بينما كنت في صدد جمع بيانات بخصوص هذا الموضوع، الذي يحظى باهتمام عالمي منذ خمسة عشر عاما، دون الخلوص لنتائج مؤكدة - أغلبها تكهنات ومحاذير ومحاولات لدراسة الأمر تتعرض للكثير والكثير من المعوقات التي سنتعرض لها بشكل مفصل إلى حد ما؛ إذ بي أفاجأ بتحذير أعلنته إدارة الأغذية والدواء الأميركية في هذا الشأن، تلاه مقال مفصل نشر في مجلة "نيو إنغلاند" الطبية المحكمة في هذا الخصوص.
اقــرأ أيضاً
* هل هناك بالفعل تأثيرات سلبية لأدوية التخدير على المخ البشري النامي؟
* هل هناك بالفعل تأثيرات سلبية لأدوية التخدير على المخ البشري النامي؟
كان هذا الأمر هو أحد محاور اهتمام إدارة الغذاء والدواء الأميركية منذ عام 2007، بل إنه كان أحد أهم محاور مناقشة اللجنة العلمية للإدارة في عام 2014، وقد أصبح هناك اتجاه وقتها إلى أن الأمر بالفعل قد يثير بلبلة، خاصة أنه قد يثير فزعا غير مبرر، ويمنع الآباء من إجراء جراحات لأبنائهم قد تكون عاجلة وضرورية، ولا مناص من إجرائها، وهو ما قد يصبح مصحوبا بآثار سلبية جمة، إلا أن ذلك الاجتماع للجنة العلمية قد أوصى وذهب إلى أن طرح الأمر للنقاش بين الأطباء والوالدين هو أمر ضروري، وهام ويجب البدء فيه.
وفي ذلك العام 2014 كانت المعلومات المتاحة من الدراسات، التي تم إجراؤها على الحيوانات، تشير إلى أن كل أدوية التخدير الكلي، بما فيها مثبطات مستقبلات NMDA (والتي تستخدم كمخدرات وقائية للمخ عند تعرضه لإصابة مباشرة، أو نقص في وصول الدم أو الأكسجين)، تسبب آثارا سلبية آنية عصبية تشريحية وتدهوراً وظيفياً طويل الأمد إن لم يكن دائما، وذلك في كل الأنواع بدءاً بالديدان، ووصولا للرئيسيات غير البشرية.
* لماذا يعتبر الخلوص لنتائج مؤكدة تخص البشر أمراً صعبا؟
يبدو أن تعرض الأطفال للتخدير الكلي لمرة واحدة، ولوقت قصير، هو أمر مطمئن إلى حد كبير، وغير مصحوب بمخاطر جمة، إلا أن تدهور الوظائف المصاحب لتعرض الأطفال للتخدير لفترات طويلة ومتكررة هو أمر يصعب تفسيره، وترجمته لنتائج واضحة ومؤكدة، لأن أغلب تلك الإجراءات الجراحية إن لم تكن كلها تكون مدفوعة بأسباب طبية وجيهة، لا يمكن التغاضي، أو غض الطرف، عنها.
كذلك فتلك الجراحات الطويلة لا تجرى لأطفال أصحاء، إذ لا يمكن أن نتوقع جراحة تستمر ما يزيد عن الثلاث ساعات لطفل معافى وسليم، علاوة على أن الأطفال الذين يولدون مبتسرين أو مصابين بعيوب خلقية في القلب، على الأغلب قد تعرضت أمخاخهم بسبب ذلك إلى نقص في وصول الأكسجين، وأعراض التهابية قد تكون السبب الرئيسي في تدهور وظائف أمخاخهم، وقبل التعرض للتخدير من الأصل.
اقــرأ أيضاً
* نقطة هامة علينا أن نشير إليها..
كل الدراسات الكبرى التي أجريت، حتى اللحظة، تشير إلى أن التعرض للتخدير الكلي لمرة واحدة، ولفترة بسيطة، لا يكون مصحوبا بأي تدهور في وظائف مخ الأطفال. كذلك تشير الدراسات إلى أن تعرض الأم الحامل للتخدير لا يؤثر بأي حال من الأحوال على وظائف مخ الجنين النامي في أحشائها، وهو الأمر المطمئن. كذلك فهناك العديد من الدراسات الكبرى، التي لا تزال تجرى الآن في هذا الخصوص، والتي ننتظر أن تمدنا بنتائج أكثر تحديدا، وتأكيدا، خلال السنوات القليلة القادمة.
* ماذا كان نص تحذير إدارة الغذاء والدواء الأميركية؟
جاء ذلك التحذير الأخير في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي مفاجئا بكل المقاييس لكل العاملين في المجال الطبي، خاصة وأن اجتماع اللجنة العلمية في 2014 لم يخلص وقتها إلى توصيات محددة، وأن الدليل العلمي على تلك التأثيرات السلبية على أطفال البشر ليس ثابتا بذلك التأكيد، كما أن الدراسات قد خلصت إلى أن التعرض لمرة واحدة، ولفترة قصيرة، غير مصحوب بمخاطر، بالإضافة إلى أنه لا توجد دراسات كافية حول تأثير أدوية التخدير الكلي على أجنة البشر إذا ما تعرضت الأم الحامل للتخدير الكلي أثناء الفترة الأخيرة من الحمل.
إلا أن ذلك التحذير في صيغته الحالية سيثير الكثير من البلبلة والتساؤل، وربما يؤثر على شكل الخدمة الطبية، وجدواها بين الأطباء، ومقدمي الخدمة، والآباء، والمجتمع ككل. ويقول نص التحذير (إن إدارة الدواء والأغذية الأميركية تحذر من مخاطر التخدير الكلي أو التنويم الطويل أو المتكرر على الأطفال أقل من ثلاث سنوات، وعلى أجنة الحوامل في الثلث الأخير من فترة الحمل حيث يحمل تأثيرات ضارة على الأمخاخ النامية).
ثم ذهبوا إلى أنهم يوصون بإدراج ذلك التحذير في نشرات تلك الأدوية الخاصة بالتخدير والتنويم، وإطلاع المجتمع عليها بشكل صريح وواضح، كما أنهم يعدون باستمرار إجراء البحوث للخلوص إلى نتائج أكثر تحديدا ووضوحا، ويعدون بإبقاء العامة على اطلاع بكل جديد يطرأ في هذا الخصوص.
إلا أنهم يعودون ليشيروا إلى أن تلك الجراحات قد تكون ضرورية وهامة، ولا يجب التراخي حينها في إجرائها، بل إن تلك الجراحات قد تكون لعلاج ما قد يسبب التهاون بشأنه الموت، وحينها فإن إجراء تلك الجراحات حتمي، ولا مناص منه، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك حين أشاروا إلى أن تداعيات وتأثيرات الألم الذي لا يتم تسكينه في هؤلاء الأطفال دون الثالثة، قد يكون مصحوبا بأضرار أضخم على الأمخاخ النامية للأطفال.
وأوصوا الأطباء ومقدمي الخدمة الطبية بوجوب مقارنة فوائد إجراء الجراحة في ذلك العمر المبكر بأضرارها، ثم تحديد الأكثر فائدة وتنفيذه. كما أوصوا الآباء والحوامل بمناقشة تلك الأمور مع أطبائهم، لتحديد التوقيت الأمثل لإجراء الجراحة لأبنائهم، وعدم تأجيلها أبدا متى كانت الجراحة لازمة وضرورية.
اقــرأ أيضاً
* تحذير في مقابل التحذير
أمام ذلك التحذير الذي صدحت به إدارة الأغذية والدواء الأميركية، استدعى الأمر تصاعد نبرات تحذيرية من جهات أخرى وأطباء معنيين بالأمر، حيث أعربوا من مخاوفهم من أن يسبب ذلك التحذير تأخرا في إجراء جراحات عاجلة وضرورية، خاصة وأن أغلب الجراحات التي تجرى في تلك السن هي من النوع الضروري، والعاجل، وغير القابل للتأجيل أو المساومة، خاصة وأنه لا بدائل عن تخدير الأطفال دون الثالثة بالتخدير الكلي إلا في بعض الحالات التي يتم فيها إجراء جراحات في النصف الأسفل من الجسم، حيث يمكن إجراؤها تحت تأثير التخدير النصفي، وهو الأمر الذي يكون كذلك مصحوبا بكثير من الصعوبات الإجرائية والمهارية.
