منذ ظهرت جائحة كوفيد-19 أو كورونا الجديد والعالم كله في سباق محموم من أجل الوصول إلى حل لهذه الأزمة التي أضرت بجميع دول العالم بلا استثناء.
* مسارات الأبحاث العلمية للتغلب على جائحة كوفيد-19
سارت الأبحاث العلمية في اتجاهين متوازيين:- الأول هو البحث عن لقاحات آمنة وفعالة للوقاية من المرض أو مضاعفاته.
- الثاني البحث عن أدوية موجودة أو مستحدثة لعلاج المرض ومضاعفاته، وتقليل الوفيات الناتجة عنه.
* فعالية الأدوية ضد كوفيد-19
لكن، وفي المقابل، لم تثبت العديد من الأدوية فاعليتها أو تأثيرها في علاج المرض، وذلك على الرغم من تسجيل آلاف التجارب السريرية لهذا الغرض.كما ذكرنا في مقال سابق، تعد التجربة المعروفة باسم التقييم العشوائي لعلاج مرض كوفيد-19 (التي تعرف اختصارا باسم ريكوفري RECOVERY) أكبر التجارب العالمية التي يتم فيها اختبار وتقييم الأدوية المستخدمة لعلاج هذا المرض، ونجحت هذه التجربة السريرية في إثبات فائدة نوعين من الأدوية في علاج مرض كوفيد-19.
- الدواء الأول كان ديكساميثازون، وهو الدواء الرخيص الذي يعد أحد مشتقات أو منتجات الكورتيزون، حيث أثبتت الدراسة فائدة هذا الدواء في تقليل الوفيات الناتجة عن المرض بمقدار الثلث (يعتقد أن هذا الدواء قد أنقذ حياة قرابة مليون شخص مصاب بالمرض حول العالم منذ ذلك الحين).
- الدواء الثاني هو توسيليزوماب أو أكتيمرا، والذي تم إثبات فائدته كذلك في تقليل الوفيات.
* تجربة الكولشيسين كعلاج لكوفيد-19
مع بداية عام 2021 امتدت التجربة من المملكة المتحدة إلى إندونيسيا ونيبال، حيث تم التركيز على استخدام الأسبرين والكولشيسين لعلاج المرض. النتائج الخاصة بالكولشيسين تم نشرها حديثا في مجلة زا لانسيت المرموقة.يعد حدوث الالتهابات واحدا من أهم الخواص المميزة لمرض كوفيد-19، حيث يرتفع مستوى العديد من المواد الكيميائية المرتبطة بحدوث الالتهابات في الدم (خاصة ما يعرف ببروتين سي المتفاعل وانترلوكين-6). هذا الالتهاب يصيب الرئة والأوعية الدموية بشكل خاص، ليتسبب في حدوث تلف في الرئة وتجلط الأوعية الدموية الصغيرة والكبيرة بها. ليس هذا فحسب، فالارتفاع الكبير في مستوى هذه المواد يرتبط أيضا بتطور المرض بشكل سيئ وحدوث الوفيات. حدوث هذه الالتهابات دفع الباحثين إلى تجربة مضادات الالتهابات المختلفة لعلاج المرض، حيث أثبت بعضها فاعليتها كما ذكرنا في تقليل الوفيات من المرض.
-
خصائص الكولشيسين كمضاد للالتهاب
بالإضافة إلي ذلك، يستخدم هذا الدواء في علاج التهاب التامور (الغشاء المحيط بالقلب)، وحمى البحر الأبيض المتوسط العائلية (FMF) (وهو مرض يتميز بحدوث نوبات متكررة من الحمى والتهاب حاد في الأغشية المبطنة للبطن والمفاصل والرئتين)، ونتيجة احتوائه على بعض الخواص المضادة للالتهابات فكر الباحثون في تجربة الكولشيسين في علاج مرض كوفيد-19.
-
الكولشيسين في تجارب سابقة
-
الكولشيسين في تجربة ريكفري الجديدة
تم تقسيم المرضى إلى مجموعتين متساويتين تقريبا:
- الأولى حصلت على الكولشيسين مع العلاج المعتاد.
- الثانية على العلاج المعتاد فقط.
-
نتائج الدراسة الجديدة
- أظهرت النتائج أن نسبة الوفيات خلال فترة المتابعة كانت متقاربة بشكل كبير في المجموعتين (21 بالمائة تقريبا).
- ومتوسط الوقت الذي قضاه المرضى في المستشفيات كان متقاربا كذلك.
- ولم يكن هناك فارق ذو قيمة بين نسبة المرضى الذين خرجوا من المستشفى أحياء خلال مدة المتابعة (70 بالمائة في المجموعتين).
- وفيما يتعلق بالاحتياج لجهاز التنفس الصناعي، لم يكن هناك فارق إحصائي يذكر كذلك بين المجموعتين.
بعبارة أخرى، وعلي الرغم من امتلاك الكولشيسين لبعض التأثيرات المضادة للالتهابات، فهذه التأثيرات ليست كافية أو ذات قيمة في تقليل احتمالات الوفاة في الحالات المتوسطة والشديدة من مرض كوفيد-19، حتى في المرضى الذين لم يحصلوا على الكورتيزون كجزء من خطة العلاج.
باختصار: هذه الدراسة لا تدعم استخدام هذا الدواء في المرضى الذين يتم حجزهم في المستشفيات من أجل علاج مرض كوفيد-19.
تجدر الإشارة إلي أن بروتوكول العلاج كان يتضمن استخدام الكولشيسين لمدة 10 أيام بحد أقصى، لذا يشير الباحثون إلى أن زيادة مدة العلاج قد تؤدي إلي تحقيق فائدة لم تثبت في هذه الدراسة، خاصة أن أغلب المرضى المشاركين قد توقفوا عن استخدام الدواء قبل مدة الأيام العشرة نظرا لحدوث متغير جديد في حالتهم (الخروج من المستشفى أو حدوث الوفاة).
الباحثون أشاروا أيضا إلى بعض أوجه القصور التي شابت الدراسة، خاصة فيما يتعلق بنقص المعلومات الخاصة بتحاليل دلالات الالتهابات والأشعات الخاصة بالمرضى، وهو ما لم يمكنهم من مقارنة تأثير الدواء بين مجموعات المرضى المختلفة.