أظهرت دراسة جديدة أن نظام التحفيز الكهربائي فوق الجافية، الذي تم تطويره خصيصًا لإصابات الحبل الشوكي، مكّن ثلاثة رجال مصابين بالشلل التام من الوقوف والمشي والدوران والسباحة وتحريك جذعهم في غضون يوم واحد. ونُشرت هذه الدراسة في 7 فبراير/شباط في مجلة Nature Medicine .
وصرح الدكتور جريجوار كورتين، أستاذ علم الأعصاب والتكنولوجيا العصبية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا ومستشفى جامعة لوزان"، أنه بفضل هذه التقنية، تمكنا من استهداف الأفراد الذين يعانون من أخطر إصابات النخاع الشوكي، أي أولئك الذين يعانون من إصابات النخاع الشوكي الكاملة سريريًا، ولا يعانون من أي إحساس أو حركة في الساقين".
أكثر سرعة ودقة وفعالية
اصابات النخاع الشوكي تنطوي على وصلات عصبية مقطوعة بين الدماغ والأطراف، وللتعويض عن هذه الروابط المفقودة، قام الباحثون بتجربة فعالية بعض العلاجات، مثل الخلايا الجذعية والهياكل الخارجية بالطاقة، لكن هذه الأساليب ليست جاهزة بعد وتحتاج لدراسات كثيرة.
في غضون ذلك، اكتشف الباحثون أنه حتى المرضى الذين يعانون من إصابة "كاملة" قد تكون لديهم وصلات وظيفية منخفضة، وبدأوا في التحقيق في فعالية التحفيز فوق الجافية المصمم لعلاج الألم المزمن.
وكانت قد أظهرت الدراسات الحديثة - بما في ذلك ثلاث دراسات منشة في 2018 – نتائج واعدة لهذه المنبهات المتعلقة بالألم لدى المرضى الذين يعانون من إصابات النخاع الشوكي غير المكتملة.
وقال كورتين إن استخدام مثل هذه التكنولوجيا "المعاد توجيهها" يعني أن مصفوفة الأقطاب الكهربائية كانت ضيقة وقصيرة نسبيًا، ما جعلها مناسبة للألم المزمن فقط، لذلك لم نتمكن من استهداف جميع مناطق الحبل الشوكي التي تنطوي على التحكم في حركات الساق والجذع، ومع تطور التقنيات، أصبحت هذه الطريقة أكثر دقة وفعالية وسرعة في تقديم العلاج لمصابي الحبل الشوكي.
ولتطوير هذا النهج الجديد، صمم الباحثون آلة أو أداة تشبه شكل المجداف أو المضرب مزودة بعدد معين ومرتب من الأقطاب الكهربائية التي تستهدف الجذور الظهرية العجزية والقطنية والصدرية السفلى، والتي تشارك في حركات الساق والجذع. وأنشأوا أيضًا إطارًا حسابيًا شخصيًا يسمح بوضع جراحي مثالي لهذا الأداة. بالإضافة إلى ذلك، فقد طوروا برنامجًا يجعل تكوين برامج التحفيز المعتمدة على النشاط الفردي سريعًا وبسيطًا ويمكن التنبؤ به.
واختبروا هذه التقنيات العصبية على ثلاثة رجال يعانون من شلل حسي حركي كامل كجزء من تجربة إكلينيكية جارية. والمشاركون، الذين يبلغ أعمارهم 29 و32 و41 سنة، عانوا من اصابات النخاع الشوكي نتيجة حوادث دراجات نارية قبل سنة و3 و9 سنوات. و أظهر جميع المرضى الثلاثة شللًا حسيًا حركيًا كاملاً، ولم يتمكنوا من اتخاذ أي خطوة، ولم يحدث أي تحسن لهم على الرغم من عدة محاولات سابقة.
وقام جراح الأعصاب بزرع أقطاب كهربائية على طول الحبل الشوكي للأشخاص الخاضعين للدراسة. وتم توصيل الأسلاك من هذه الأقطاب الكهربائية بمحفز عصبي مزروع تحت الجلد في البطن. ويمكن للرجال اختيار برامج مختلفة على أساس النشاط من جهاز لوحي يرسل إشارات إلى الجهاز المزروع.
