كلّنا يسعى إلى السعادة، ولو اختلفت السبل، لكن كثيراً ما تتعثر خطوات بعضنا وهم يطلبون هذا الهدف المراوغ.
هناك عدد من العقبات التي تمنع بعض الناس من أن يكونوا سعداء، وذلك لأسباب يمكن معالجتها بقليل من الصبر والحكمة.
سنحاول في هذا المقال أن نتناول أهم هذه العقبات، وتوضيح كيفية معالجتها.
1- التفكير في غيوم الماضي السوداء
أنت لا تستطيع تغيير الماضي، فلن يفيدك ترديده في ذهنك، وكل ما تستطيع فعله هو قبوله والتعلم منه.
فإذا مررت بصعوبات عائلية في صغرك، أو عانيت من أزمات عاطفية في شبابك، أو تألمت من سوء تصرف أحد أصدقائك، أو فشلت في تحقيق ما كنت تصبو إليه في عملك، فلن يفيدك استعادة تفاصيل هذه الذكريات السلبية قيد أنملة..
بدلا من ذلك تعلم كيف تنسى هذه الذكريات وتمحوها من ذهنك كلما عاودت الظهور، وأن تستبدلها بأفكار إيجابية، من قبيل ما أنجزته في حياتك، وما خوّلت إليك الظروف تقديمه من خدمات إلى البشر، وما تمكنت من تكوين علاقات ناجحة وصادقة مع الأصحاب.
2 - عقدة "المحطة"
التفكير في المستقبل يمكن أن يساء التعامل معه كما التفكير في الماضي. فكم من امرئ أضاع عمره وهو ينتظر وقوع أمر ما يخوله -أخيراً- "الاستمتاع" بحياته.. (عندما أحصل على الشهادة، سيتسنى لي الالتحاق بالوظيفة التي ستمنحني الاستقرار والسعادة.. لن أتمكن من الزواج وما يتبعه من حياة مستقرة حتى أحصل على ما يكفي من النقود..)، وهكذا..
تذكرني هذه المواقف بالمسافر في رحلة طويلة بالقطار، والقطار يجري في أجمل بقعة من البلاد، لكن المسافر لا يرى أيا من هذا الجمال، لأنه دائم التفكير فيما سيفعل عندما يصل إلى نهاية الرحلة - عندما يصل "لمحطة" القطار.
ولن تصطلح الأمور حتى نتوقف عن "العيش كليا" في المستقبل الذي علمه عند الله، والاستمتاع اليوم بكل ما لدينا من مواهب وإمكانات.
3- التعلق.. بأي شيء!
من الطبيعي أن يحب أحدنا حاجة ما يستخدمها، كقطعة ثياب أو سيارة أو بيت، أو أن يحب حيوانا أليفا، أو شخصا يمت إليه بصداقة أو قربى.. لكن التعلق الشديد بأي من هذه الأمور يحمل معه دوما الخوف من خسارته.
وكلنا يعلم أن ما من شيء في هذه الدنيا إلا وهو آيل إلى الفناء، وأنه من غير المقدر لنا أن نحتفظ بأي شيء (أو أحد) إلى الأبد.
إنك عندما تقتنع أن الإنسان لا يستطيع أن يبقي على ما (أو من) يحب طوال الحياة، ستعتري نفسك السكينة، وستصبح علاقتك مع الأصحاب والأحباء أقل أنانية وأكثر صفاء.
4 - المقارنة بمن هو أعلى
لا تصدق الذين يدعون أن الناس سواسية (أو أنهم يجب أن يكونوا كذلك) من حيث الحظوظ والمكاسب، فنحن نولد مختلفين في اللون والهيئة، في الأسرة والبيئة، في الثقافة والثروة.. كانت الأمور هكذا منذ بدء الخليقة، وستبقى ما دام هناك إنسان على وجه المعمورة.. ما يعني أننا سوف نجد دوما من هو أجمل، وأعلم، وأكثر ثراء منا.. كما سنجد من هو أدنى في كل هذه المجالات.
فإذا اعتدنا مقارنة أحوالنا بالأشخاص الأوفر حظا، والتشبه بهم، والتمني فيما لو كنا مكانهم، فسنحكم على أنفسنا وعلى ذوينا بالتعاسة وعدم الرضى ما حيينا..
أما إذا تعلمنا أن لكل إنسان نصيبه في هذه الحياة، وأن ما يحوزه المرء لا علاقة له بمدى سعادته.. وإذا تعلمنا أن باستطاعة كل شخص أن يفعل الأعاجيب بالإمكانات المتاحة له وحسب، فستكسبنا هذه القناعة الفوز بالراحة والسعادة.
