صحــــتك

التَّنوع الغَزير والتَّميز الفَريد بين البشر

5 نصائح لتربية أطفال بمراحل عمرية مختلفة
ما هو سبب اختلاف الأشكال والألوان بين البشر؟

يقَدِّر العلماء أن حوالي 99.9 بالمئة من المادة الوراثية التي يَحملها البشر في أجسامهم متماثلة تماماً، ولا يبدو أننا نختلف عن بعضنا بأكثر من 0.1 بالمئة منها! يبدو هذا الاختلاف طفيفاً، إلا أنه يكفي لكي يصنع التنوع الهائل الذي نشاهده واضحاً في أشكالنا الظاهرة، مثل التَباين الواسع الذي نراه في شكل الوجه، وبنية الجسم، ولون الجلد والشعر والعينين.

نستطيع تمييز هذه الفروق الظاهرة بسهولة تامة في حياتنا اليومية، ولكن الاختلاف الداخلي بين خلايا أجسامنا والتَميّز الفريد الذي يحمله كل منا في خلايا جسمه هو أكثر تنوعاً وصرامة. يَعرف الأطباء بالقياس والتجربة استحالة الحصول على تماثلٍ تام بين المتبرِّع والمريض في عمليات زرع الأعضاء، إلا بين التوائم الحقيقية، مما يضطرهم لاستخدام الأدوية المخفِّضَة للمَناعة لكي يتمكنوا من السيطرة على رفض جسم المريض الأعضاءَ المزروعة الجديدة.

ما هو سبب التنوع الواسع في أشكالنا؟

ترجع هذه الفروق الواسعة في أشكالنا وخلايانا إلى اختلاف المادة الوراثية التي نَحملها، والأوامر الوراثية الموجودة فيها. كما يَتأثر التعبير الفعلي عن الأوامر الوراثية التي نَحملها بظروف الحياة التي يَعيشها كلاً منا، خاصة في فترة الطفولة. وقد تساءلَ العلماء كثيراً عن سبب وجود هذا التنوع الهائل في صِفاتنا الوراثية، خاصة تنوع مُوَرِّثات التَوافق HLA التي تُصنَع حسب أوامرها الزُمَر المَنَاعية في خلايانا. كيف يحدث ذلك؟ ولماذا؟ ما هي أهمية تنوّع الزُمَر المَنَاعية في أجسامنا؟ وما هي أهميتها في حمايتنا من الأمراض؟ أو ربما زيادة احتمال تعرُّضنا لبعض الأمراض أحياناً؟

وراثة بعض الأمراض

عرف الأطباء منذ زمن طويل تركُّز وجود بعض الأمراض في بعض العائلات، وأدركوا أهمية الوراثة في حدوث هذه الأمراض الوراثية. مِن أولى المُوَرِّثات (الجينات) التي اكتشفها العلماء كانت المُوَرِّثة التي يُسَبب وجودها داء هنتينغتون Huntington Disease.

كان ذلك في سنة 1993 حين وَجدوا أنّ هذه المُوَرِّثة الشاذَّة توجد في الصِبغِي رقم 4. وربما كان اكتشافها أسهل من غيرها لأنها مُوَرِّثة ذات صفات قوية قاهرة بحيث يؤدي انتقالها من أحد الأبوين إلى حدوث المرض، بينما لا تَحدث أمراض وراثية أخرى، مثل مرض التَلَيّف الكِيسِي Cystic fibrosis، إلا إذا حَمَلَ المريض مُوَرِّثة المرض من كلا الوالدين.

وقد وَجد العلماء سنة 1989 أن مُوَرِّثة هذا المرض توجَد في الصِبغِي رقم 7. أما اكتشاف المرض الوراثي فقر الدم المِنْجَلِّي Sickle Cell Anemia فقد أدى إلى اكتشاف آخر مهم، فقد لاحَظ العلماء أنّ التوزع الجغرافي لأماكن وجود المرضى المصابين بهذا المرض يكاد ينطبق تماماً على التوزع الجغرافي لمرض الملاريا! فقد لوحِظتْ كثرة وجود هذا المرض في أفريقيا، ففي نيجيريا مثلاً يَحمل ربع السكان تقريباً مُوَرِّثة واحدة على الأقل ترتبط بحدوث هذا المرض. فلماذا توجد مُوَرِّثة هذا المرض القاتل بهذه النسبة العالية في تلك الأماكن؟ اكتشَف العلماء أن المصابين بهذا النوع من فقر الدم تكون أجسامهم مقاوِمة لمرض الملاريا، خاصة ضد الأنواع القاتلة منه، وهذا يفسِّر بقاء واستمرار تواجد مُوَرِّثة مرض فَقر الدّم المِنْجَلِّي في مناطق انتشار الملاريا. ودلَّتْ دراسة هذه الأمراض أن بعض المُوَرِّثات تجعَل جسمَنا معرَّضَاً لحدوث بعض الأمراض، وربما تحميه من بعض الأمراض الأخرى في الوقت نفسه.

أمراض ومورثات

كان اكتشاف علاقة بعض المُوَرِّثات المحدَّدَة بحدوث بعض الأمراض الوراثية واضحاً بسبب العلاقة السببية بين وجود هذه المُوَرِّثات القاهرة، أو المُسَيطِرة، مع الأمراض التي تَنشأ عنها، مثل مُوَرِّثة داء هنتينغتون. إلا أنّ أغلب المُوَرِّثات الأخرى ليست قاهرة أو مُسَيطِرة، فهي لا تعمل مثلما يعمل الزعيم الديكتاتور المُسَيطِر الأوحد في الدولة مثلاً، بل تعمل معظم المُوَرِّثات في جسم الإنسان بطريقة أكثر "ديموقراطية"، فتشترك عدة مُوَرِّثات، بالإضافة إلى بعض الظروف الاجتماعية والصحية العامة في تشكيل جسم الإنسان واستعداداته الجسمية والنفسية المختلفة.

تشترك هذه العناصر معاً، وكأنها في "لجنة" يتألف أعضاؤها من عدة مُوَرِّثات وعدة عوامل بيئية، وتعمل مع بعضها بدرجات نفوذ متفاوتة لكي يَنتج عن نشاطها المشترك حالة صحية جسمية ونفسية معينة. تَصَوَّر بعض العلماء احتمال وجود علاقة ما بين وجود زُمرَة مَنَاعية معينة في أجسامنا وإمكانية تَعرضنا لحدوث بعض الأمراض، إلا أنّ إثبات ذلك صعب جداً في دراسة العلاقة بين الزُمَر المَنَاعية وإمكانية حدوث بعض الأمراض، وذلك بسبب التنوع الكبير فيها، وعدم وضوح العلاقة السَّببية بين زُمرَة مَنَاعية معينة، وحدوث أمراض بعينها. كما أنه مِنَ المُفتَرض أنّ البروتينات (الزُمَر) المَنَاعية إنما توجَد لكي تحمي أجسامنا مِنَ الأمراض لا أنْ تكون سبباً في حدوثها! فكيف اكتشف العلماء وجود علاقة بين حدوث بعض الأمراض ووجود مورثات معينة في المادة الوراثية؟

 

المصدر:

كتاب "قصة المناعة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
31 مايو 2023
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.