بالنسبة لبعض السيدات، فإن الولادة هي تجربة إيجابية مغيرة للحياة ويمكنهن النظر إليها باعتزاز ومحبة رغم الآلام التي تحدث فيها. لكن، بالنسبة لأخريات، يمكن أن تكون الولادة تجربة مؤلمة جدا ومخيفة ولا يرغبن أبدا بتذكرها، بل ويبذلن جهدا لنسيانها. وقد يكون السبب في ذلك هو الآثار الجسدية والنفسية على حد سواء، بالإضافة إلى التسبب في إصابات جسدية. ويمكن أن تسبب الولادة الصعبة الكثير من الندوب النفسية، مثل قلق ما بعد الولادة، كرب ما بعد الولادة وصعوبة الارتباط بطفلك.
ما الذي يجعل تجربة الولادة مخيفة ومؤلمة لهذه الدرجة؟
إن تحديد ما يجعل تجربة الولادة مؤلمة أمر شخصي، ويختلف من أم لأخرى. ومع ذلك، هناك ظروف يمكن أن تزيد من فرصة التعرض لصدمة عند الولادة. وهي:
- الولادة الطويلة الأمد.
- فقدان الاحترام والكرامة أثناء الولادة.
- نقص التواصل مع مقدمي الرعاية.
- ألم شديد أثناء المخاض أو الولادة.
- الخوف على حياة الطفل أو صحته.
- الخوف على حياة الأم أو صحتها.
وبشكل عام، قد تكون الولادة مؤلمة إذا كان هناك عدم تطابق حقيقي بين توقعات ولادة المريضة وتجربتها الفعلية. وفي كثير من الأحيان قد يكون المريض في سيناريو يشعر بأنه خارج عن السيطرة، وقد يتضمن ذلك مواقف تبدو مؤلمة بشكل واضح، مثل تجربة تهدد الحياة، ولكن يمكن أن يشمل أيضًا المواقف التي تبدو طبيعية للبعض الآخر.
كيف يمكن للولادة الصعبة أن تؤثر على الأم جسديا؟
تختلف الآثار الجسدية للولادة المؤلمة من حالة إلى أخرى، اعتمادًا على تجربتك. ربما تكونين قد عانيت من تمزق أو ولدت باستخدام الملقط أو الشفط، فقد يتسبب ذلك في الشعور بالألم ومشاكل أخرى مثل سلس البول. ويمكن أن تؤدي الولادة المؤلمة أيضًا إلى مشاكل في إنشاء روتين إيجابي للرضاعة الطبيعية، فضلاً عن عدم القدرة على بناء أواصر محبة وحميمية مع الطفل. وقد يستمر الألم طويل الأمد، وفي حين أن بعض المريضات قد يتجاوزن الموضوع بسرعة، لكن، بالنسبة لأخريات قد يستمر الألم الجسدي والعاطفي فترة طويلة، وقد يؤثر أيضا على علاقتهن الجنسية والزوجية.
كيف يمكن للولادة الصعبة أن تؤثر عليك نفسياً؟
بالنسبة للعديد من الأمهات اللواتي عانين من ولادة مؤلمة، فإن ندوبهن العاطفية تكون أعمق من ندوبهن الجسدية. الخوف والحزن والخسارة كلها مشاعر مرتبطة بالولادة المؤلمة. وقد تعانين أيضًا من كرب ما بعد الصدمة أو اكتئاب ما بعد الولادة. حتى أن بعض الأبحاث تشير إلى أن اللواتي مررن بتجربة ولادة سلبية هن أقل عرضة لإنجاب المزيد من الأطفال.
وفي هذا الصدد تقول راشيل بنجامين، كبيرة المعالجين ومديرة مركز للعلاج النفسي في نيويورك: "أحد الآثار العاطفية الدائمة التي تتركها صدمة الولادة هي الشعور المستمر بالخوف والخسارة، ويتضمن ذلك الخسارة المتعلقة بتجربة الولادة الآمنة، وفقدان السيطرة أثناء الولادة أو المخاض، والشعور بفقدان حياة الأم أو الطفل أو كليهما، ويمكن أن يتسبب ذلك في حدوث توتر داخل العلاقات، خاصة إذا كان المقربون منك يعتقدون أن إنجاب طفل جديد يجب أن يعوض عن أي صدمة تعرضت لها".
وقد تشعر بعض السيدات اللواتي عانين من تجربة صادمة بالحزن في ما يتعلق بتجربة ولادتهن، والعزلة عن أفراد الأسرة وعن الذين قد لا يفهمون تجربتهن. وقد تعاني البعض منهن من اضطراب ما بعد الصدمة الصريح، والذي يمكن أن يشمل نوبات من استعادة تجربتهن السلبية، واضطرابات النوم، وأعراض القلق، والانفصال عن أطفالهن أو شركائهن أو عائلاتهن. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخوف من ذكرى التجربة السلبية يمكن أن يسبب اليقظة المفرطة، وهو ما قد يؤثر على قدرتهن على الارتباط بالطفل.
