يعد الالتهاب الكبدي الفيروسي (سي) المزمن من أخطر أمراض العصر، والتي تنتشر في الكثير من دول العالم، ولكن بصفة خاصة بين المصريين، مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض الكبد المزمنة وتليف الكبد ومضاعفاته، ومن ثمّ الإصابة بسرطان الخلايا الكبدية.
* الماضي الكئيب
وقد كانت الصورة قاتمة للغاية، والمستقبل مظلما بشكل يدعو لليأس مع تزايد عدد الحالات ومعدلات الإصابة، بالرغم من كل الإجراءات الوقائية، نظرًا لانخفاض معدلات الاستجابة للعلاجات التي كانت مطروحة حتى الماضي القريب، والتي كانت تعتمد على حقن الإنترفيرون الأسبوعية تحت الجلد كركن أساسي من أركان العلاج، بالإضافة إلى عقار الريبافيرين حيث إن نسب الشفاء كانت لا تتعدى الـ 40% أو 50% في أحسن الأحوال.
* العلاجات المباشرة المضادة للفيروس
في الفترة الأخيرة ظهرت العلاجات المضادة المباشرة للفيروس (سي)، والمعروفة باسم Direct Acting Antiviral Agents أو اختصارًا DAAs، والتي أحدثت طفرة في علاجات فيروس (سي) في العالم أجمع، وبكل أنواعه الجينية بما فيها النوع الرابع، والمنتشر في بلادنا العربية ومصر على وجه الخصوص، والذي اكتسب سمعته السيئة من ضعف استجابته للعلاجات القديمة، وتغيّرت نسب الشفاء الآن مع الأدوية الجديدة المضادة المباشرة للفيروس (سي) لتتراوح ما بين 95% إلى 100%.
* مدة العلاج
ليس هذا فحسب، بل إن مدد العلاج تعدّلت كثيرًا؛ بعدما كانت تتراوح ما بين 48 إلى 72 أسبوعًا من العذاب والقلق والانتظار والآثار الجانبية الشديدة، مع المتابعة بعدها ولمدة 6 شهور كاملة، لتصير الآن 12 أسبوعًا أو 24 أسبوعًا على أقصى تقدير في الحالات التي حدثت لها انتكاسة من علاج سابق، والمتابعة بعد العلاج لمدة 12 أسبوعًا فقط. بل تجري الآن محاولة وضع بعض البروتوكولات التي ستسمح بانتقاء بعض المرضى الذين سيخضعون لمثل هذه العلاجات لمدد أقصر تصل إلى 6 أو 8 أسابيع.
* أمثلة للعلاجات الأكثر شيوعا
وأصبح العالم كله يعرف أسماء هذه العقاقير مثل سوفالدي وأوليسيو وداكلينزا وهارفوني وكيوريفو، بل وينتظر عقارات أحدث صار يعرف أسماءها مثل الزاباليتا وغيرها.
المثير في الأمر أن عقارًا قديمًا مثل الريبافيرين ما زال يضع نفسه في مكانة لا تتزحزح من بروتوكولات العلاج الحديثة، وخصوصًا في مرضى التليف الكبدي ، لقدرته على زيادة الكفاءة الدوائية، وتحصيل أعلى استجابة ممكنة لهذا المريض في أقصر فترة زمنية ممكنة.
* الأعراض الجانبية
وتتميز العلاجات الحديثة بانعدام أو قلة الآثار الجانبية لها بالمقارنة بعقار الإنترفيرون، والذي كان يتسبب في العديد من الآثار الجانبية، والتي أدت لعدم استكمال العلاج في الكثير من الحالات كالأنيميا الشديدة وسقوط الشعر، والتهاب البنكرياس، والاضطرابات المناعية بالغدة الدرقية، أو التغيّرات الشديدة في الحالة النفسية، والذي يصل أحيانًا إلى الميل للانتحار، وهو ما لا نجده في الـ DAAs، والتي لا تتعدى آثاره الجانبية حدود بعض الآلام العضلية والمفصلية، والتي لا يشتكي منها إلا عدد محدود من المرضى، ويمكن التحكم فيها بأدوية بسيطة مثل الباراسيتامول.
* كيف يتم اختيار العلاج
بالطبع يتم اختيار البروتوكول العلاجي وفترته الزمنية بحسب المريض، ويتم تقييم كل مريض على حدة، فليست كل العقاقير مناسبة لكل المرضى، بل تتغير حسب وظائف الكبد، ووجود قصور في وظائف الكلى من عدمه، وإذا ما كان المريض قد تم علاجه سابقًا أم لا، أو خضع لعملية زرع أعضاء، وغيرها من الحالات الخاصة التي تحتاج لأخصائي الفيروسات الكبدية ليقوم بالتقييم المناسب للحالة.
* عالم خال من فيروس سي
لقد أصبحت الـDAAs من أكبر الصيحات العلاجية في العالم الآن، والتي تعد من الإنجازات العلمية الكبرى ضد مشكلة أرّقت العالم لسنين عدّة، وتسبّبت في خسائر اقتصادية وبشرية لا تقدر بثمن، وقد صار الطريق ممهدًا الآن نحو عالم خالٍ من فيروسي (سي)، وهو ما يحتاج لتضافر كل الجهود والحكومات والوعي الصحي والمنظمات غير الحكومية والدعم اللانهائي من أجل القضاء على هذا الكابوس، والذي يبدو للمرة الأولى أن القضاء عليه قد صار قريبًا وممكنًا.
اقرأ أيضا:
بشارة لمرضى التهاب الكبد C
التهاب الكبد الوبائي في بلادنا.. الدواء الجديد
الالتهاب الكبدي C (ملف)
متى تجري فحوصات الالتهاب الكبدي سي؟