قد يبدو هذا العنوان غريباً لغير العاملين في مجال الطب، ولكن هذا النوع من العمليات قد بدأ في التطور منذ عقود قليلة، وأخذت نتائجه بالتحسن مع تطور تقنيات الهندسة الطبية الحديثة. فكر الأطباء بهذه العمليات لعلاج بعض الأمراض التي يكتشفونها في بعض الأجنّة خلال فترة الحَمل، وذلك باستخدام التصوير بالأمواج فوق الصوتية في معظم الأحيان. إنما لم يكن علاجها ممكناً داخل الرحم أثناء الحياة الجَنينية، وكانوا يلجؤون عادة إلى استعداد فريق الأطباء المناسب للتدخّل بعد الولادة، ومازالوا يفعلون ذلك، حتى تطورت بعض تقنيات الهندسة الطبية.
عملية استئصال ورم في قلب جنين!
في سنة 2021، قام فريق جراحي بقيادة جراح القلب السعودي د. هاني نجم، رئيس قسم جراحة القلب عند الأطفال في مستشفى كليفلاند كلينيك بأمريكا، بإجراء عملية ناجحة لاستئصال ورم في قلب جَنين عمره نحو ستة أشهر وهو في داخل رَحم الأم. أخرج الجَنين جزئياً من رَحم الأم، وتمت عملية استئصال الورم الذي كان يضغط على القلب ويؤثّر على عمله وتطوره، ثم أعيد الجَنين إلى رَحم الأم بسلامة. استغرقت العملية حوالي 4 ساعات، وتم الحَمل بنجاح. ولِد الطفل بعد ذلك بعملية قيصرية دون مضاعفات قلبية، وتمت مراقبته بضعة أيام في وحدة العناية المركزة، إلى أن تخرج من المشفى سالماً.
عمليات جنينية أخرى
أجريت في السنوات الثلاث السابقة بعض العمليات الجراحية على الأجنّة أثناء فترة الحَمل في عدد من دول العالم، مثل أمريكا وبريطانيا، لعلاج بعض الحالات التي تم اكتشافها أثناء الحمل، والتي كانت ستعرّض الجنين إلى الوفاة أو الإصابة بتشوهات شديدة. أجريت مثل هذه العمليات لاستئصال بعض الأورام، وكذلك لإصلاح بعض العيوب في العمود الفقري والدماغ.
تداخل علاجي لتصحيح مرض وعائي دماغي خطير
نُشر تقرير في أوائل مايو 2023 عن إجراء أول عملية من نوعها في العالَم لعلاج مرض وعائي خطير في دماغ جنين أنثى عمرها 34 أسبوعاً. اكتشفت إصابة الجَنين عند فحصها بالأمواج فوق الصوتية بمرض وعائي خطير في الأوعية الدموية في الدماغ. تم تشخيص الإصابة الخلقية بأنها حالة تشوه وريد جالينوس، وهي نوع من الاتصال غير الطبيعي بين أحد شرايين الدماغ مع وريد جالينوس، وهو من أكبر أوردة الدماغ. تؤدي هذه الحالة عادة إلى تضخم أوردة الدماغ إلى نوع من الورم الوعائي الدموي الذي يشكل خطراً على حياة الجَنين، وإذا تمّت الولادة، يتعرّض الوليد إلى إصابات عصبية شديدة، وإلى فشل خطير في عمل القلب يهدد حياة الوليد، ويؤدي عادة إلى الوفاة. يتم تشخيص الحالة أثناء الحَمل عادة بالتصوير بالأمواج فوق الصوتية، أو بالرنين المغناطيسي.
أجريت العملية في مشفى الأطفال بمدينة بوسطن في أمريكا، وهي المرة الأولى في العالَم التي تطبق فيها هذه الطريقة في علاج هذا التشوه الخَلقي الخطير. تم إغلاق الاتصالات غير الطبيعية في الأوعية الدموية لدماغ الجَنين عن طريق القسطرة بدَلالة الأمواج فوق الصوتية، وتم إغلاق هذا الاتصال الشاذ بنجاح، ولكن العملية أدّت إلى تمزق أغشية الحَمل داخل الرَّحم، مما أدى إلى ولادة الطفلة بعد يومَين. تمت مراقبة الوليدة في العناية المركزة بضعة أسابيع لمراقبة حالتها العصبية وحالة دماغها. بعد ستة أسابيع من الولادة، صرّح الأطباء أن الوليدة بصحة جيدة، وأن دماغها بحالة جيدة، وفحصها العصبي طبيعي، ولم يُظهِر التصوير بالرنين المغناطيسي حدوث أي جلطات، أو نزف، أو تراكم للسوائل في الرأس.
آمال للمستقبل
تمثل هذه العمليات والتداخلات العلاجية على الجَنين أثناء الحَمل مقاربة جديدة ربما سيكون لها نتائج ناجحة في علاج بعض الأمراض أثناء الحياة الجَنينية، قبل أن تستفحل وتسبب أضراراً يصعب علاجها بعد الولادة.
المصادر:
Fetal and neonatal cardiac tumors - PubMed (nih.gov)
Baby Is Thriving After In-Utero Surgery To Remove Tumor (today.com)
Fetal treatment for vein of Galen malformations - Boston Children's Answers (childrenshospital.org)