* كيف يتم تطوير اللقاحات؟
اللقاح هو بمثابة مادّة يتم استخدامها لتحفيز مناعة الجسم البشري لإنتاج أجسام مضادة من أجل التصدّي للميكروب المرضي المسبب للمرض. يمكن حقن اللقاح في العضل أو تحت الجلد أو يمكن تناوله عن طريق الفم. عند دخول اللقاح جسم الإنسان، يقوم المُكّون المضاد في اللقاح بتحفيز جهاز المناعة للتعرف على الفيروسات أو البكتيريا على أنها جسم غريب، فيبدأ بإنتاج الأجسام المضادة والخلايا المناعية وتذكّرها في المستقبل.
يمكن للمواد التي يتكوّن منها اللقاح أن تكون طبيعية أو محضّرة بشكل صناعي. فمثلًا في حالة لقاح التهاب الكبد الوبائي من (فئة ب)، تم أخذ بروتينات مغلفة من الفيروس وتركيب اللقاح بشكل صناعي. وقد تكون مكوّنات اللقاح طبيعية، حيث يتم أخذ البكتيريا أو الفيروس نفسه بدرجة ضعيفة لا تسبب المرض، ولكنها تحمل القدرة على تحفيز الجهاز المناعي لإفراز الأجسام المضادة المطلوبة للتصدّي لهذا الفيروس.
* ما الخطوات التي تمرّ بها اللقاحات؟
يتم اكتشاف اللقاح وتطويره عبر مراحل زمنية مختلفة وطويلة تستغرق بين 5 و15 عامًا.
من أسرع اللقاحات التي تم اكتشافها وتطويرها هو اللقاح المخصص لمرض النكاف، وهو مرض فيروسي معدٍ يهاجم الغدد اللعابية، واستغرق فقط 5 أعوام؛ يمكن القول إن الباحثين في هذه الحالة كانوا محظوظين بتطوير اللقاح خلال هذه المدة الزمنية القصيرة، لأن هذا الفيروس من نوعية واحدة وغير قابل للتحول بسرعة. وإذا أخذنا مثلا فيروس كوفيد-19، فهناك أنباء أن اللقاح سيستغرق اكتشافه وتطويره نحو عام إلى عامين، وهذا تحدٍ كبير جدًا.
- المرحلة الأولى
- المرحلة الثانية
هي المرحلة ما قبل السريرية، وتكون أيضًا في المعمل، وتتضمن زراعة الخلايا أو أنسجة معينة، وتجارب على حيوانات نموذجية كالفئران والشمبانزي، ولا بدّ أن تجرب على الحيوانات في المعمل لعدة أسباب:
- التأكد أولًا من سلامة اللقاح الذي لا يؤذي الحيوان والإنسان.
- ثانيًا التأكد من قدرة اللقاح على تحفيز الاستجابة المناعية.
- ثالثًا دراسة الجرعات المطلوبة من أجل الحصول على الوقاية الفعالة المطلوبة.
وفي حال ظهور نتائج مبشرة، يقدّم الباحثون طلب البدء في التجارب السريرية.
- المرحلة الثالثة: التجارب السريرية
في كلّ مركز أو معهد بحثي هناك جهة مسؤولة عن استلام نتائج الباحثين في المعامل المتعلقة باكتشاف اللقاح ونتائج البحوث؛ ثم هناك مجلس مستقل يشرف على التجارب السريرية. فمثلًا في الولايات المتحدة الأميركية هناك هيئة الغذاء والدواء، في أوروبا هناك وكالة الأدوية الأوروبية، في كل دولة هناك هيئة معينة تصدر الموافقة على التجارب السريرية على الإنسان.
وتشمل التجارب السريرية ثلاث مراحل:
- في المرحلة الأولى من التجارب السريرية يتم التأكد من سلامة اللقاح بإعطاء الجرعة المناسبة لعدد محدود من الأفراد الأصحاء (20 إلى 100 فرد)، على أن تكون كفاءتهم المناعية عالية.
- المرحلة الثانية تُعرف بتوسيع الأمان من حيث عدد الذين يأخذون اللقاح بين (200 - 1000 فرد)، وممكن تقسيمهم إلى مجموعات من حيث التركيبة السكانية، أو الفئات العمرية.
ولا بد من الإشارة إلى أنه في هذه المراحل، كل من يأخذ اللقاح لا بدّ أن يكون متطوعًا وموافقًا ومُلّمًا بأهداف اللقاح المعطى له والعوارض المتوقعة وغيرها من التفاصيل.
- أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة اختبار فعالية اللقاح، والتي يتم تعريفها على أنها النسبة المئوية التي يتم من خلالها تقليل معدل حدوث المرض في المجموعات المحصنة التي تم إعطاؤها اللقاح، مقارنة بالمجموعات التي تم إعطاؤها الدواء الوهمي، وغالبًا ما تكون النسبة المرغوب بها 70% وما فوق.
* طرح اللقاح في الأسواق
خلال الفترة التي نمرّ بها حاليًا على مستوى اللقاح المنتظر لـ(كوفيد-19)، هناك 8-9 لقاحات تم الإعلان عن تطويرها ودخلت بالفعل المرحلة الثالثة، كما هو الحال في اللقاح الذي أعلنت عنه روسيا، وأميركا، والصين؛ إذ يمكن للسلطات التنظيمية المعنية إعطاء الإذن للباحثين باختزال المراحل الزمنية بسبب حالات الطوارئ خلال الجائحة عبر الجمع بين المرحلتين الأولى والثانية من التجارب السريرية للتسريع في عملية تطوير اللقاح.
إلا أن هناك مرحلتين إضافيتين مهمتين جدًا عادة ما تكونان بعد المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، وهما:
- مرحلة نشر البحوث في المجلات العلمية ومراجعتها والتحقق من بيانات اللقاح ومراقبة سلامته.
- مرحلة مراقبة تصنيع اللقاح وتسويقه، للتأكد من فعاليته بين ملايين البشر في العالم، قبل استخدامه في المجموعات السكانية المستهدفة، لأن التكوينات الجينية تختلف بين السكان في البلدان، ولذلك لا بدّ من التأكد من أن نسبة الفعالية ما زالت كما هي ولم تتراجع.
ويعتبر سوق اللقاحات محدّدا وصغيرا على خلاف سوق الأدوية، وهو سوق يعتمد على العرض والطلب. ولكن في زمن الجائحة نحتاج إلى إنتاج أعداد ضخمة جدًا لتطعيم البشرية، فهل يمكن مثلًا إنتاج عدد كافٍ من اللقاحات لسكان العالم والبالغ عددهم نحو 7 مليارات. نحتاج إلى 14 مليار جرعة، إذا ما تحدثنا عن جرعتين لكلّ شخص على سبيل المثال. لذا فإن سوق اللقاحات يعتبر تحدياً كبيراً ومعقداً.
* مخاطر الاستئثار باللقاح
هناك أهمية شديدة للعمل على "النشر العادل والسريع" للقاحات وتوفير معدّات الرعاية الصحية ولوازمها من أجل التحكم في جائحة كوفيد-19، وقد كان هذا الهدف على رأس أولويات قمة "التحالف العالمي للقاحات والتحصين لحماية الأطفال في الدول الفقيرة"، التي عقدت في يونيو 2020، بمشاركة أكثر من 50 بلدًا و35 رئيس دولة وحكومة، إلا أن المقلق في الأمر أن العديد من الدول لم تشارك في هذا المؤتمر، بالإضافة إلى سبب آخر يدعو للقلق يكمن في حقيقة أن شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية الرائدة في مجال إنتاج الأدوية واللقاحات تخطط لإعطاء الأولوية لبعض البلدان عندما يتعلق الأمر بتوزيع لقاح كوفيد-19.
الفيروس هو نفسه سواء في الصين، الهند، البرازيل، روسيا، أميركا، بريطانيا، ألمانيا، الشرق الأوسط، وإفريقيا، وفي جميع أنحاء العالم. لقد رأينا طفرات في الفيروس، وقد نشهد المزيد من الطفرات له، ولكن حتى الآن لا يمكننا القول ما إذا كان هذا سيؤثر على لقاح كوفيد-19 في المستقبل أم لا.
واللقاح هو نفسه في نهاية المطاف، وما يختلف بين دولة منتجة وأخرى هو طرق الإنتاج والتقنية المعتمدة، لكن الهدف واحد وهو أن الأجسام المضادة والخلايا المناعية التي ينتجها جهاز المناعة لدى الإنسان ستكون نفسها لمحاربة الفيروس.
لكن بعض الدعوات التي تثار حول "قومية اللقاحات"، والتي تسعى لجعل الأولوية في توزيع اللقاحات في الدول الغنية، ربما يكون لها جوانب ضارة، وعلى الخبراء في علم الأوبئة والفيروسات، وخبراء اقتصاديات الصحة، والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وغيرهم من الباحثين المختصين، أخذ زمام المبادرة وعدم ترك القرار للسياسيين، ووضع استراتيجيات قائمة على العلم وتوزيع اللقاح بطريقة آمنة وفعالة عبر آليات التمويل المبتكرة، وأن يتم توحيد جهود المنظمات الحكومية وغير الحكومية والعمل معًا. فنحن لسنا أعداء بعضنا البعض، فعدّونا واحد وهو الفيروس.
* الخبير في علم المناعة بمؤسسة قطر.