أثار ظهور المتحولات الجديدة في فيروس كورونا قلق العالَم وقلق الهيئات الصحية العالمية، خاصة عندما انتشرت بعض هذ المتحولات الجديدة بشكل أوبئة محلية أو جائحة عالمية تبدو أحياناً أكثر خطراً من الفيروس الأصلي الذي ظهر في الصين في أواخر 2019.
-
هل تحولات فيروس كورونا جديدة؟
فيروسات كورونا هي من نوع الفيروسات التي مادتها الوراثية من نوع الحمص النووي RNA، وهي معروفة بكثرة تغيرها وسهولة تحورها، مثل فيروسات الإنفلونزا التي تتحفنا كل عشر سنوات تقريبا بمتحول جديد ينتشر بشكل جائحة عالمية، ويضطر العلماء إلى تعديل لقاح الإنفلونزا كل سنة لكي يضمنوا حماية الناس من هذا المرض الذي قد يؤدي إلى وفاة كثير من البشر، خاصة من المسنين والمصابين بأمراض تنفسية أو قلبية مزمنة.
ولذلك لم يستغرب العلماء والأطباء ظهور متحولات جديدة في فيروس كورونا الذي سبب جائحة عالمية شرسة من مرض كوفيد 19، وأدى إلى إصابة حوالي 200 مليون إنسان ووفاة حوالي خمسة ملايين منهم حتى الآن.
وفي الحقيقة، اكتشف العلماء وجود تغيرات في المادة الوراثية لفيروس كورونا الجديد منذ بداية الجائحة، إلا أن هذه المتحولات الجديدة لم تسبب انتشاراً غير عادي لهذا المرض، حتى ظهر متحول جديد أسرع انتشاراً من الفيروس الأصلي اكتشف وجوده أولاً في بريطانيا في سبتمبر 2020. ثم تتالى ظهور المتحولات في أفريقيا الجنوبية والبرازيل والهند وغيرها من دول العالم.
ولذلك لجأ العلماء إلى نظام خاص من أحرف وأرقام لتسمية هذه المتحولات الجديدة لتسهيل تصنيفها ومتابعة انتشارها وتغيرها. وكذلك وضعت منظمة الصحة العالمية نظاماً لتصنيف المتحولات الجديدة باستخدام أحرف اللغة اليونانية، يمكن التعرف إليها من خلال الجدول التالي:
-
ما أهمية تحديد التغيرات الوراثية في هذه المتحولات؟
- لا يكشف اختبار مسحة كشف وجود فيروس الكورونا الأصلي كثيرا من المتحولات الجديدة، وربما تظهر النتيجة سالبة، ولذلك يجب ألا يعتمد الأطباء فقط على نتيجة اختبار المسحة لوضع تشخيص الإصابة، بل يجب الاعتماد على الأعراض وعلى تطور حالة المريض بالإضافة إلى الفحوصات والتحاليل الطبية.
- معرفة التغيرات الوراثية الجديدة تساعد على صنع تحاليل مخبرية ومسحات نوعية تكشف هذه المتحولات. وبالتالي معرفة ومتابعة مدى انتشارها بدقة أكبر، واكتشاف قدرتها على العدوى وعلى إحداث المرض بالنسبة إلى الفيروس الأصلي.
- كما أن معرفة التغيرات الوراثية بدقة تساعد على صنع لقاحات أكثر فعالية ضدها. وقد تبين بعد دراسات عديدة للبنية الوراثية في المتحولات الجديدة أن أهم التغيرات هي تلك التي تحدث في المورثة التي تتعلق بصنع بروتين الشوكة (البروتين S) الذي يساعد فيروس كورونا على الالتصاق والدخول إلى الخلايا الحية ليتكاثر فيها وينشر العدوى.
-
دراسة جديدة من البيرو عن المتحول لامبدا
نشرت دراسة جديدة عن تفاصيل المادة الوراثية في أحدث المتحولات المهمة في فيروس كورونا، وهو المتحول لامبدا في أميركا الجنوبية. اكتشف وجود هذا المتحول الجديد في مدينة ليما عاصمة البيرو في شهر ديسمبر 2020. واتضح أن قدرته على الانتشار أكبر من الفيروس الأصلي، كما أن فعالية اللقاحات الحالية ضده أضعف من فعاليتها ضد الفيروس الأصلي، مما أدى لظهوره بشكل موجة قوية في عدد من الدول.
ودرست المادة الوراثية التي تتعلق بصنع بروتين الشوكة في هذا المتحول لفيروس كورونا في 579 عينة في جامعات ليما في البيرو ومؤسسة ويلكم في تكساس بأمريكا.
وكشفت هذه الدراسة أن:
- سبب معظم الحالات كان المتحول البرازيلي P.1 (غاما)، ولكن أكثر من نصف الحالات أظهرت وجود تغير في المادة الوراثية لا يمكن كشفها بفحص المسحة PCR لفيروس كورونا الأصلي.
- وجود عدة تغيرات جديدة في مورثة بروتين الشوكة لهذا المتحول، خاصة في العينات التي جاءت من البيرو وتشيلي.
- تأثير مضادات الأجسام المصنوعة ضد الفيروس الأصلي أقل تأثيراً في المختبر على هذا المتحول الجديد.
- المتحول لامبدا هو تحول جديد فيه بعض سمات مشتركة مع المتحول البريطاني (ألفا) والمتحول الأفريقي (بيتا) والمتحول البرازيلي (غاما).
- كشف التغيرات في بنيته الوراثية يستدعي تغيير تركيب فحص المسحة PCR للوصول إلى تشخيص وجوده في الأنف والبلعوم بشكل صحيح، وربما تعديل تركيب اللقاحات الحالية ضد مرض كوفيد 19 لكي تكون أكثر فاعلية ضده.
-
لماذا تحدث التحولات في فيروسات كورونا؟
التحولات أو التغيرات هي طفرات أو أخطاء تحدث كثيرا في الفيروسات والجراثيم بشكل عام أثناء تكاثرها، خاصة في الفيروسات التي مادتها الوراثية من نوع الحمض النووي RNA. والغالبية العظمى من هذه التغيرات تكون فاشلة وتزول تماماً لأنها لا تمنح الفيروس المتحول أية ميزات في الانتشار والتكاثر. ولكنها في حالات نادرة جداً تشكل متحولات أكثر نجاحاً في الالتصاق بخلايا حية جديدة والتكاثر فيها.
ولذا، كلما تكررت دورات تكاثر الفيروس وانتقاله لإصابة مزيد من البشر، ارتفعت فرصة حدوث تغيرات أثناء تكاثره في الخلايا الحية المصابة. أي أن احتمال ظهور متحولات جديدة يكون أكبر كلما زاد انتشار العدوى بهذا الفيروس، أما إذا انخفض انتشار العدوى بسبب حدوث مناعة طبيعية في المجتمع (مناعة القطيع) أو بسبب انتشار أخذ اللقاح ضد هذا الفيروس بنسبة كافية في المجتمع (مناعة اللقاح)، فإن هذا يؤدي إلى انخفاض فرصة نشوء متحولات جديدة.
ومن هنا تأتي ضرورة نشر استعمال اللقاحات الفعالة ضد هذا الفيروس لمنع حدوث المرض، ولمنع انتشار العدوى، وكذلك لمنع نشوء متحولات جديدة قد تكون أقدر على الانتشار وأكثر ضرراً وفتكاً من الفيروس الأصلي.