أما بخصوص التنويم والتسكين فهناك الديكساميديتوميدين dexmedetomidine، والعقاقير الأفيونية opioids، والتي قد لا تسبب أضرارا للمخ النامي، إلا أنه لا يمكن أيضا استخدامها كبديل عن التخدير الكلي. وعلى هذا فقد يربك هذا التحذير المجتمع، ويسبب من الأضرار أكثر مما يسبب من المنافع، خاصة مع عدم وجود بدائل أو دراسات مؤكدة.
وفي ذلك العام 2014 كانت المعلومات المتاحة من الدراسات، التي تم إجراؤها على الحيوانات، تشير إلى أن كل أدوية التخدير الكلي، بما فيها مثبطات مستقبلات NMDA (والتي تستخدم كمخدرات وقائية للمخ عند تعرضه لإصابة مباشرة، أو نقص في وصول الدم أو الأكسجين)، تسبب آثارا سلبية آنية عصبية تشريحية وتدهوراً وظيفياً طويل الأمد إن لم يكن دائما، وذلك في كل الأنواع بدءاً بالديدان، ووصولا للرئيسيات غير البشرية.
* لماذا يعتبر الخلوص لنتائج مؤكدة تخص البشر أمراً صعبا؟
يبدو أن تعرض الأطفال للتخدير الكلي لمرة واحدة، ولوقت قصير، هو أمر مطمئن إلى حد كبير، وغير مصحوب بمخاطر جمة، إلا أن تدهور الوظائف المصاحب لتعرض الأطفال للتخدير لفترات طويلة ومتكررة هو أمر يصعب تفسيره، وترجمته لنتائج واضحة ومؤكدة، لأن أغلب تلك الإجراءات الجراحية إن لم تكن كلها تكون مدفوعة بأسباب طبية وجيهة، لا يمكن التغاضي، أو غض الطرف، عنها.
كذلك فتلك الجراحات الطويلة لا تجرى لأطفال أصحاء، إذ لا يمكن أن نتوقع جراحة تستمر ما يزيد عن الثلاث ساعات لطفل معافى وسليم، علاوة على أن الأطفال الذين يولدون مبتسرين أو مصابين بعيوب خلقية في القلب، على الأغلب قد تعرضت أمخاخهم بسبب ذلك إلى نقص في وصول الأكسجين، وأعراض التهابية قد تكون السبب الرئيسي في تدهور وظائف أمخاخهم، وقبل التعرض للتخدير من الأصل.
* نقطة هامة علينا أن نشير إليها..
كل الدراسات الكبرى التي أجريت، حتى اللحظة، تشير إلى أن التعرض للتخدير الكلي لمرة واحدة، ولفترة بسيطة، لا يكون مصحوبا بأي تدهور في وظائف مخ الأطفال. كذلك تشير الدراسات إلى أن تعرض الأم الحامل للتخدير لا يؤثر بأي حال من الأحوال على وظائف مخ الجنين النامي في أحشائها، وهو الأمر المطمئن. كذلك فهناك العديد من الدراسات الكبرى، التي لا تزال تجرى الآن في هذا الخصوص، والتي ننتظر أن تمدنا بنتائج أكثر تحديدا، وتأكيدا، خلال السنوات القليلة القادمة.
* ماذا كان نص تحذير إدارة الغذاء والدواء الأميركية؟
جاء ذلك التحذير الأخير في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي مفاجئا بكل المقاييس لكل العاملين في المجال الطبي، خاصة وأن اجتماع اللجنة العلمية في 2014 لم يخلص وقتها إلى توصيات محددة، وأن الدليل العلمي على تلك التأثيرات السلبية على أطفال البشر ليس ثابتا بذلك التأكيد، كما أن الدراسات قد خلصت إلى أن التعرض لمرة واحدة، ولفترة قصيرة، غير مصحوب بمخاطر، بالإضافة إلى أنه لا توجد دراسات كافية حول تأثير أدوية التخدير الكلي على أجنة البشر إذا ما تعرضت الأم الحامل للتخدير الكلي أثناء الفترة الأخيرة من الحمل.
