مرض نوبل هو مصطلح غير رسمي لحالة تشير إلى تبني بعض الحائزين على جائزة نوبل لأفكار غريبة أو غير سليمة علميًا، عادة في وقت لاحق من حياتهم. وقد قيل إن التأثير ينتج جزئيًا عن ميل الحائزين على جائزة نوبل إلى الشعور بالتمكين والعظمة، مما يعطيهم القوة للتحدث عن مواضيع خارج مجال تخصصهم المحدد.
وعلى الرغم من أن الفوز بجائزة نوبل هو الإنجاز المهني الأعظم الذي يمكن أن يحققه أي عالم، لكن مثل هذا الشرف العظيم قد يؤدي الحصول على جائزة نوبل للشعور وكأن أفكاره وأحكامه في أي موضوع لا ينبغي التشكيك فيه. وإلى جانب ضغوط الشهرة، قد يدفع ذلك الحائزين على جائزة نوبل إلى قضاء سنواتهم الأخيرة في مطاردة أفكار مستحيلة، أو زائفة، أو مجنونة تمامًا، وهذا سبب تسمية هذه الحالة: مرض نوبل .
وقد حذر بول نورس، الفائز المشارك بجائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب لعام 2001، الحائزين لاحقًا على الجائزة من "الاعتقاد بأنهم خبراء في كل شيء تقريبًا، والاستعداد للتعبير عن آرائهم حول معظم القضايا بثقة كبيرة، والاحتماء وراء السلطة التي يمكن أن تمنحها لك جائزة نوبل".
سلبيات مرض نوبل
لكنّ الشهرة لها سلبياتها، إذ يُطلب من الحائزين على الجائزة في كثير من الأحيان التعليق على أمور بعيدة كل البعد عن مجال تخصصهم. وقد يكون هذا محفوفًا بالمخاطر، خاصة إذا كان الموضوع يتضمن شيئًا ذا اهتمام عام واسع النطاق، مثل السياسة أو الدين أو الكائنات الفضائية. على سبيل المثال، وجد ستيفن هوكينج نفسه بانتظام في مثل هذه المواقف، رغم أنه لم يكن حائزًا على جائزة نوبل في هذه المجالات، وكان كثيرًا ما يقول أشياء غبية بشكل لا يصدق.
وهناك أيضاً بعض المخاطر المهنية، لأن في نهاية المطاف يجد بعض العلماء الحائزين على جائزة نوبل صعوبة في التركيز على أي شيء سوى التحدي الأعظم. فقد توصل ألبرت أينشتاين –على سبيل المثال- إلى العديد من الاكتشافات المذهلة التي كان بإمكانه أن يفوز بأربع جوائز نوبل أخرى بسببها؛ ولكن بدلاً من ذلك، أمضى سنواته الأخيرة في مطاردة نظريات عقيمة موحِّدة لكل قوانين الفيزياء المعروفة.
وعلى نحو مماثل، أمضى ستيفن واينبرغ، وهو عملاق آخر في هذا المجال، عقوداً من الزمن غارقاً في نظرية الأوتار، وهو يطارد "نظريته النهائية". وقد قال عنه أحد زملاؤه: "الآن لم يعد بوسعه أن يعمل إلا على حل المشكلات العظيمة". ومن هنا وصف بأنه يعاني من مرض نوبل.
جنون العظمة عند شوكلي
كان ويليام شوكلي أحد مخترعي الترانزستور، وهو مادة شبه موصلة تستخدم في جميع أجهزة الحاسوب وأجهزة أخرى كثيرة، حريصًا على التأكد من أن الجميع يعرفون ذلك، وهذا دفعه للتطفل والتدخل في عمل زملائه ومطالبتهم بذكر اسمه دائمًا، مع محاولات لدفعهم بعيدًا عن براءة الاختراع.
وبسبب هذا الاكتشاف، ومن بين اكتشافات أخرى، نال شوكلي نصيبه من جائزة نوبل عام 1956، إلى جانب زميله جون باردين. وقد سئم باردين، المعروف بطبيعته المتواضعة والهادئة، من سلوك شوكلي وترك مختبرات بيل ليصبح أستاذاً في الجامعة، وفي هذا المنصب، اتجه إلى حل مشكلة أخرى، لينال عن عمله الجديد جائزة نوبل ثانية في الفيزياء.
