حتى الماضي القريب كانت العملية القيصرية تُجرى فقط كملاذ أخير عندما لا تتم الولادة الطبيعية كما هو مخطط لها، أو عندما يكون هناك خطر داهم على الأم أو على الطفل لا مفر أمامه من بَضْعِ بطن الأم؛ لاستخراج المولود من قلب الرحم، لكن، ماذا هو الرأي الطبي عندما يتعلق الأمر بممارسة الجماع بعد الولادة القيصرية؟
لمحة موجزة عن الولادة القيصرية Cesarean section
القيصرية هي عملية جراحية يتم فيها توليد الجنين من خلال شق جراحي يتم فتحه في البطن والرحم، يمكن أن تكون الأم الحامل على علم مسبق بأنها تحتاج إلى العملية القيصرية، أو قد يتم إجراؤها خلال الولادة الطبيعية؛ عندما تكون حياة الأم أو الطفل في خطر.
وفي بلاد العم سام يتم اللجوء إلى العملية القيصرية بكثرة، وتقول الإحصاءات الرسمية الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض هناك إن ثلث عمليات الولادة تجري بهذه الوسيلة. وتتم الولادة بالقيصرية تحت التخدير العام أو تحت التخدير الموضعي (التخدير فوق الجافية)، وبشكل عام؛ يمكن القول إن الولادة القيصرية هي عملية آمنة للأم والطفل، إلا أنها قد لا تخلو من المخاطر، التي من بينها العدوى، وفقدان الدم، وإصابة الأمعاء والمثانة، وضعف جدار الرحم، وإصابة الجنين، ناهيكم عن المخاطر المحتملة للتخدير.
متى يمكن ممارسة الجماع بعد الولادة القيصرية؟
إن التعافي من الولادة القيصرية يحتاج إلى بعض الوقت، ويمكن للعلاقة الحميمية أن تكون آخر شيء يدور في ذهن المرأة في ظل دخول مولود جديد إلى حياتها، ومع ذلك فإنه لا بد من معرفة الوقت الذي يجب أن تنتظره بعد العملية القيصرية إلى حين ممارسة الجنس، خاصة أن الجرح الذي تتركه هذه العملية قد يكون مصدر قلق وانزعاج وعدم راحة. وعلى أرض الواقع، ليست هناك قاعدة ثابتة للجميع حول المدة التي يجب التقيد بها قبل العودة إلى الجماع، لأن كل امرأة تختلف عن الأخرى، وأن كل واحدة تتعافى بمعدل يختلف عن سواها.
لكن، بشكل عام يمكن القول إنه يجب الصبر من 4 إلى 6 أسابيع بعد الولادة قبل استئناف النشاط الجنسي، ولكن هناك فئة من النساء قد يتعافين وينقطع النزف ويندمل الجرح، ويكنّ مستعدات للقيام بالجماع في وقت أبكر. في المقابل، إذا حدثت مضاعفات أثناء الولادة القيصرية أو بعدها فعندها لا مفر من الانتظار لمدة أطول، قد تصل من 8 إلى 10 أسابيع؛ لمنع حدوث المزيد من الضرر، وكذلك من أجل إفساح الفرصة للأنسجة المتضررة كي تلتئم على أفضل ما يرام.
في كل الأحوال، حبذا لو تم ترك القرار النهائي في العودة إلى ممارسة الجماع بعد الولادة القيصرية إلى مقدم الرعاية الصحية، ففي جعبته الجواب اليقين لتفادي أخطار ومضاعفات لا لزوم لها.
6 نصائح لتجنب أخطار الجماع بعد الولادة القيصرية:
سيدتي: إذا اتخذتِ قرارك في العودة إلى ممارسة النشاط الجنسي والجماع بعد الولادة القيصرية من تلقاء نفسك أو بعد الحصول على الضوء الأخضر من قبل مقدم الرعاية الطبية، فإن هناك عددًا من النصائح التي يجب عليك أخذها في عين الاعتبار هي:
- الحرص على عدم الضغط على الجرح أثناء ممارسة الجماع بعد الولادة .
- اختيار الوقت المناسب الذي تشعرين فيه أنك مستعدة للوصال الجنسي.
- اختيار الوضعيات الجنسية المناسبة التي لا تضغط على الرحم وعلى جرح العملية القيصرية.
- استعمال المزلقات المهبلية في حال المعاناة من جفاف المهبل جراء التبدلات الهرمونية الطارئة، فالجفاف يخلق صعوبات وآلامًا على صعيد الإيلاج. إن المزلقات تجعل الجنس أكثر متعة.
- عدم الحمل مرة أخرى قبل مرور ما لا يقل عن 6 أشهر إلى 18 شهرًا على الولادة، من أجل إعطاء الرحم الوقت الكافي للشفاء، وتجنب المضاعفات. يجب التحدث مع مقدم الرعاية الطبية حول خيارات منع الحمل المناسبة، لتفادي وقوع الحمل قبل تعافي الرحم بشكل كامل.
- تجنبي الجماع بعد الولادة قبل مرور 6 أسابيع على العملية القيصرية، للحماية من وقوع العدوى في الرحم، فعنق الرحم في الفترة المذكورة يبقى مفتوحًا، كما تكون البكتريا المهبلية النافعة التي تؤمن الحماية للرحم قليلة نسبيًا، وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الجراثيم الشريرة التي يمكنها أن تعيث فسادًا في الرحم.
مفاهيم خاطئة
قبل أن نصل إلى مسك الختام في هذا الموضوع، فإن هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي قد تدور في مخيلة النساء اللاتي خضعن للعملية القيصرية لا بد من تبديدها، وفيما يلي نستعرض هذه المفاهيم:
أولًا: يمكن ممارسة الجماع بعد الولادة القيصرية
خطأ. إن الولادة بعملية قيصرية لا تعني بأي حال من الأحوال أنه يمكنك ممارسة الجماع بعد الولادة على الفور، فجسمك بشكل عام، ورحمك بشكل خاص، يحتاجان إلى التعافي، من هنا؛ تُمنع ممارسة الجماع بعد الولادة إطلاقًا قبل مرور 6 أسابيع؛ لإفساح المجال أمام التئام جرح الرحم وجرح البطن.
ثانيًا: النزف المهبلي لن يحدث بعد القيصرية
خطأ. إن النزف المهبلي سيحصل في فترة ما بعد الولادة القيصرية تمامًا، كما هو الحال مع الولادة الطبيعية، مع فارق بسيط هو أن كمية الدم في الولادة القيصرية تكون أقل منها في الولادة المهبلية، أما السبب فيرجع إلى أن بعض الدم يتم التخلص منه أثناء الجراحة القيصرية.
ثالثًا: إن النزف المهبلي بعد القيصرية هي مسألة أيام فقط
خطأ. سيدتي: على الرغم من أنك لم تضعي طفلك عن طريق المهبل، فإنك ستظلين تعانين من النزف المهبلي طيلة الأسابيع الأربعة أو الستة التي تلي الولادة القيصرية، إلى أن يعود الرحم إلى حجمه الطبيعي.
رابعًا: إن الجماع بعد الولادة القيصرية سيكون أقل ازعاجًا وإيلامًا
خطأ. إن الحصول على الضوء الأخضر في ممارسة الجنس من قبل مقدم الرعاية المختص لا يعني أبدًا أن الجنس سيكون مريحًا وغير مؤلم، ففي دراسة أسترالية شاركت فيها 1200 امرأة نشرت عام 2015 في المجلة الدولية لأمراض النساء والولادة، جاءت النتائج لتكشف أن اللاتي خضعن للولادة القيصرية كان الجماع بعد الولادة القيصرية عندهن أقل راحة وأكثر إيلامًا أثناءه وبعده، مقارنة بالأمهات اللاتي وضعن أطفالهن عن طريق الولادة المهبلية.
خامسًا: يمكن تخطي تمارين كيجل في حال الولادة القيصرية
خطأ. سيدتي: إذا كنت تعتقدين بأنه بإمكانك التغاضي عن تمارين كيجل -سيئة السمعة- لأنك وضعت مولودك بالعملية القيصرية فإن هذا هو الخطأ بأم عينه، فتمارين كيجل ليست للمهبل فقط، بل لكل عضلات الحوض، خاصة العميقة منها، فهذه (أي عضلات الحوض) تتأثر بالولادة أيًا كان نوعها، سواء كانت طبيعية أم قيصرية، يمكنك سيدتي أن تبدئي بتمارين كيجل بعد الولادة متى شئتِ.
ومن باب التذكير، فإن تمارين كيجل تفيد في شد عضلات قاع الحوض التي تدعم الرحم والمثانة والأمعاء الدقيقة والمستقيم، أما أداؤها فيتطلب:
- شد قاع الحوض كما لو كنت تحاولين إيقاف البول في منتصف الطريق.
- استمري في عملية الشد لمدة 10 ثوان، ثم أرخي عضلاتك واستريحي لمدة 10 ثوان.
- كرري التمرين ما لا يقل عن 10 مرات فأكثر، وعلى ثلاث مجموعات يوميًا أو أكثر، إذا كانت لديك الرغبة في ذلك.
ختاماً, إن الولادة بالعملية القيصرية ليست نزهة بسيطة كما يتخيل البعض، فهي لا تخلو من المخاطر كما هو الحال مع أي عملية جراحية. يحتاج الجسم بعد القيصرية إلى التعافي الذي يتطلب وقتًا يختلف من امرأة إلى أخرى. لا شك أن القيصرية تعطل الحياة الجنسية لبعض الوقت، وهنا تطرح المرأة سؤالها: متى يمكنها ممارسة العلاقة الحميمية بعد الولادة بالقيصرية؟ بصراحة، إن الجواب بسيط للغاية، إذ لا توجد قاعدة في هذا الخصوص؛ لأن كل امرأة تتعافى بوتيرة تختلف عن نظيرتها.
بشكل عام؛ ينصح الأطباء بإعطاء الوقت الكافي الذي يدور في فلك 6 أسابيع قبل ممارسة الجنس، من أجل إعطاء الرحم الفترة اللازمة للشفاء، وتفادي مضاعفات محتملة. ليس هناك وقت يناسب الجميع، ولعل خير ما يمكن قوله في هذا المجال هو أن تصغي المرأة إلى لغة جسدها بعد الولادة القيصرية، فهذا كفيل بإعطائها إشارة الانطلاق لممارسة النشاط الجنسي.