إلا أن ذلك التحذير في صيغته الحالية سيثير الكثير من البلبلة والتساؤل، وربما يؤثر على شكل الخدمة الطبية، وجدواها بين الأطباء، ومقدمي الخدمة، والآباء، والمجتمع ككل. ويقول نص التحذير (إن إدارة الدواء والأغذية الأميركية تحذر من مخاطر التخدير الكلي أو التنويم الطويل أو المتكرر على الأطفال أقل من ثلاث سنوات، وعلى أجنة الحوامل في الثلث الأخير من فترة الحمل حيث يحمل تأثيرات ضارة على الأمخاخ النامية).
ثم ذهبوا إلى أنهم يوصون بإدراج ذلك التحذير في نشرات تلك الأدوية الخاصة بالتخدير والتنويم، وإطلاع المجتمع عليها بشكل صريح وواضح، كما أنهم يعدون باستمرار إجراء البحوث للخلوص إلى نتائج أكثر تحديدا ووضوحا، ويعدون بإبقاء العامة على اطلاع بكل جديد يطرأ في هذا الخصوص.
إلا أنهم يعودون ليشيروا إلى أن تلك الجراحات قد تكون ضرورية وهامة، ولا يجب التراخي حينها في إجرائها، بل إن تلك الجراحات قد تكون لعلاج ما قد يسبب التهاون بشأنه الموت، وحينها فإن إجراء تلك الجراحات حتمي، ولا مناص منه، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك حين أشاروا إلى أن تداعيات وتأثيرات الألم الذي لا يتم تسكينه في هؤلاء الأطفال دون الثالثة، قد يكون مصحوبا بأضرار أضخم على الأمخاخ النامية للأطفال.
وأوصوا الأطباء ومقدمي الخدمة الطبية بوجوب مقارنة فوائد إجراء الجراحة في ذلك العمر المبكر بأضرارها، ثم تحديد الأكثر فائدة وتنفيذه. كما أوصوا الآباء والحوامل بمناقشة تلك الأمور مع أطبائهم، لتحديد التوقيت الأمثل لإجراء الجراحة لأبنائهم، وعدم تأجيلها أبدا متى كانت الجراحة لازمة وضرورية.
* تحذير في مقابل التحذير
أمام ذلك التحذير الذي صدحت به إدارة الأغذية والدواء الأميركية، استدعى الأمر تصاعد نبرات تحذيرية من جهات أخرى وأطباء معنيين بالأمر، حيث أعربوا من مخاوفهم من أن يسبب ذلك التحذير تأخرا في إجراء جراحات عاجلة وضرورية، خاصة وأن أغلب الجراحات التي تجرى في تلك السن هي من النوع الضروري، والعاجل، وغير القابل للتأجيل أو المساومة، خاصة وأنه لا بدائل عن تخدير الأطفال دون الثالثة بالتخدير الكلي إلا في بعض الحالات التي يتم فيها إجراء جراحات في النصف الأسفل من الجسم، حيث يمكن إجراؤها تحت تأثير التخدير النصفي، وهو الأمر الذي يكون كذلك مصحوبا بكثير من الصعوبات الإجرائية والمهارية.
أما بخصوص التنويم والتسكين فهناك الديكساميديتوميدين dexmedetomidine، والعقاقير الأفيونية opioids، والتي قد لا تسبب أضرارا للمخ النامي، إلا أنه لا يمكن أيضا استخدامها كبديل عن التخدير الكلي. وعلى هذا فقد يربك هذا التحذير المجتمع، ويسبب من الأضرار أكثر مما يسبب من المنافع، خاصة مع عدم وجود بدائل أو دراسات مؤكدة.