يعتبر "الهربس البسيط" أو "الحلأ البسيط" أو "التهاب الفم واللثة العقبولي"، والذي يعرف كذلك بعقبول الفم واللثة، واحدا من أكثر الأمراض التي تصيب الأطفال في فترة الطفولة الأولى شيوعا، حيث يتعرض أكثر من ثمانين في المائة من الأطفال للإصابة بدرجة معينة بهذا المرض، قبل السنة الخامسة من عمرهم.
اقــرأ أيضاً
لكن ورغم شيوع الإصابة بهذا المرض، إلا أن الخطأ يقع بشكل متكرر من قبل الممارسين الصحيين، في إدراك هذا المرض وتشخيصه الصحيح، وبالتالي علاجه. وبما أن هذا المرض هو من الأمراض التي تشفى بشكل تلقائي من ذاتها، وبواسطة دفاع جهاز المناعة فقط، فإن الكثير من الأخطاء التشخيصية والعلاجية تمر بسلام دون أن تترك آثارا أو عقابيل تتبع الإصابة، إلا فيما ندر، حيث تشكل الإصابة بهذا المرض وبنسبة ضعيفة خطرا حقيقيا مهددا لحياة الطفل، يجب تشخيصه وعلاجه بدقة وعناية.
* الأسباب
يعتبر النمط الأول من فيروس الحلأ البسيط (الهربس) السبب الرئيس في ظهور حالة عقبول الفم واللثة، وهو يختلف في آلية الإصابة وموضعها، عن نظيره النمط الثاني، والذي يصيب بشكل أساسي المنطقة التناسلية عند كلا الجنسين من البالغين، وبشكل راجح عند النساء ويعتبر من الأمراض المنتقلة بالجنس.
وينتقل فيروس الحلأ البسيط (الهربس) عن طريق إفرازات الفم والبلعوم عند المصافحة والتقبيل والتنفس وجهاً لوجه، وله قدرة جيدة على التواجد في السوائل والهواء والأسطح المجاورة لعدة ساعات.
وتذكرالدراسات والأبحاث أن الإصابة بهذا الفيروس تعتمد أيضا على الاستعداد الشخصي، حيث يعتبر ما يقارب 85 في المائة من مجموع البشر قابلين للعدوى والإصابة، بينما يوجد 15 في المائة من البشر تحميهم أجهزتهم المناعية من الإصابة بهذا الفيروس ولأسباب غير معروفة.
* ظهور المرض
عند التعرض لأول مرة للعدوى بفيروس الحلأ البسيط، وغالباً ما يحدث ذلك في سني الطفولة الخمس الأولى، فإن الإصابة تأخذ شكلا يسمى الشكل الأولي للإصابة.
ويتجلى هذا الشكل في:
- ارتفاع متفاوت في درجات الحرارة قد يصل في بعض الأحيان إلى ما فوق الأربعين درجة مئوية.
- وقد ترافقه أعراض احتقانية في الأنف والبلعوم، تشبه أعراض أغلب حالات الإصابة بفيروسات الزكام.
- ثم لا تلبث أن تظهر في داخل جدران الفم وعلى سطح اللسان، قرحات متعددة الأشكال والاتساع.. بيضاء إلى رمادية اللون، تحيط بقواعدها هالات حمراء، وتكون هذه القرحات التي تنكشف في بؤرها سطوح الأعصاب الحسية مؤلمة بشدة، خاصة عند ملامسة الأطعمة والمشروبات لها، مما يجعل الطفل يبتعد عن الأكل والشرب تجنبا للألم.
وفي هذه المرحلة تحدث أخطاء التشخيص، حيث يظن بعض الأطباء أن تلك القرحات تابعة لما يسمى "مرض القلاع" والذي يحدث آفات مؤلمة لكنها تكون محصورة في الوصل الشفوي اللثوي، وتكون قليلة العدد، ولا يكون فيروس الحلأ البسيط وراء الإصابة بها، وبذا تختلف طريقة علاجها.
وقد يذهب البعض في خطأ التشخيص إلى درجة الخلط بين إصابة العقبول والإصابة بفطريات الكانديدا أو المبيضات البيض، وهي إصابة تتجلى بظهور أغشية بيضاء على السطوح المخاطية داخل الفم وفوق اللسان، ولا تسبب الألم والإزعاج كما هي الإصابة بالعقبول، وتكون معالجتها باستخدام الأدوية المضادة للفطريات.
* مخاطر الإصابة
قد تأخذ الإصابة في بعض الأحيان شكلا أوسع، فتصل القرحات إلى عمق الحلق مؤدية إلى عسرة شديدة في البلع وامتناع الطفل التام عن الأكل والشرب، مما يؤدي إلى الجفاف وهبوط سكر الدم. ويصبح، في هذه الحالة، وضع الطفل داخل المستشفى لتلقي المحاليل الوريدية أمراً واجباً، حتى يبدأ تراجع الإصابة ويتمكن الطفل من أخذ ما يلزم من الشراب والغذاء عن طريق الفم.
كما يمكن للإصابة أن تمتد خارج الفم، فتصيب جلد الوجه أو كرة العين أو طبلة الأذن، محدثة آفات مؤلمة شديدة ومؤثرة. كما أن فيروس الحلأ البسيط قد يمتد ضمن المجرى الدموي، ليحدث إصابات بعيدة عند جنين الحامل وفي الكلى والكبد، وفي الدماغ أيضا، بخاصة في الفص الصدغي، محدثاً أعراضاً لالتهاب الدماغ وظهور تشنجات عصبية مرافقة، وكلها مراحل من الإصابة تعتبر مهددة لحياة الطفل.
* العلاج
يعتبر التشخيص الدقيق والباكر للحالة مهما جدا لوقف انتشار الفيروس داخل الجسم، والحد من تطور الآفات المؤلمة في الفم أو حدوث الإصابات البعيدة الأوسع التي تكلمنا عنها. وعند وضع التشخيص ينصح بالمباشرة بالدواء النوعي، المضاد لفيروس العقبول البسيط وهو "أسيكلوفير"، والذي يتواجد على شكل شراب وأقراص ومراهم وحقن وريدية، ويكون الطبيب المعالج هو جهة تقرير طريقة ونوع العلاج حسب درجة الإصابة.
وعند تراجع الإصابة، وبغض النظر عن درجتها، فإن فيروس الحلأ البسيط لا يغادر جسم الإنسان بشكل كامل، إنما يبقى هاجعا خامدا ضمن بعض العقد العصبية، ليعاد تفعيل الإصابة عند هبوط مناعة الإنسان لأي ظرف من الظروف، كالمرض والحرارة والشدة النفسية.
لكنه وفي هذه المرحلة، فإن جهاز المناعة الذي سبق له التعرف على الفيروس، يقوم بتحديد الإصابة بسرعة، ويحصرها في مكان صغير في الوصل الجلدي الشفوي من الفم، وهي ما نسميه في الطب "الإصابة الثانوية"، أي المُعاد تفعيلها، وما يسميه الناس في الحياة العامة بـ"حبة السخونة" أو "قبلة السخونة" أو ما شابه من تسميات تختلف باختلاف البلد.