نتائج التجربة
في غضون يوم واحد من الجراحة، تمكن المشاركون من الوقوف والمشي وركوب الدراجة والسباحة والتحكم في حركات الجذع. وقالت جراحة الأعصاب جوسيلين بلوخ، الأستاذة المساعدة في جامعة لوزان ومستشفى لوزان الجامعي: "لم يكن الأمر مثاليًا في البداية، لكن بعد التدريب كانت الحركة أكثر مرونة".
هل التحفيز الكهربائي فوق الجافية مناسب لكل المشلولين؟
في هذه المرحلة، ليس كل المرضى المشلولين مؤهلين لهذا الإجراء. وأوضحت بلوخ "أن هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 6 سم من الحبل الشوكي السليم تحت الآفة لزرع الأقطاب الكهربائية، وهناك تنوع كبير في تشريح الحبل الشوكي بين الأفراد. لهذا السبب من المهم دراسة كل شخص على حدة والحصول على نماذج فردية من أجل أن تكون دقيقة".
وأضاف كورتين أن الباحثين يتصورون وجود "مكتبة من مصفوفات الأقطاب الكهربائية"، وأنه من خلال فحوصات التصوير قبل الجراحة للحبل الشوكي للفرد المصاب، يمكن لجراح الأعصاب اختيار مجموعة الأقطاب الكهربائية الأكثر ملاءمة لذلك المريض.
أيضا، لوحظ أن استعادة الإحساس يختلف من فرد إلى آخر. أخبر أحد المشاركين في الدراسة، ميشيل روكاتي البالغ من العمر الآن 30 عامًا، أنه يشعر بتقلص في عضلاته أثناء التحفيز.
في الوقت الحالي ، لم يتم تضمين سوى الأفراد الذين تزيد إصابتهم عن عام واحد في الدراسة للتأكد من أن المرضى لديهم "آفة مستقرة" ووصلوا إلى "مرحلة من التعافي" ، على حد قول بلوخ. وأضافت أن النماذج الحيوانية تظهر أن التدخل في وقت مبكر قد يعزز الفوائد.
هل توجد عوامل مؤثرة على الاستجابة للعلاج؟
قالت بلوخ إن عمر المريض يمكن أن يؤثر على النتيجة، حيث من المحتمل أن يكون المرضى الأصغر سنًا في حالة أفضل وأكثر تحفيزًا من المرضى الأكبر سنًا. ومع ذلك، أشارت إلى أن المرضى الذين اقتربوا من 50 عامًا قد استجابوا بشكل جيد للعلاج.
وقد تثبت أنظمة التحفيز هذه فائدتها في علاج الحالات المصاحبة عادةً لاصابات النخاع الشوكي، مثل ارتفاع ضغط الدم والتحكم في المثانة، وربما أيضًا لدى المرضى الذين يعانون من مرض باركنسون، كما قال كورتين. يخطط الباحثون لإجراء دراسة أخرى تشمل مولد نبضات من الجيل التالي بميزات تجعل التحفيز أكثر فعالية وسهولة في الاستخدام. وقال كورتين: "الخطوة التالية هي جهاز كمبيوتر صغير تزرعه في الجسم ويتواصل في الوقت الفعلي مع جهاز iPhone خارجي".
هذا وقد حصلت شركة ONWARD Medical، التي طورت التحفيز الكهربائي فوق الجافية لعلاج الشلل الناتج من إصابات الحبل الشوكي، على الموافقة على هذا الجهاز من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA). وتجري الشركة مناقشات مع إدارة الغذاء والدواء الأميريكة لإجراء تجربة سريرية للجهاز في الولايات المتحدة.
خطوة كبيرة إلى الأمام
قال الدكتور بيتر جراهن في قسم الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل وقسم جراحة الأعصاب في مؤسسة مايو كلينيك، وهو مؤلف إحدى الدراسات الثلاث التي نشرت في 2018، "إن هذه التكنولوجيا هي خطوة كبيرة إلى الأمام".
وقال غراهن إنه مقارنة بالجهاز المستخدم في دراسته، المصمم لعلاج آلام الأعصاب، فإن هذا النظام الجديد "أكثر قدرة بكثير على التحفيز الديناميكي"، وأضاف "يمكنك تخصيص التحفيز بناءً على منطقة الحبل الشوكي التي تريد استهدافها أثناء وظيفة معينة".