تعتبر العيوب الخلقية في الجهاز التناسلي الأنثوي أمرًا غير نادر، إذ تصيب من 1% إلى 3% من النساء، وتختلف ما بين عيوب خلقية في الرحم، مثل: الرحم ذي القرنين، أو الرحم المزدوج، أو الرحم الطفلي، أو الحاجز الرحمي، وعيوب خلقية في المهبل، مثل: الحاجز المهبلي المستعرض، أو الحاجز المهبلي الكامل، والانسداد المهبلي نتيجة عيوب خلقية في تكوين غشاء البكارة، مثل: غشاء البكارة المصمت، أو غشاء البكارة الغربالي، وتحدث هذه العيوب الخلقية في الطور الجنيني أثناء نمو الأنثى داخل رحم الأم.
ويعد غياب الرحم الخلقي أو ما يعرف بمتلازمة ماير (Mayer-Rokitansky-Küster-Hauser (MRKH) Syndrome) أحد العيوب الخلقية التي تصيب الجهاز التناسلي، لواحدة من كل 4500 أنثى حديثة الولادة، فتعاني هذه الحالات من عدم وجود الرحم والمهبل، بالرغم من وجود المبيضين اللذين يعملان بشكل طبيعي، ووجود نمط كرموسومي أنثوي (46-XX)، وأعضاء تناسلية خارجية طبيعية.
ما هي أسباب غياب الرحم الخلقي؟
أجرى الأطباء العديد من الدراسات حول أسباب غياب الرحم الخلقي، وتمكنوا من تحديد تغيرات في الجينات المسؤولة عن التطور الجنيني للجهاز التناسلي في المصابات بمتلازمة غياب الرحم الخلقي، إلا أنهم لم يعثروا عليها إلا في عدد صغير من المصابات بالمتلازمة، فإلى الآن لم يتوصلوا إلى كون هذه التغيرات الجينية هي السبب الرئيسي في حدوث مشاكل التطور والنمو في الجهاز التناسلي الأنثوي.
وتعود متلازمة غياب الرحم الخلقي إلى التطور غير المكتمل لقناة مولريان (Müllerian duct)، وهي العضو الجنيني الذي يتطور إلى الرحم، وقناتي فالوب، وعنق الرحم، والجزء العلوي من المهبل. اشتبه الباحثون في الماضي بأن متلازمة غياب الرحم الخلقي كانت ناجمة عن عوامل بيئية أثناء الحمل، مثل: بعض الأدوية، أو مرض الأم، ومع ذلك؛ لم تحدد الدراسات اللاحقة أي ارتباط بين تناول الأمهات أي أدوية وحدوث هذه المتلازمة.
ما هي أنواع غياب الرحم الخلقي؟
تنقسم حالات متلازمة غياب الرحم الخلقي إلى نوعين:
1. متلازمة غياب الرحم الخلقي من النوع الأول: (MRKH Syndrome Type 1)
يقتصر العيب الخلقي -في هذا النوع- على الرحم، وقناتي فالوب، وعنق الرحم، والجزء العلوي من المهبل فقط، ولا توجد أي تشوهات خلقية في الأعضاء الأخرى.
2. متلازمة غياب الرحم الخلقي من النوع الثاني: (MRKH Syndrome Type 2)
تعاني النساء في هذا النوع من تشوهات خلقية في الأعضاء الأخرى مثل: الكُلى، والعمود الفقري.
ما هي أعراض غياب الرحم الخلقي؟
غالبًا ما تتمثل أعراض هذه المتلازمة عند سن البلوغ، ووقت نزول الحيض، فتتمثل الأعراض في:
- انقطاع الطمث الأولي، وعدم نزول الحيض عند سن البلوغ، بالرغم من وجود الأعضاء التناسلية الأنثوية.
- ألم أثناء الجماع.
- انخفاض عمق المهبل وعرضه.
- عدم القدرة على الإنجاب (العقم الأولي): يحدث هذا بسبب غياب الرحم، إلا أن المبيضين يعملان بشكل طبيعي.
- وفي النوع الثاني، قد تظهر بعض الأعراض المتعلقة بتشوهات الأعضاء الأخرى -بالإضافة للأعراض السابقة- مثل: الفشل الكلوي، أو تشوهات العمود الفقري، أو انخفاض طفيف في السمع، أو عيوب خلقية في القلب.
كيف تُشخص متلازمة غياب الرحم الخلقي؟
تُشخص حالات غياب الرحم الخلقي من النوع الأول غالبًا في مرحلة البلوغ أو المراهقة المتأخرة (عند سن 16 عامًا)، عندما تكون الفتاة قد ظهرت عليها علامات الأنوثة والبلوغ؛ إلا أنها لم تحِض. أما في حالات غياب الرحم الخلقي من النوع الثاني فقد يكون التشخيص مبكرًا؛ بسبب المضاعفات المتعلقة بالعيوب الخلقية في الأعضاء الأخرى.
ونظرًا لتعدد أسباب غياب الحيض أو انقطاع الطمث الأولي؛ فيجري الأطباء فحص الموجات فوق الصوتية على البطن والحوض، وفي هذه الحالة سيظهر المبيضان بشكل طبيعي، ولن يظهر الرحم أو عنق الرحم أو المهبل، عندها يستلزم على طبيب الأشعة فحص الكليتين، والبحث عن وجود أي عيوب خلقية بهما؛ لتحديد ما إذا كان غياب الرحم الخلقي من النوع الأول أم الثاني. وعادةً ما ينصح الأطباء بإجراء تصوير الرنين المغناطيسي على البطن والحوض والعمود الفقري للوصول إلى التشخيص بدقة.
ما هو علاج غياب الرحم الخلقي؟
- التأهيل النفسي: يعد العلاج النفسي والتأهيل أولى خطوات علاج حالات غياب الرحم الخلقي، فمن المهم دعم هؤلاء المصابات وأهلهن، وتهيئتهم نفسيًا، وتخفيف الأثر النفسي لعدم قدرتهن على الإنجاب.
- علاج تشوهات المهبل: يكون ذلك عن طريق التدخل الجراحي من خلال عملية توسيع المهبل، فيتمكن الجراح من إنشاء مهبل وظيفي باستخدام رقعة جلدية من أرداف المريضة، أو جزء من الأمعاء، وإعادة وظيفته قدر المستطاع، مما يسمح لها بعلاقة زوجية لكن دون إنجاب، وقد يكون توسيع المهبل دون تدخل جراحي عن طريق التوسيع الذاتي، وذلك بأن تستخدم المريضة قضيبًا صغيرًا لتوسيع المهبل تدريجيًا مدة 10 إلى 30 دقيقة، من مرة إلى 3 مرات يوميًا. وبمرور الوقت، ستلجأ المريضة إلى استخدام موسعات أكبر، وقد يستغرق الأمر بضعة أشهر للحصول على النتيجة المرجوة، فيمكن استشارة الطبيب بشأن إجراء التوسيع الذاتي لمعرفة ما يجب فعله، والتحدث معه أيضًا عن الخيارات المتاحة فيما يتعلق بالموسع لتحديد النوع الأنسب، وينصح الطبيب بإجراء التوسيع الذاتي على فترات، أو ضرورة ممارسة الجماع بشكل متكرر بمرور الوقت؛ للحفاظ على طول المهبل.
- علاج المشكلات والمضاعفات المصاحبة لغياب الرحم الخلقي في حالات النوع الثاني:
كما ذكرنا سابقًا في النوع الثاني من حالات متلازمة غياب الرحم الخلقي؛ تكون المريضة معرضة لمشكلات ومضاعفات أخرى، مثل: الفشل الكلوي، وحصى الكلى ،مع زيادة فرصة حدوث التهابات المسالك البولية. وكذلك في حالات تشوهات العمود الفقري، فقد تخضع المريضة للعمليات الجراحية، والعلاج الطبيعي لتصحيح هذه التشوهات.
- زراعة الرحم: تعد عملية زراعة الرحم خيارًا محتملًا لعلاج حالات غياب الرحم الخلقي، ومساعدتهن على الإنجاب، وغالبًا ما تجرى عمليات زراعة الرحم من رحم سيدة متوفاة، وتتركز الأبحاث والتجارب السريرية حاليًا على إجراء عمليات زراعة الرحم من رحم سيدات أحياء متبرعات، وبالرغم من عدم انتشار عمليات زراعة الرحم؛ إلا أنها تمثل مستقبلًا واعدًا، وأملًا للإنجاب لحالات غياب الرحم الخلقي.
كيف يمكن منع متلازمة غياب الرحم الخلقي؟
لا توجد طريقة للوقاية من متلازمة غياب الرحم الخلقي (MRKH)، فيمكن أن تحدث عند الفتيات اللاتي ليس لديهن تاريخ عائلي لمثل هذه الحالات، أو يمكن أن يكون وراثيًا (متوارثًا في عائلتك).
هل يمكن لحالات غياب الرحم الخلقي إنجاب أطفال؟
نعم، يمكن للحالات اللاتي يعانين من غياب الرحم الخلقي MRKH إنجاب طفل، فالمبيضان يعملان ويفرزان الهرمونات بشكل طبيعي، ويحدث التبويض شهريًا بصورة طبيعية، لذلك يمكن إخصاب البويضات بالحيوانات المنوية عن طريق تقنيات التلقيح المساعد وأطفال الأنابيب، ثم يتم نقل الجنين إلى سيدة أخرى فيما يعرف بتأجير الرحم أو الأم البديلة، فتحمل الطفل حتى الولادة.
ختامًا..
قد يكون اكتشاف الإصابة بمتلازمة غياب الرحم الخلقي أمرًا مربكًا، ورغم كونه مرضًا غير مهددٍ للحياة؛ إلا أنه يحتاج تقديم مزيد من الدعم والتوعية النفسية للفتيات المصابات وأسرهن، فيتعاون الطبيب والأخصائي النفسي مع طبيب النساء وطبيب التجميل؛ لتحقيق خطة العلاج المرجوة، وتحقيق أقصى استفادة لهذه الحالات.
المصادر:
1- https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/23380-mayer-rokitansky-k%C3%BCster-hauser-syndrome
3- https://medlineplus.gov/genetics/condition/mayer-rokitansky-kuster-hauser-syndrome/