5- الطموحات غير المُحققة
لا يعدم أحدنا شيئا من الطموحات والأحلام -منها ما يتعلق فينا بالذات (ما يجب أن نكون عليه وما نرغب أن نحققه)، ومنها ما يتعلق بالغير (كيف نفضل أن يقدرنا ويعاملنا الآخرون، وكيف نفضل أن تكون ظروف الحياة من حولنا).. ومن الطبيعي أن يتحقق بعض هذه الطموحات، وألا يتحقق بعضها الآخر.
فإذا كنت من النوع الذي لا يتقبل الفشل في تحقيق أحلامه ورغباته بسهولة، فستعاني من الحس بالفشل والخذلان، والكآبة الناتجة عنهما دون أدنى شك، ذلك لأنك جعلت سعادتك رهينة أمور لا يمكنك السيطرة الكاملة عليها.
والحل يكمن في العودة إلى الواقع، والقناعة بأن من الطبيعي أن نسعى لأهداف نحبها، لكن علينا ألا نتوقع أن نكيف الظروف لتستجيب لرغباتنا كل مرة.
6- الخوف والتوتر
يميل معظم الناس إلى لوم الأحداث الخارجية في شعورنا بالشدة والخوف والتوتر، فكثرة المسؤوليات الملقاة على عواتقنا، وتعثر الأمور الناتج عن الأحداث والتبدلات السياسية والاقتصادية، هي -باعتقاد الغالبية- ما يسبب تواري الشعور بالراحة والاطمئنان والسعادة، وطغيان الشعور بالقلق والخوف والتوتر.
لكن لا بد أن نعترف أن جزءاً كبيراً من هذه المشاعر السلبية مرده إلى الطريقة -النفسية والجسدية- التي نواجه بها هذه الأحداث، فنحن يمكننا أن نطلق لهمومنا وتخوفاتنا العنان، كما يمكن أن نسعى لكبحها وترويضها بمزيج من رباطة الجأش، والنظرة الواقعية التي تتقبل ما تقدمه الدنيا من حلو ومر، وبعض السلوكيات التي صار معروفا أثرها الحميد على نفسية الإنسان، كالرياضة البدنية، والتمشي في أحضان الطبيعة، ورياضة التأمل.
7- تقدير النفس بأقل (أو أكثر) مما تستحق
عندما يفقد الإنسان ثقته بنفسه ويعدم احترام الذات (وهو أمر ذو جذور تربوية)، يسلم بذلك مصيره للآخرين ويسمح لهم بمعاملته بأقل مما يستأهل من تقدير، ما يجعله محبطا كئيبا معظم الأحيان، وبينما يبدو الأمر وكأن هناك تحاملا على الشخص من معارفه، إلا أن تصرف الآخرين ما هو سوى انعكاس لما يتصوره الشخص عن نفسه.
فإذا كنت من هؤلاء، فعليك إصلاح ما أفسدته التربية، وعليك الإمساك بزمام الأمور في حياتك، والتدرب على دراسة وأخذ القرارات الحكيمة وتحمل مسؤوليتها، والاعتياد على حب نفسك واحترامها.
أما إذا كنت -بالعكس- ممن يعتبرون أنفسهم قادرين على كل أمر، ويستحقون حب وثقة واحترام الجميع، فسيصيبك الإحباط كذلك عندما لا يشاطرك الآخرون هذا الرأي.. في هذه الحال عليك أن تكون صريحا مع نفسك، وتقدر إمكاناتها الحقيقية، وتستمع لآراء الآخرين وتقديرهم لكفاءاتك.
8- العمل للمصلحة الذاتية
إذا كنت تعمل لنفسك فحسب، فستشعر بالوحدة، وتخسر الاستمتاع والارتباط العاطفي بكل ما يجري من حولك، وليس هناك أتعس من الذين يركزون على أنفسهم في كل شيء، فهم منعزلون عن العالم، محرومون من أكبر وأقوى مصدر للسعادة في حياة الإنسان، ألا وهو العمل لإسعاد الآخرين.
تطوّع في عمل خيري.. شارك في تعليم الأميين.. انخرط في نواد رياضية أو ثقافية.. ساهم في معونة الفقراء والمحتاجين..
وسترى كم سيكون لكل هذا أثر إيجابي على سعادتك ونفسيتك.