حظيت جائحة فيروس كورونا الجديد (مرض كوفيد-19) بتغطية إعلامية واسعة جعلت هذا المرض شاغل الناس، حتى حسب معظمهم إن هذا المرض هو القاتل الأول في تاريخ البشرية.
ولكن الأرقام الحقيقية تظهر أن هذه الجائحة لم تكن أكبر جائحة فيروسية في التاريخ، فقد أدت حتى الآن إلى وفاة نحو 6.5 ملايين شخص في العالم، بينما يقدر عدد الوفيات بسبب الإنفلونزا الإسبانية مثلاً في الفترة 1918-1920 بنحو 35 إلى 50 مليون شخص.
كما أظهرت الدراسات الإحصائية أن الإصابة بمرض كوفيد-19 لم تكن السبب الرئيسي للوفاة في العالم أثناء هذه الجائحة. وقد نشرت دراسة في 5 يوليو 2022 عن عدد الوفيات في الولايات المتحدة الأميركية، ربما تفيد مراجعتها في وضع جائحة كورونا في مقامها الحقيقي. وقد اخترنا الولايات المتحدة كمثال جيد بسبب وجود إحصائيات موثقة ومنشورة في مختلف حالات الوفاة.
كيف أجريت الدراسة الإحصائية عن الوفيات في أميركا؟
جمعت بيانات أسباب الوفيات في الولايات المتحدة على مستوى الدولة في 2020-2021 التي نشرها مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC). تم تسجيل الأسباب الخمسة الأولى التي كانت وراء الوفاة في هذه البيانات وتصنيفها حسب السنة، وفئة العمر، وأجريت مقارنة للبيانات الكاملة في الفترة من مارس إلى ديسمبر 2020، مع البيانات في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2021.
ما هي نتائج هذه الدراسة الأميركية؟
بلغ عدد الوفيات الكلية 2،875 مليون وفاة في الولايات المتحدة في فترة بيانات 2020، وبلغ 2،855 مليون وفاة في فترة بيانات 2021. ولم تلاحظ اختلافات مهمة في ترتيب أولوية أسباب الوفاة بين هاتين الفترتين.
كان ترتيب أسباب الوفاة في الفترة الكلية من مارس 2020 إلى أكتوبر 2021 هو:
- أمراض القلب (20.1%).
- أمراض السرطان (17.5%).
- كوفيد-19 (12.2%).
- الحوادث (6.2%).
- السكتة الدماغية (4.7%).
ملاحظات من الدراسة:
- لم تلاحَظ فروق مهمة في ترتيب أسباب الوفاة بين فترتي الدراسة.
- كانت أمراض القلب والسرطان وكوفيد-19 أهم أسباب الوفاة عند البالغين وكبار السن.
- كانت الحوادث (حوادث المنازل والطرق، المخدرات، التسمم الكحولي، الاعتداء، الانتحار...)، أهم أسباب الوفاة عند الأطفال والشباب الذين أعمارهم أقل من 44 سنة.
- خلال الفترة من مارس 2020 حتى أكتوبر 2021، كان مرض كوفيد-19 سبب الوفاة في واحدة من كل ثماني وفيات في الولايات المتحدة. وكان من أهم أول خمسة أسباب للوفاة عند من بلغت أعمارهم أكثر من 15 سنة، وخاصة في الفئة العمرية الأكبر من 85 سنة.
- لوحظ أن معدل الوفاة بسبب كوفيد-19 قد انخفض في سنة 2021 عند الذين كانت أعمارهم أكبر من 85 سنة، بينما ارتفع عند الذين كانت أعمارهم بين 15-54 سنة، وأصبح السبب الرئيسي للوفاة عند الذين كانت أعمارهم بين 45-54 سنة. وربما يرجع انخفاض الوفيات بسبب كوفيد-19 عند الشيوخ في هذه الفترة بسبب تلقيهم لقاح كورونا قبل غيرهم.
- يبدو أن جائحة كورونا كان لها تأثير غير مباشر أيضاً على أسباب الوفاة الأخرى في الولايات المتحدة في الفترة 2019-2020، إذ سجلت وفيات أكثر بسبب أمراض القلب، والسكتة الدماغية، وداء ألزهايمر، والسكري. ربما ترجع هذه الزيادة في الوفيات في هذه الفترة إلى خشية المرضى من القدوم إلى مراكز الخدمات الطبية، أو الخطأ في تصنيف أسباب الوفاة أثناء الجائحة، أو لأسباب أخرى.
لا شك بأن احتمال وجود أخطاء في تصنيف أسباب الوفاة ووجود نقص في البيانات ربما يؤدي إلى حدوث أخطاء في استقراء نتائج هذه الدراسة الإحصائية، كما أن فترة الدراسة لم تشمل ما حدث بعد ظهور متحولات أوميكرون الجديدة في فيروس كورنا.
تضع هذه الدراسة خطورة جائحة كوفيد-19 من الناحية الطبية في موضعها الصحيح، وتنبه الناس إلى ضرورة عدم إهمال الوقاية والعلاج في أمراض أخرى أكثر خطورة على صحة المجتمع من مرض كوفيد-19، مثل أمراض القلب والسرطان عند الكبار، والحوادث عند الشباب.
المصدر: