يعتقد الآباء في عالمنا العربي أنهم هم وحدهم من يعاني اضطراباً، وعدم وضوح الرؤية الخاصة بعملية التعلم الخاصة بأبنائهم في ظل استمرار إجراءات إغلاق المدارس وقرارات التباعد الاجتماعي، هذا الأمر ليس صحيحاً بشكل كبير حيث إن غالبية أولياء الأمور في أكثر الدول المتقدمة هم كذلك لم يكونوا على استعداد لهذه الخطوة بهذه الصورة المتسارعة والمفاجئة، فلا داعي إذاً للتوتر والقلق المبالغ فيه في هذه المرحلة الحرجة التي تتطلب الكثير من الاتزان النفسي بالإضافة إلى المزيد من الصبر والتفهم، فما إيجابيات التعليم الإلكتروني الذي ظهر مؤخراً؟
إيجابيات التعليم الإلكتروني
ومع إدراكنا أن هذه الفترة فترة الإنتقال من التعليم التقليدي إلى التعليم الإلكتروني، وهو نمط جديد على أولياء الأمور لم يختبروه بمثل هذا الشكل الكامل من قبل، إلا أن ما قد يخفف من الإرباك المتوقع في تلك الظروف هو معرفة إيجابيات التعليم الإلكتروني أو النتائج الجيدة التي يمكن أن يحدثها هذا الانتقال، وعلى رأسها:- تنمية مهارات الأبناء الخاصة بالتعامل مع التقنيات الحديثة والتواصل الفعال عبر الإنترنت.
- التدرب على مهام جديدة مثل البحث عن المعلومات باستخدام شبكة الإنترنت، وكتابة الأبحاث، والتعلم التشاركي الذي يساعد على مساهمة كل طالب بما لديه من معلومات ومعارف أثناء عملية التعلم، مما يزيد من ثقته بنفسه وبمهاراته.
- وهذا بالإضافة إلى أن هذا التحول يساعد في تنمية مهارات مهمة مثل التعلم المستقل، والتعلم مدى الحياة، وهي كلها مهارات تساعد على تنمية التفكير النقدي وتنمية الإبداع.
وتعتبر كل هذه المهارات ضمن ما يسمى بمهارات القرن الواحد والعشرين، بمعنى أنها حزمة من المهارات والكفاءات المطلوبة لتمكين الأبناء من دخول سوق العمل المستقبلي، والذي أعلنت أكبر مراكز التعليم والتطوير المهني العالمية أنه سوف يعتمد بالأساس على مهارات التعامل مع التقنيات الحديثة، والقدرة على الإبداع، والتفكير النقدي والتواصل الجيد مع أطراف عدة من مختلف المشارب والخلفيات، كل هذا يمكن اكتسابه بسبب إيجابيات التعليم الإلكتروني.
ما المعوقات التي تحد من إيجابيات التعليم الإلكتروني
هناك أمور قد قد تعيق الحصول على إيجابيات التعليم الإلكتروني والمخرجات الجيدة المأمولة من عملية الانتقال من النمط التقليدي إلى التعليم الإلكتروني، ومن بين هذه المعوقات، بل ويمكن أن تعتبر أكبرها وأخطرها، هي سلوكيات الآباء، وإدراكاتهم الخاطئة، ومفاهيمهم المشوشة حول عملية التعلم تلك.وتهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أحد أهم الأخطاء الشائعة، التي من شأنها أن تعمل على إفشال جني تلك الثمار الإيجابية لعملية الانتقال إلى التعليم الإلكتروني،على أن يتم تناول أخطاء أخرى إضافية في المقالات التالية.
الرغبة في السيطرة تعيق الولصول إلى إيجابيات التعليم الإلكتروني
لا يشك أحد في رغبة الآباء الصادقة والمخلصة في مساعدة الأبناء أثناء تعلمهم، وفي تمكينهم من المهارات والمعارف الضرورية التي سوف تؤمن لهم حياة مستقرة ومفتوحة الفرص في المستقبل، ولكن تكمن المشكلة في مبالغة كثير من الآباء، من دون قصد منهم، في متابعة عملية المذاكرة بصورة حثيثة.. ما يتسبب في فشل الكثير من فرص التعلم الحقيقية من خلال "نسف وإهدار" فرص سانحة للتعلم المستقل، والتعلم مدى الحياة.وقد ساعد على ذلك قيام المدارس والمعلمين بمخاطبة الآباء عن طريق البريد الإلكتروني، لإبلاغهم بالواجبات المطلوبة أو الدروس التي من المفترض أن تكون محور هذا الأسبوع، وفي أغلب الأحيان، يقوم المعلمون بهذا الأمر إما لصغر سن الطلاب، وعدم إمتلاكهم لبريد إلكتروني، أو كوسيلة للتواصل وطمأنة الآباء بأن العملية التعليمية ما زالت قائمة، وأنهم يقومون بعملهم في توفير المادة التعليمية للأبناء.
وللأسف الشديد، يفهم بعض الأباء هذا الأمر على أنه تحويل دفة "التدريس" من المعلم إلى ولي الأمر، وقد ساعد على هذا التصور الخاطئ إدراكات مشوشة مسبقة تتعلق بعملية التعليم نفسها، ففي عالمنا العربي ما زلنا أسرى فكرة قديمة مفادها أن التعليم مسؤولية المدرسة والمعلم، إلا أن الحقيقة مخالفة لذلك تماماً، لا المعلم ولا ولي الأمر هو المسؤول عن "التعلم"، وذلك لأن لكل منهما دوره المختلف، المعلم ميسر ومساعد ومرشد أثناء علمية التعلم من خلال الشرح أو التعريف لبعض المفاهيم الجديدة، أو تيسير عملية تعلم المهارات مثل المهارات الحسابية، أما ولي الأمر أو الآباء فدورهم يتمركز حول تهيئة كافة الظروف والإمكانات التي تساعد على استيعاب ما يقدم من معلومات ومعارف للأبناء، وبذل الجهد معهم لترسيخ قيمة العلم والتعلم، أما المسؤول الحقيقي والأوحد فهو "الطالب نفسه"، فهو المسؤول عن عملية التلقي والاستفادة مما يقدم له، وكما قال أجدادنا قديماً "يمكنك أن تسوق الحصان للنهر، ولكن ليس بالإمكان إرغامه على الشرب".
تصرفات خاطئة
وفي ظل تصورات بأن عملية "التدريس" انتقلت من المدرسة إلى البيت، وفي ظل عدم القدرة على رسم الخطوط الفاصلة بين السيطرة والدعم أو المساعدة، سادت في العديد من الأسر أجواء من الرغبة في السيطرة على "مفاصل" عملية المذاكرة والتعلم.. تبدأ بالأسئلة الحثيثة والمتكررة أكثر من مرة في اليوم عن الواجبات، وهل قام بها الطالب، وكيف قام بها وهل أرسلها أم لا.. إلخ.ويزيد الطين بلة، عندما يقوم الأباء بدافع "السيطرة" بالجلوس بجوار الأبناء أثناء عملية المذاكرة ومتابعتها خطوة بخطوة، وتكون الطامة الكبرى حين يعطي الأباء لأنفسهم الحق في التدخل والمساعدة في حل بعض التمرينات والأسئلة، إنطلاقاُ من أنهم بهذا الشكل إنما ييسرون ويساعدون الأبناء في التغلب على ما يواجهونه من مشاكل وصعوبات.
ولكن في الحقيقة، فإن تلك التصرفات من شأنها الإضرار بالابن أو الابنة بصورة قد لا يتصورها الآباء، فمن ناحية يقوم الأبناء بتفسير ما يقوم به الأباء على أنه عدم ثقة وتشكيك في قدراتهم على متابعة الواجبات بأنفسهم، ومن ناحية أخرى يسهم الآباء من دون قصد بسلب الأبناء فرصة التعلم المستقل، وكيفية حل المشكلات، وتنمية مهارات التعلم (مثل عدم فهم الدرس من المرة الاولى – صعوبة تحويل المطلوب لخطوات محددة – إدارة الوقت أثناء المذاكرة – التركيز وعدم التشتت.. إلخ)، وهي أمور في غاية الأهمية لبناء الشخصية السوية القادرة على الإمساك بزمام أمورها بنفسها، الشخصية المستقلة القادرة على حل المشكلات الخاصة بالتعلم بنفسها في المقام الأول.
الدور المطلوب
قد يتساءل الآباء الآن، لو لم تكن كل هذه الأمور من صميم مسؤولياتهم، والمهام المفترض أن عليهم القيام بها، فما هي الأمور التي يمكنهم القيام بها من أجل دعم الأبناء أثناء عملية التعليم الإلكتروني، في ظل استمرار إغلاق المدارس والهيئات التعليمية، وبالطبع الإجابة على هذا الأمر تختلف بحسب السن وبحسب إمكانيات الأبناء وشخصياتهم وقدراتهم، وبالتالي سوف تكون الإجابة بحسب المرحلة السنية- من رياض أطفال وحتى الثاني الابتدائي
1. على الآباء التأكد أن الأبناء قد استلموا المادة التعليمية بشكل كامل وواضح.2. التأكد أن الأبناء فهموا المطلوب منهم.
3. توفير كافة الإمكانيات المطلوبة للقيام بالواجبات (مثلا جهاز كمبيوتر – طابعة - ..).
4. توفير الجو المناسب والهادئ.
5. تحديد وقت للإنتهاء من الواجبات والمهام الدراسية.
6. المتابعة مع الأبناء فقط للتأكد من أن الطالب يسير في المسار الصحيح ويقوم بما هو مطلوب منه (من دون تدخل).
من الصف الثالث الابتدائي وحتى نهاية المرحلة الابتدائية
إضافة لكل ما سبق، يمكن اتخاذ الإجراءات التالية:1. التأكد من أن كافة الإمكانيات متوفرة، وخصوصاً شبكة الإنترنت.
2. مناقشة الوقت الذي سوف تستغرقه الواجبات والمهام الدراسية، وإتاحة جو هادئ أثناء القيام بما هو مطلوب.
3. سؤاله إذا كان يحتاج لمساعدة أثناء القيام بما هو مطلوب أم لا.
المرحلة الإعدادية (المتوسطة)
هذه المرحلة هي مرحلة شائكة جداً لارتباطها بالدخول في فترة عمرية جديدة (المراهقة)، ينصح بالآتي:1. دعم الأبناء من خلال إبراز الثقة في إمكانياتهم وقدراتهم، وخاصة في التعامل مع التقنيات الحديثة.
2. السؤال عن ماهية الموضوع الذي يتم تدارسه لفتح باب النقاش، وتوجيه الانتباه لمصادر معلوماتية أخرى تعمل على توسيع آفاق المعرفة في جو من التفهم والرغبة الصادقة في اكتشاف الميول العلمية، وتنمية القدرات على الإبداع.
3. المساهمة في توفير المواد التعليمية الإضافية التي من شأنها أن تساعدهم على التميز والتفوق (روابط لمواقع علمية – كتب – توجيه الابن أو الابنة لفاعليات علمية في مجال اهتمامهم تتم على شبكة الإنترنت – إرشاد الأبناء إلى المواقع على شبكة الإنترانت ذات الإهتمام بمجال أو تخصص معين..).