ومثل سامي تعرضت أمل الممرضة المجتهدة لموقف مشابه؛ حينما صرخت فيها مشرفة التمريض على خطأ بسيط ارتكبته في جدول التوقيتات الخاص بها، ورغم أن الخطأ بسيط، وغير مقصود، ولم يسبب أي ضرر لأي من المرضى، ورغم أنها كانت معترفة بخطئها، إلا أن رد فعل المشرفة كان مذهلاً بالنسبة لها، مما جعلها تشعر أنها أبشع وأغبى إنسان في الكون، وفي هذا الموقف لم تستطع أن تنطق بحرف، وكل ما حاولت أن تفعله هو ألا تسمح لدموعها أن تتدفق ولكنها فشلت.
توضح الأبحاث أن الإحساس بالخزي والإحساس بالذنب إحساسان مختلفان، ورغم كونهما مشاعر متصلة إلا أنهما عاطفتان منفصلتان تماماً؛ وبينما يمكن أن يكون للإحساس بالذنب بعض الإيجابيات، حيث قد يدفع الشخص لتغييرات إيجابية في سلوكياته، إلا أن الإحساس بالخزي والعار هو إحساس يغلق الإنسان، وتشير الأبحاث أن الخزي والتحقير، والإساءات المادية والمعنوية متصلان ومترابطان معاً.
والشخص الذي يتم إشعاره بالخزي والتحقير يشعر أنه قد تم محوه من الوجود، ويشعر بالعجز والحيرة، وقد يترافق مع ذلك شعور بآلام في البطن، وأنه مشلول وممتلئ بالغضب، وكأنه مطعون في قلبه، ويصدق عليه العبارة السائرة "يتمنى الأرض تنشق وتبلعه".. وهذا هو رد الفعل المتوقع دائماً عندما نتعرض للتحقير.. نود لو نختفي.. نغطس في الأرض.. ونفقد القدرة على الفعل.
ولو كنت تعرضت لهذه الخبرة الصادمة فبالتأكيد لن تنسى هذه المشاعر، وفي كثير من الأحيان ستفكر فيما كان يمكنك أن تفعله في هذا الوقت أو بعد ذلك لتحمي نفسك، ولكن من الصعب أن نذهب للماضي لإصلاحه؛ لذلك فقد يكون من المفيد أن نفكر في استراتيجيات لحمايتنا عند تكرار مثل هذه المواقف.
وهنا سنتحدث عن 7 استراتيجيات مقترحة بناء على فهم ديناميات التفاعلات في هذه اللحظات:
1- خذ وقتك لتستجيب
هذا ليس سهلاً على الإطلاق.. وخصوصاً عندما يكون عقلك متجمداً من الرعب أو حينما تتمنى أن تختفي من على وجه الأرض.
لكن لا يجب أن تعتذر أو تبدأ باللوم أو بالهجوم.. لأن كل هذه الأمور قد تؤدي لنتائج عكسية.
2- لا تأخذ الأمور بشكل شخصي
خذ عقلك بعيداً عن نفسك، وحاول أن تفهم وأنت صامت ما الذي دفع هذا الشخص لفعل هذا التصرف معك، خذ الوقت الذي تحتاجه، وفي هذه الأثناء افتح فمك مذهولاً.. ربما يفكر أو يحاول أن يؤذيك أكثر، ولكن نظرة الذهول في وجهك قد تجعله يتوقف، وخصوصاً لو كان يفعل ما يفعل عن غير قصد، حيث سيجعله ذهولك يشعر بالحرج ويتمنى لو يعتذر، حتى وإن لم يعبر عن اعتذاره تصريحاً.
وعندما تكون متأكداً من أن مديرك لا يود إحراجك أمام فريقك على سبيل المثال، فاطلب مقابلة قصيرة بمفردكما؛ وعندما تكون معه تحدث معه بهدوء وحسم، أخبره أنك تعلم أنه لا يريد إحراجك، ولكن نقده لك أمام فريقك سبب لك الحرج، وأنك تعلم أن له نظرة جيدة للأمور، ولكنك تفضل أن يطلعك على تعليقاته بشكل خاص، وأنك منفتح على وجهات النظر المختلفة ومتقبل جداً لهذه التعليقات، وغالباً في موقف مثل هذا ستحصل على اعتذار حقيقي.
وحتى لو كان الشخص يقصد احتقارك والإساءة إليك.. كن واضحاً مع نفسك أولاً.. تحدث إليها وأخبرها أنه مهما كان خطؤك لا يوجد أي مبرر لاحتقارك أو الإساءة لك، ومن المهم أن تكون مسؤول عن أي أخطاء ارتكبتها، ولكن هذا لا يعني أن ارتكاب الأخطاء يعني أنك لا تستحق الاحترام أو ليس لك قيمة أو يكون هذا مبرراً لتحقيرك أو الاستهزاء بك.
ويخبرنا الباحثون أنه من المهم أن ندرك أن الأشخاص الذين يحاولون أن يشعرونا أننا سيئون هم أنفسهم عندهم مشكلات شخصية، وأن سلوكياتهم نحونا تنبع من مشكلاتهم الشخصية، وليست بسبب ارتكابنا لأمور مريعة.
3- اخرج من الموقف
يخبرنا الباحثون أن أمامنا 20 دقيقة فقط من التفاعل يمكننا فيها أن نحول دفة التفاعلات العاطفية، وبعد ذلك فإننا نصبح محبوسين في نمط من التفاعلات لن يحل المشكلات بل سيزيدها تعقيداً، ولا ينحل هذا النمط إلا بالانفصال المؤقت؛ لذلك لا ينصح بالبقاء على أمل أن تتحسن الأمور، خذ مسافة وابتعد، وبعد ذلك يمكنك العودة لمناقشة الأمر وأنتما أكثر هدوءاً.
4- تفهم دوافع الطرف الآخر
عندما تبتعد عن الخطر يمكنك أن تبدأ في التفكير في دوافع الشخص الذي وضعك في هذا الموقف، وهذا لا يعني المسامحة أو أن تشعر بالأسف نحوه، أو أن تكون لطيفاً معه، ولكن كل المقصود هو أن تعطي نفسك مساحة للخروج من ظلال تصرفاته، وتساعدها على ألا تأخذ الموقف بشكل شخصي، أو لنقل أن أخذ مسافة هو طريقة لرؤية الأمور بشكل أوضح، فالمشكلة في الأغلب تخص الشخص الآخر ولا تخصك أنت، وابتعادك قد يجعلك تفكر في أن أحد الاحتمالات أن هذا الشخص قد يكون غاضباً منك لأنك سببت له الحرج بشكل ما من خلال تصرف أنت غير واعٍ به أو غير مهم بالنسبة لك، ولكنه سبب له الإحراج، وهذا قد يهدئ من ثورتك قليلاً، على الأقل لأن فعله كان رد فعل على تصرف حدث منك، رغم عدم وجود أي وجه للمقارنة بين ما فعله هو وما فعلته أنت.
هناك احتمال آخر أن يكون هذا الشخص قد تعرض لتهديد في قوته؛ ووجد أن إيذاءه لأحدهم قد يعيد له الشعور بقوته، وأحياناً يكون للعبة القوة علاقة بأن الشخص ينتقم من شيء أنت قلته أو فعلته أو حتى لم تفعله، وفي أحيان أخرى يكون الموضوع له علاقة بشكل عام بالشعور بالعجز وفقدان القوة.
وتشير الأبحاث إلى أن المتحرشين والمعتدين جنسياً يريدون، بشكل غير واعٍ، إثبات قوتهم.
5- اعرف أنك لست وحدك
تقريباً لا يوجد أحد لم يتعرض في حياته لشكل من هذه الانتهاكات، ولذلك نشجعكم على أن تتكلموا عما حدث معكم، وأن تستخدموا شبكات الدعم الاجتماعي الخاصة بكم، وفي الأغلب فإن الشخص الذي أساء لكم قد فعل نفس الشيء مع آخرين، والأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي تحفل "بمتلازمة أنا أيضاً me too"، فبمجرد أن يعلن أحدهم أنه عومل بشكل مسيئ فإن الآخرين يبدؤون الحكي عن تجارب مشابهة.
6- كن حذراً من الرغبة في الانتقام
فعل الإذلال والاحتقار، حسب الأبحاث، هو خليط من الغضب والخجل، ويمكن أن يكون الانتقام رد فعل مناسب جداً لاستعادة الثقة بالنفس، ولكن الخطورة تكمن في أن الشخص الذي يذل ليشعر بالقوة يمكن أن يتحول لصورة أسوأ ويضرب بعنف أكثر، وكونك لا تنتقم لا يعني أنك ضعيف.
وتأتي القوة أحياناً من وقوفك للدفاع عن الآخرين الموجودين في مواقف مشابهة عندما تكون قادراً على فعل ذلك، ولكن ينبغي ألا تلوم نفسك إذا كنت غير قادر على الوقوف في هذا الموقف ضد شيء سبب لك الوجع والألم.
7- أوجد الطريقة التي تسمح لك بالحركة للأمام في حياتك
يمكنك ألا تهاجم من حقرك وآذاك مباشرة، ولكن من المؤكد أن أفضل انتقام هو ألا تجعل للأذى تأثيراً على حياتك، وأن تثبت له أنك لن تكون الشخص الذي يريده، وأن لك مصادر قوتك، ويمكنك أن تعيش حياتك الكاملة بدونه، وسواء حدث هذا بترك العمل أو إنهاء العلاقة أو ببساطة بألا تفعل أي شيء مع هذا الشخص الذي سبب لك الألم والأذى.
ولأن الشخص الذي يسيء لك في الأغلب تكون لديه القوة التي تجعله قادراً على إهانتك، ولأنك في كثير من الأحيان قد تجد نفسك عاجزاً عن إنهاء المشكلة تماماً؛ فإن أهم ما يجب عليك في هذا الموقف ألا تسمح لهذا الشخص أن يفقدك ثقتك في نفسك، وذلك من خلال الحصول على دعم الأصدقاء والزملاء والمعلمين ومن يمكنه أن يقدم لك الدعم، وقد يكون من المفيد أن تكتب وتدون، فهذا يعطيك فرصة أن تكون مسموعاً، ولكن لا تفعل ذلك إذا وجدت أن استدعاء ذكرى هذه الخبرة يجعلك تشعر أنك أسوأ.
اقرأ أيضاً:
من يحدث من؟
ثلاثة أشخاص يسكنون داخلك
لماذا نكرر تجاربنا المؤلمة؟
المصادر:
7 Ways to Respond When Someone Shames You
Klein, D. (1991). The humiliation dynamic: An overview. Journal of Primary Prevention, 12, 93–121. http://dx.doi.org/10.1007/BF02015214