كلاً من الجهاز التنفسي العلوي والسفلي. وتزوَّد هذه المنطقة بالأعصاب بواسطة العصب المبهم الذي يربط الدماغ بالرئتين، مما يوفر نقطة وصول أخرى إلى الدماغ.
لطالما توقع الباحثون أن تبلغ الفيروسات ذروة ضررها خلال مرحلة العدوى الحادة. ويشير العديد من النتائج إلى وجود صلة مباشرة للفيروسات بمرض باركنسون. والأكثر لفتاً للنظر هو جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 التي قتلت الملايين في جميع أنحاء العالم حينها، حيث إنّ أولئك الذين نجوا كانوا يعانون من مشاكل صحية مستمرة. تقريباً كل مريض بالإنفلونزا الإسبانية أصيب بنوبة حادة من التهاب الدماغ (تورم في الدماغ وتلف أثناء العدوى) بسبب فيروس الإنفلونزا الذي تطور إلى مرض باركنسون الفيروسي.
وقد وجد علماء الأوبئة لاحقاً أن الناجين من الإنفلونزا الإسبانية كانوا معرضين لخطر الإصابة بمرض باركنسون من مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بأولئك الذين لم يصابوا. ومنذ ذلك الحين، تم ربط الفيروسات مثل فيروس الهربس البسيط (الذي يسبب تقرحات البرد في الفم أو الأعضاء التناسلية)، وفيروس غرب النيل، وفيروس الخيول الغربية، والإنفلونزا-A، التي تسبب الإنفلونزا الشائعة، مع تطور مرض باركنسون الفيروسي في وقت لاحق من الحياة.
ومن الممكن أن تكون نوبة فقدان حاسة الشم و/ نقصان سكر الدم أثناء كوفيد-19 إشارة مهمة صغيرة للدلالة على تطوير أعراض مرض باركنسون في المستقبل. ربما يجب على الأطباء قريباً، عند فحص مريض يشتبه في إصابته بمرض باركنسون، توضيح حقيقة فقدان حاسة الشم و/ نقص سكر الدم أثناء وباء كوفيد -19.
* هل يمكن أن يكون مرض باركنسون عابراً؟
من المعروف جيداً أن حدوث مرض باركنسون العابر أو الدائم يكون بعد الإصابة بعدوى فيروسية، وفي هذه الحالات، يمكن أن يحدث الشلل الرعاش وفق آليات مختلفة مثل:- الضرر البنيوي والوظيفي للعقد القاعدية في الأعصاب.
- التهاب واسع النطاق أو حتى إصابة دماغية ناقصة التأكسج في سياق اعتلال دماغي.
- الكشف عن مرض باركنسون الكامن الذي لا يزال غير مصحوب بأعراض.
- الاحتمال الافتراضي بأن العدوى الفيروسية قد تؤدي إلى سلسلة من العمليات التي تؤدي إلى تطور مرض باركنسون على المدى الطويل لدى الأفراد الذين لديهم قابلية وراثية.
طبعاً وفي كل من هذه الحالات، هناك اختلافات سريرية وتشريحية مرضية أساسية. وبالتالي، فإن المرضى الذين ينطبق عليهم السيناريوهان 1 و2 سيظهرون بمظاهر عصبية غير متوافقة مع المعايير التشخيصية لمرض باركنسون، مثل البداية الحادة، أو العلامات المخيخية أو الهرمية، وندرة أو عدم الاستجابة لعلاج ليفودوبا. أما الأفراد الذين تظهر عليهم عدوى أو ضرر آخر يكشف عن مرض باركنسون الكامن بشكل شائع في الممارسة السريرية، فعادة ما يكون من السهل التعرف عليهم من خلال العرض الحاد أو شبه الحاد لسماتهم الحركية.
السيناريو المثير للاهتمام أن فيروس كوفيد-19 يمكن أن يؤدي إلى مرض باركنسون على المدى الطويل يستحق مزيداً من المناقشة. وقد اقترح هذا الاحتمال أيضاً في الماضي عند الإصابة بالعدوى الفيروسية الأخرى، ولكن حالياً يوجد مصدر قلق خاص نظراً للعدوى المرتفعة لكوفيد-19 وشيخوخة السكان.
وفي جميع الأحوال لا توجد بيانات كافية في هذه المرحلة لتقدير الخطر المتزايد للإصابة بمرض باركنسون المرتبط بكوفيد-19. وإنما قد يقودنا الانتشار المرتفع لفقدان حاسة الشم إلى الشك في وجود صلة بين ارتباط نوع التهاب الدماغ والخمول بجائحة إنفلونزا والتساؤل عما إذا كان التاريخ يتكرر. ظاهرياً، من الجذاب مساواة فقدان حاسة الشم في حالة بركنسون وفقدان الشم في حالة كوفيد-19، ومع ذلك لا يمكن اعتماد هذا الأمر دون دراسات مستفيضة.
ويقترح الباحثون أن تكون هناك زيادة في ملف مخاطر إصابة الأفراد الذين يعانون من مضاعفات عصبية مرتبطة بكوفيد-19. علاوة على ذلك، فإن الأفراد الذين يعانون من أعراض أكثر حدة قد يكون لديهم تغيير أكثر دراماتيكية في ملف المخاطر الخاص بهم. يشير التاريخ إلى أن هذا قد يكون مشكلة لأن باركنسون هو أسرع متلازمة عصبية نمواً، ومن المتوقع أن تؤثر على أكثر من 12 مليون شخص بحلول عام 2040.
ستكون لهذا الرقم وحده عواقب اجتماعية واقتصادية كبيرة لأن مرض باركنسون يتطور ببطء، ومكلف جداً، الأمر الذي سينعكس بشكل خطير على أنظمة الرعاية الصحية في العديد من البلدان، وينبغي تنفيذ استجابة استباقية مدروسة جيداً.
لقد فاجأت الموجة الأولى من كوفيد-19 العالم، فهل سنكون مستعدين للموجة الثالثة من العواقب العصبية مثل مرض باركنسون؟
لذلك فإن التعاون الدولي المنسق بين الباحثين للتحقيق في الآثار الفيروسية أمر ضروري، ويجب أن يعتمد على دراسات مستقبلية جيدة التصميم.
السيناريو المثير للاهتمام أن فيروس كوفيد-19 يمكن أن يؤدي إلى مرض باركنسون على المدى الطويل يستحق مزيداً من المناقشة. وقد اقترح هذا الاحتمال أيضاً في الماضي عند الإصابة بالعدوى الفيروسية الأخرى، ولكن حالياً يوجد مصدر قلق خاص نظراً للعدوى المرتفعة لكوفيد-19 وشيخوخة السكان.
* هل يمكن أن نشهد "موجة ثالثة" لوباء كوفيد-19
قد يكون هناك عدد لا يحصى من المضاعفات الثانوية العصبية والنفسية العصبية المحتملة على المدى الطويل لعدوى كوفيد-19 بما في ذلك الارتباط المحتمل بتفاقم مرض باركنسون لدى مرضى باركنسون أنفسهم، وربما تظهر آثار عصبية متأخرة بما في ذلك مرض باركنسون. يبقى أن نرى ما إذا كانت العدوى الفيروسية لكوفيد-19 سترتبط لاحقاً بمرض باركنسون كما هو الحال في الفيروسات الأخرى.وفي جميع الأحوال لا توجد بيانات كافية في هذه المرحلة لتقدير الخطر المتزايد للإصابة بمرض باركنسون المرتبط بكوفيد-19. وإنما قد يقودنا الانتشار المرتفع لفقدان حاسة الشم إلى الشك في وجود صلة بين ارتباط نوع التهاب الدماغ والخمول بجائحة إنفلونزا والتساؤل عما إذا كان التاريخ يتكرر. ظاهرياً، من الجذاب مساواة فقدان حاسة الشم في حالة بركنسون وفقدان الشم في حالة كوفيد-19، ومع ذلك لا يمكن اعتماد هذا الأمر دون دراسات مستفيضة.
ويقترح الباحثون أن تكون هناك زيادة في ملف مخاطر إصابة الأفراد الذين يعانون من مضاعفات عصبية مرتبطة بكوفيد-19. علاوة على ذلك، فإن الأفراد الذين يعانون من أعراض أكثر حدة قد يكون لديهم تغيير أكثر دراماتيكية في ملف المخاطر الخاص بهم. يشير التاريخ إلى أن هذا قد يكون مشكلة لأن باركنسون هو أسرع متلازمة عصبية نمواً، ومن المتوقع أن تؤثر على أكثر من 12 مليون شخص بحلول عام 2040.
ستكون لهذا الرقم وحده عواقب اجتماعية واقتصادية كبيرة لأن مرض باركنسون يتطور ببطء، ومكلف جداً، الأمر الذي سينعكس بشكل خطير على أنظمة الرعاية الصحية في العديد من البلدان، وينبغي تنفيذ استجابة استباقية مدروسة جيداً.
لقد فاجأت الموجة الأولى من كوفيد-19 العالم، فهل سنكون مستعدين للموجة الثالثة من العواقب العصبية مثل مرض باركنسون؟
* نصائح للمرضى المصابين بباركنسون في الأصل
إضافة للاحتياطات اليومية المعروفة التي يجب أن يقوم بها الأصحاء للوقاية من فيروس كورونا؛ فإن على المرضى المصابين بباركنسون القيام بالإجراءات الآتية:- إذا مرضت بفيروس من أي نوع، فمن المهم أن تستمر في تناول الدواء الموصوف لك لعلاج مرض باركنسون. وينصح الخبراء بأن مريض باركنسون يجب ألا يتوقف فجأة عن تناول الأدوية الموصوفة له، لأن ذلك قد يسبب مشاكل إضافية. ومع ذلك، فإن تفويت عدد قليل من الجرعات - بسبب القيء، على سبيل المثال - لن يسبب لك ضررا.
- من المهم الاستعانة بمصادر موثوق بها للمعلومات حول كوفيد-19.
- التحقق من توفر كل الأدوية الخاصة بالمريض، إذْ على المرضى جرد جميع الأدوية وإحضار ما ينقصهم منها.
- كتابة أو طبع قائمة بجميع الأدوية التي يتناولها المريض (وليس فقط أدوية باركنسون). اكتب اسم الدواء وأوقات تناوله وجرعاته.
- عمل قائمة بأطباء المريض ومعلومات الاتصال الخاصة بهم وأخذها معه في حالة دخول المستشفى.
* الخلاصة
لا نريد أن يصاب الناس بالذعر والرعب والقلق والتوتر أكثر مما هم فيه بتسليطنا للضوء على العلاقة بين فيروس كورونا ومرض باركنسون. لذلك يمكننا القول وبشكل عامٍ إن العلاقة بين فيروس كورونا ومرض باركنسون لا تدعمها أدلة قوية إلى الوقت الحالي. على الرغم من أنه لا ينبغي التقليل من العواقب العصبية المحتملة لهذا الفيروس الجديد، لأن العلماء يشعرون بالقلق إزاء الادعاءات غير المبررة التي تتوقع ارتفاع معدل الإصابة بمرض باركنسون في المستقبل، وهو إصابة ثانوية لوباء كوفيد-19.لذلك فإن التعاون الدولي المنسق بين الباحثين للتحقيق في الآثار الفيروسية أمر ضروري، ويجب أن يعتمد على دراسات مستقبلية جيدة التصميم.
المصادر
The link between Covid and Parkinson’s
SARS-CoV-2 and the risk of Parkinson's disease: facts and fantasy
A Post‐COVID‐19 Parkinsonism in the Future?
Parkinsonism as a Third Wave of the COVID-19 Pandemic?
Understanding coronavirus and Parkinson’s
UPDATE ON COVID-19 AND PARKINSON’S DISEASE
The Coronavirus and Parkinson’s Disease