وهذا دفع شوكلي لتأسيس أول شركة لتصنيع الترانزستورات، وكانت سمعته ومواهبه الفكرية سبباً في اجتذاب أفضل الفيزيائيين الشباب إلى الشركة. ولكن الفوز بالجائزة أطلق العنان لأسوأ سمات شوكلي، فقد تضخم جنونه إلى الحد الذي أجبر معه موظفيه على الخضوع لاختبارات كشف الكذب.
وبسبب حاجته الأنانية إلى أن يُنظر إليه باعتباره عبقريًا عظيمًا، فقد جعلهم يعملون على أفكاره الرائعة ولكن غير العملية، وأهانهم علنًا عندما فشلت هذه المساعي. لقد أجبرته غطرسته في النهاية على طرد ثمانية من تلاميذه الموهوبين، وقد أصبح هؤلاء الرجال مشهورين بأعمالهم الرائعة، مثل تأسيس شركة إنتل، واختراع تكنولوجيا الرقائق الحديثة، وإنشاء الدوائر المتكاملة.
بعد هذه الكارثة، عاد شوكلي إلى المجال الأكاديمي، لكنه ترك مجال الفيزياء تدريجيًا للتعمق في الأسئلة المتعلقة بالعِرق والذكاء، والتي أدت في النهاية إلى أن يصبح المتحدث العام لعلم تحسين النسل. لكن، هذا أيضًا لم يكن سهلًا، فبعد دراسات علم الجينات والنسل، اتهم زوجته بأنها السبب الذي جعل أطفاله أقل ذكاءً. ولم يكتفِ بهذا وحسب؛ بل قام بالتبرع بحيواناته المنوية إلى بنك خاص للحيوانات المنوية للحائزين على جائزة نوبل، وبهذا فقد كان تحت طائلة تشخيص إصابته بحالة مرض نوبل.
الانتقال من العلم الحقيقي إلى العلم الزائف
- فاز عالم فيزياء آخر، وهو براين جوزيفسون، بالجائزة عن عمل فردي قام به في سن الثانية والعشرين، والذي شكل أطروحته للدكتوراه، مما دفعه لقضاء بقية حياته في دراسة التأمل التجاوزي وعلم التخاطر وعلم النفس الخارق والتحريك النفسي، وغير ذلك من تعاليم العصر الجديد، بدلاً من أن يطوّر اكتشافاته العلمية.
- ولم يكن جوزيفسون يتراجع أمام الانتقادات اللاذعة التي تعرض لها من أقرانه، فهو يواصل البحث عن علماء النفس الحقيقيين والظواهر الخارقة للطبيعة.
- وقد لقي العديد من الحائزين على جائزة نوبل عارًا مماثلاً في حياتهم المهنية في وقت لاحق، فقد أصبح جيمس واتسون، أحد مكتشفي بنية الحمض النووي، معروفًا بأنه عنصري.
- وأمضى لينوس بولينج سنواته الأخيرة في الدفاع عن أنواع مختلفة من الطب البديل، وقد دافع بشكل جيد عن فكرة الفيتامين C الزائفة كعلاج لكل شيء، من الشيخوخة إلى السرطان إلى نزلات البرد الشائعة، لدرجة أن العديد من الناس حتى يومنا هذا يتناولون كميات كبيرة من الفيتامين C عندما يبدؤون في الشعور بالمرض.
- وأصبح لوك مونتانييه، أحد المشاركين في اكتشاف فيروس نقص المناعة البشرية، مؤيدًا عامًا للعديد من النظريات الطبية الهامشية.
كلمة من موقع صحتك
من السهل السخرية من بعض الحائزين على جائزة نوبل وتجاهلهم، ولكن مَن منا يشعر بالأسف على شخص ذكي عنيد أو متغطرس ينطق بالهراء؟ ولكن يتعين علينا أن نضع في اعتبارنا أن الغرابة غالباً ما تصاحب التألق. وعندما تضاف ضغوط الشهرة إلى هذا المزيج، فإنه قد يدفع بعض هؤلاء الأشخاص الغريبين إلى حافة الهاوية. لذا، يتعين علينا أن نتعاطف معهم؛ فبالنسبة لبعضهم، فإن المرض هو أحد الآثار الجانبية للعظمة.
المصدر: