صحــــتك

أول زرع ناجح لبطارية تنظيم دقات القلب

بطارية تنظيم القلب (ناظم الخطى)
مخطط زرع بطارية القلب الداخلية (ناظم الخُطى)

في الثامن مِنْ شهر أكتوبر سنة 1958 تمّ في السويد أول زرع ناجح لجهاز منظم لنبض القلب يعمل بالبطارية داخل جسم الإنسان. تمَّت هذه العملية على يد الجراح السويدي الشهير أيك سنينغ Ake Senning (1915-2000) وكان من تصميم الطبيب المهندس رون إيلمكويست Rune Elmqvist (1906-1996). زُرع هذا الجهاز في جسم مهندس كان عمره آنذاك 43 سنة واسمه آرن لارسن Arne Larsson.

كان سينينغ رئيس قسم جراحة الصدر في مستشفى كارولينسكا في ستوكهولم، وكان قد اطلع على استخدام ليليهاي للأسلاك الكهربائية والأجهزة الخارجية المؤقتة لتنظيم النبض في عمليات القلب. وكان إيلمكويست قد تخرج مِنْ كلية الطب ولكنه تحول للعمل في الهندسة، وقام بتصميم جهاز تخطيط قلب كهربائي محمول وجهاز طباعة يعمل بنفث الحبر.

عمل هذان العالِمان معاً منذ أوائل الخمسينيات لتطوير جهاز صادم للقلب يمكن استخدامه أثناء عمليات القلب. لاحظا أنّ أهم مشكلة يمكن أنْ تَحدث للمريض في استخدام الأسلاك المتصلة بالقلب والجهاز الخارجي لتنظيم النبض هي حدوث الالتهابات الجرثومية، إذ يمكن أنْ تتسرب الجراثيم إلى داخل الجسم على الأسلاك، خاصة إذا اضطر المريض لاستخدامها فترة طويلة. قاما بأبحاث مكثفة لتصميم جهاز صغير منظِّم لنبض القلب، يعمل بالبطارية، ويمكن زرعه داخل جسم المريض بشكل كامل دون أنْ تبرز منه إلى خارج الجسم أية أسلاك أو توصيلات قد تؤدي إلى حدوث الالتهابات.

نجحا في تصميم جهاز يعمل ببطاريتين مِنَ السيليكون والكادميوم تغذيان الدارة الكهربائية لمنظِّم النبض الذي كان صغيراً ولا يستهلك طاقة كهربائية عالية بفضل استخدام ترانزيستورات السيليكون. كانت البطاريات مِنْ نوع لا يحتاج شحنه لأكثر مِنْ 12 ساعة مرة واحدة كل أسبوع، ويتم ذلك عبر الجلد باستخدام شاحن خارجي. تم صنع الجهاز بكامله يدوياً، ووضع في محفظة من مادة صمغية لا تسبب أي تفاعل في الجسم. كان قطر الجهاز الدائري بكامله 55 مم وسمكه 16 مم فقط.

العملية والمريض

أُدخل المريض لارسن إلى المستشفى بسبب إصابته بإحصار قلب تام ونوبات إغماء متكررة على مدى ستة أشهر. حدثتْ له نوبات الإغماء 20 – 30 مرة في اليوم، وفقد الأطباء الأمل في علاج حالته الصعبة بعد أن استخدموا في علاجه كثيراً من الأدوية مثل الإفيدرين والأتروبين والأيزوبرينالين والكافئين والديجوكسين وحتى المشروبات الكحولية ..!

تمت عملية زرع البطارية بكثير من السرية والحذر لتجنب وسائل الإعلام. أُجرِيت العملية مساءً في وقت تكون فيه غرف العمليات خالية. زرع سلكان كهربائيان في عضلة القلب وتم تمريرهما تحت الجلد ووصلهما بالجهاز المنظِّم للنبض الذي وضع تحت الجلد في منطقة البطن. اشتغلت أول بطارية لمدة ساعات قليلة فقط، وكتب سينينغ قائلاً: " زرعتُ البطارية الأولى ولكنها لم تعمل سوى 8 ساعات فقط. افترضتُ حدوث أذية أو خدش في التوصيلات الكهربائية، ولم يكن لدي بطارية ثانية إلا في المختبر. زرعتُ البطارية الثانية صباح اليوم التالي ". اشتغلت البطارية الثانية بشكل جيد لمدة أسبوع واحد، قام الجهاز خلاله بتنبيه القلب بمعدل ثابت قدره 70 نبضة في الدقيقة.

ماذا حدث للرواد؟

توفي المهندس/الطبيب رون إيلمكويست Rune Elmqvist سنة 1996، وظلّ الجراح أيك سنينغ Ake Sening يعمل بنشاط في جراحة القلب حتى توفي سنة 2000، أما المريض لارسن فقد عاش أطول مِنْ عمر الجراح والمهندس اللذين أنقذا حياته. احتاج لارسن خلال حياته إلى تبديل أسلاك بطارية القلب خمس مرات، وتبديل البطارية 22 مرة، واستخدم 11 نموذجاً مختلفاً مِنْ منظمات نبض القلب، قبل أنْ يُتوفى في 28 ديسمبر سنة 2001 إثر إصابته بمرض السرطان عن عمر بلغ 86 سنة!

 

إيك سينينغ Ake Senning (1915-2000) رائد جراحة القلب السويدي الذي كان أول من زرع جهازاً داخلياً لتنظيم نبض القلب سنة 1958.

fig69

رون إيلمكويست Rune Elmqvist (1906-1996) الطبيب المهندس السويدي الذي صنع أول جهاز داخلي لتنظيم نبض القلب سنة 1958.

 

آرن لارسون Arne Larsson (1915-2001) المهندس السويدي الذي زُرعتْ له أول بطارية داخلية منظمة لنبض القلب قام بتصميمها إيلمكويست وزرعها سينينغ في مستشفى كارولينسكا في السويد سنة 1958.

 

fig73

أول بطارية داخلية لتنظيم نبض القلب زُرعتْ في السويد سنة 1958

 

 

كرافورد وسينينغ وإيلمكويست، ثلاثة رواد كبار من السويد

 

تطورت أجهزة تنظيم دقات القلب كثيراً بعد ذلك الزرع الناجح الأول، وأصبحت قابلة للمتابعة والبرمجة، وأضيفت لها تقنيات ألكترونية متقدمة فأصبحت قادرة على تسجيل تخطيط القلب، ومعلومات المريض الحيوية، وقدرتها على إزالة الرجفان البطيني، وتنسيق انقباض عضلة القلب ... تشكل قصة تنظيم نبض القلب وتطوير الأجهزة الإلكترونية التي تُستخدم في علاج اضطرابات كهربائية القلب رواية مثالية عن فوائد التعاون والعمل الجماعي المشترك بين المهندسين وأطباء القلب والجراحين والمرضى. فبفضل هذا التعاون أمكن التوصل إلى حلول ناجعة، وفتح آفاق جديدة في علاج مرضى القلب، كما فُتح المجال واسعاً لظهور شركات صناعية عالمية ناجحة. رسم التعاون بين هؤلاء الرواد قصة نجاح باهرة لعمل فريق الأطباء والمهندسين في محاولاتهم المستمرة لمد يد العون والرعاية للمريض.

 

المصدر:

كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجاله" للدكتور عامر شيخوني

آخر تعديل بتاريخ
30 مارس 2023
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.