وفي بعض الأحيان، يستمر هذا الشعور حتى بعد أن يكبر الطفل، فتظل الأم في حالة دائمة من التأهب خوفا من حدوث شيء ما للطفل، أو مشكلة طبية تحتاج إلى المراقبة، ويبدو أن هذا له الأسبقية على التواصل مع الطفل. وإذا لم تتم معالجة الأم، يمكن أن تستمر هذه اليقظة المفرطة لسنوات، ما يتسبب في تأثير كبير على كيفية تربية الطفل. وقد يستمر قلق الأم بشأن الطفل حتى في سن ما قبل المدرسة وتشعر بقلق شديد على سلامة طفلها أو بشأن أي إجراءات طبية لا علاقة لها بالولادة، لأن تجربة الصدمة الماضية تخلق شعورًا بأنها دائمًا في حالة طارئة وليست لديها القدرة على الاسترخاء في الوقت الحاضر.
ما هو اضطراب ما بعد الصدمة بعد الولادة وكيف تعرفين إذا كان لديك؟
غالبًا ما يرتبط اضطراب كرب ما بعد الصدمة بالجنود العائدين من الحرب. ومع ذلك، بالنسبة للأمهات اللواتي عانين من ولادة مؤلمة، فإن ما يصل إلى ربعهن سيعانين من أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة التالي للولادة. ومن أعراضه:
- استرجاع الأحداث الصادمة.
- الكوابيس.
- الأفكار الدخيلة.
- صعوبة التواصل مع الطفل.
- صعوبة النوم.
- عدم الثقة في النظام الطبي.
- القلق أو نوبات الهلع.
- اليقظة المفرطة.
- لوم الذات.
ويعد اضطراب كرب ما بعد الصدمة التالي للولادة منهكًا بشكل كبير، حيث يعيد المصابون تجربة الحدث الصادم من خلال ذكريات الماضي أو الكوابيس، والتي يمكن أن تسببها المشاهد أو الأصوات أو الروائح المرتبطة بالولادة. ويمكن أن يؤثر هذا على العلاقات وحتى على قدرة الأم على التواصل والترابط مع طفلها.
وبعض علامات اضطراب ما بعد الصدمة تغمرها المشاعر والذكريات والأحاسيس واسترجاع الأحداث الصادمة، وقد يتضح أيضًا من خلال اليقظة المفرطة تجاه صحتنا أو صحة الطفل، أو زيادة القلق أو نوبات الذعر، أو الشعور بالإرهاق من المحفزات الخارجية من الأماكن التي تذكرنا بتجربة الولادة، أو الشعور بعدم الوجود حتى في الأنشطة التي كانت في السابق ممتعة.
كيفية التعافي بعد الولادة الصعبة
تتمثل الخطوة الأولى للتغلب على الصدمة في تحديد جانب تجربة الولادة المؤلمة ثم مناقشة هذا الأمر مع أخصائي طبي لديه فهم لمفهوم الولادة المؤلمة. والخطوة التالية هي التواصل مع شخص يمكنه تحمل الصدمة معك، وليس تجاوزها بسهولة، ولكن اتركي مساحة للتحدث والشعور بالحزن ومواجهة ومعالجة ما حدث أو يحدث. ويمكن أن يكون هذا مع شريكك أو معالج طبي نفسي، أو مجموعة علاجية لنساء مررن بالتجربة نفسها، أو أحد أفراد الأسرة، أو صديق. وبعد أن تناقش وتظهر السيدة كل مشاعرها، وتواجه، وتحزن، يمكنها الاستفادة من الصدمة لمعرفة ما قد يأتي بعد ذلك، وما قد ترغب في بنائه، وإعادة تنظيمه، وإعادة العمل فيه أثناء نقل الصدمة من الحاضر إلى الماضي.
أخيراً..
ربما يكون من الصعب توضيح سبب كون تجربة الولادة مؤلمة وصعبة، خاصة عندما تبدو النتيجة إيجابية للأخريات. ومع ذلك، من المهم أن تدركي أن مشاعركِ صحيحة وأنه من غير المحتمل أن تختفي من تلقاء نفسها. على الرغم من أن الانفتاح على من حولك يمكن أن يساعدهم على فهم ما تشعرين به، فإن طلب المشورة من مختص نفسي يفهم الولادة المؤلمة ربما يكون مفتاح الشفاء الحقيقي.
* المصدر: