خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، عانت البشرية من ظهور اثنين من فيروسات كورونا، الأول هو فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة SARS-CoV، والثاني هو فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS-CoV، ومع نهاية عام 2019، ظهر فيروس كورونا المستجد، الذي عرف فيما بعد باسم سارس – كوفي-2، في الصين، وانتشر الفيروس بعدها ليصيب ملايين الأشخاص حول العالم.
يسبب الفيروس مرض كوفيد-19، الذي تتراوح أعراضه بين أعراض بسيطة تزول تلقائيا، إلي مرض عنيف يصيب المريض بالتهاب رئوي، قد يتطور إلى فشل في وظيفة العديد من الأعضاء، وربما ينتهي بالوفاة، وتصيب هذه المضاعفات الذكور وكبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة بشكل أكبر، وهو ما يتسبب في نسب وفيات أعلى لدى هؤلاء المرضي.
يسبب الفيروس مرض كوفيد-19، الذي تتراوح أعراضه بين أعراض بسيطة تزول تلقائيا، إلي مرض عنيف يصيب المريض بالتهاب رئوي، قد يتطور إلى فشل في وظيفة العديد من الأعضاء، وربما ينتهي بالوفاة، وتصيب هذه المضاعفات الذكور وكبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة بشكل أكبر، وهو ما يتسبب في نسب وفيات أعلى لدى هؤلاء المرضي.
* إجراءات التباعد الاجتماعي المتبعة
في ظل هذا الوباء، كانت حكومات الدول عبر العالم في سباق مع الزمن من أجل تقليل سرعة انتشار الفيروس من خلال إجراء اختبارات وتحاليل لفحص المشتبه بإصابتهم من جهة، وعلاج المرضي طبقاً لدرجة الإًصابة ووجود المضاعفات من جهة أخري، ونظراً لعدم وجود لقاح أو دواء ناجح ثبت تأثيره بالدراسات المعتمدة، واعتمدت الدول علي سياسات المنع من خلال:- فحص المخالطين وتتبعهم.
- تقليل السفر بين الدول.
- إجراءات حظر التجول والحجر الصحي.
- إلغاء التجمعات الكبيرة مثل الأحداث الرياضية، والحفلات، وإغلاق المدراس.
* هل نجحت إجراءات التباعد في التخفيف من انتشار الكورونا؟
هذه الإجراءات أثرت بشكل كبير على السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية في كل دول العالم، لكن تطبيقها أثار أيضا العديد من التساؤلات، وعلي رأسها: هل نجحت هذه الإجراءات فعلا في تقليل حجم الإصابات؟العديد من الدراسات حاولت الإجابة عن هذا السؤال، واعتمد أغلبها على نماذج افتراضية، لكن دراسة حديثة نشرها باحثون من عدة جامعات مرموقة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية (شملت جامعتي أكسفورد وكامبريدج من المملكة المتحدة، وجامعات هارفارد وبوسطن وولاية بنسلفانيا وولاية جورجيا في الولايات المتحدة) لم تعتمد على النماذج الافتراضية بشكل أساسي، بل علي البيانات الحقيقية الخاصة بإجراءات الفحص والاختبارات الطبية من أجل تقييم فاعلية هذه الإجراءات.
وشملت الدراسة 149 دولة أو منطقة قامت فيها الحكومات بتطبيق واحد أو أكثر من التدخلات الخاصة بالتباعد الاجتماعي (إغلاق المدراس، أماكن العمل، المواصلات العامة، تحديد التجمعات الكبرى والأحداث العامة، وفرض إجراءات الإغلاق) في الفترة من 1 يناير وحتي 20 مارس 2020، وقام الباحثون المشاركون بدراسة المعلومات والبيانات المتاحة عن عدد الحالات المسجلة يومياً من خلال المركز الأروبي لمنع والتحكم في الأمراض، كما قاموا بدراسة سياسات التباعد الاجتماعي التي اتبعتها الدول من خلال مركز أقامته أكسفورد لتتبع الاستجابات الحكومية لمرض كوفيد-19، من أجل تحديد فاعلية هذه الإجراءات، وقام الباحثون بقياس نسب معدل الإصابة بمرض كوفيد-19 بعد تفعيل هذه الإجراءات بشهر على الأقل.
* نتائج دراسة عن فعالية إجراءات التباعد الاجتماعي
- طبقا للنتائج التي عرضها الباحثون، فإن تطبيق أي من إجراءات التباعد الاجتماعي المذكورة أعلاه ارتبط بتقليل معدل الإصابة بنسبة 13 بالمائة.
- أما تطبيق أربعة من إجراءات التباعد الاجتماعي معاً فقد أدى إلى انخفاض معدل الإصابة بنسبة 15 بالمائة.
- وكان هذا الانخفاض أكثر وضوحاً في الدول عالية الدخل، والدول التي تتسم بارتفاع أعمار سكانها (نسبة أكبر من السكان تتجاوز أعمارهم 65 عاما).
- وبشكل عام، ارتبط تطبيق الإجراءات بشكل مبكر وإلغاء التجمعات الكبيرة بانخفاض أكبر في معدلات الإصابة بالمقارنة بتطبيق إجراءات الإغلاق في وقت متأخر، إذ انخفضت نسب الإصابة في حالات التطبيق المبكر للإجراءات بنسبة 14 بالمائة بالمقارنة بـ 10 بالمائة فقط في حالة التطبيق المتأخر.
الدراسة شملت أيضا العديد من الدول العربية التي طبقت إجراءات التباعد الاجتماعي بصورها المختلفة، وشهدت الدول العربية ظهوراً متفاوتاً لحالات كوفيد-19، حيث تم رصد العدد الأكبر من الحالات في المملكة العربية السعودية، والتي تبعتها العراق وقطر ومصر بالترتيب.
لكن في المقابل تم تسجيل عدد الوفيات الأكبر في العراق التي تبعتها مصر ثم المملكة العربية السعودية.
أثبتت إجراءات التباعد الاجتماعي فعاليتها بنسب مختلفة في هذه الدول، ففي الأردن والمملكة العربية السعودية نجحت هذه الإجراءات في تقليل معدلات الإصابة بنسبة تصل إلى 21%، وفي العراق بنسبة 17%، أما في مصر وقطر فكان الانخفاض ملحوظاً بصورة أقل، حيث انخفضت معدلات الإصابة في البلدين بنسبة 9 بالمائة في مصر، و10 بالمائة في قطر، أما تونس فكان معدل الانخفاض بها 2 بالمائة فقط، ولم تتسبب هذه الإجراءات في حدوث أي انخفاض في البحرين.
لكن الدراسة رغم قوة الدليل الذي توصلت إليه لم تخل من مواطن ضعف، فاستخدام البيانات الحقيقية المتاحة يعتمد على جودة هذه البيانات المتاحة، وهذه الجودة بدورها تتفاوت بين الدول المختلفة، واعتمد الباحثون على البيانات اليومية للحالات التي تصدر من الدول المذكورة، وهي البيانات التي تتباين في دقتها، وجودتها، وعدم اتساقها في بعض الأحيان، ولا ينطبق هذا الأمر علي الدول النامية أو محدودة الإمكانيات فحسب، بل يمتد أيضا ليشمل دولاً كبري مثل الولايات المتحدة، التي لم تكن البيانات المتاحة بها مثالية، حيث تم استخدام العديد من أنواع الاختبارات لتشخيص المرض تختلف في دقتها وحساسيتها في فترات زمنية مختلفة، لذا يجب الحذر أثناء التعامل مع الاستنتاجات التي صدرت من هذا البحث، حيث قد يعكس اختلاف عدد الحالات اختلافاً في طرق التشخيص، وليس اختلافاً حقيقياً في تأثير إجراءات التباعد الاجتماعي التي قامت الدول باتخاذها، والباحثون أشاروا أيضاً إلى أن هناك العديد من العوامل المحلية والثقافية التي يمكن أن تؤثر على تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، وعلى الامتثال لها من قبل الأفراد والشعوب المختلفة، وهو ما لم تتم دراسته في هذا البحث ويمثل وجهاً آخر للقصور في هذه النتائج.
المصادر:
Lockdown-type measures look effective against covid-19
Physical distancing interventions and incidence of coronavirus disease 2019: natural experiment in 149 countries