في الواقع كانت تمثل كيفية استجابة الأطفال لفيروس كورونا المستجد أحد أكبر الألغاز منذ بداية انتشار الوباء عالمياً. حيث لا يبدو أن الأطفال، وخاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات، معرضون للإصابة بالفيروس مثل البالغين، والعلماء وأطباء الأطفال ليسوا متأكدين كيف ولماذا يحدث ذلك. إذ من المعروف أن الأطفال عادة هم أكثر عرضة للإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي.
بعد تقصٍّ دقيق وجد العلماء أن هناك خمسة احتمالات تساعد الأطفال في ذلك. لذلك فإننا في هذا المقال سنتعرف على هذه الاحتمالات التي تسهم بتخفيض إصابة الأطفال بكوفيد-19.
* خمسة احتمالات تفسّر كون الأطفال أقل تعرضاً لفيروس كورونا
بدون وجود صورة واضحة عن احتمالية الإصابة بالعدوى عند الأطفال، فإن السؤال المهم الذي يجب طرحه هو لماذا تكون إصابة الأطفال بكوفيد-19 قليلة مقارنةً بالبالغين؟ هل هناك فعلاً شيء بيولوجي خاص بهم من شأنه أن يجعلهم أقل عرضة للإصابة بالمرض إذا أصيبوا بالفيروس، أم أن هناك اختلافات سلوكية؟سنورد فيما يأتي خمسة احتمالات تفسر سبب إصابة الأطفال بكوفيد-19 بشكل أقل من البالغين:
-
يواجه فيروس كورونا صعوبة في دخول جسم الطفل
-
جهاز مناعة الطفل يستعد لنزلات البرد
وقد أفادت دراسة جديدة نُشرت يوم 5/11/2020 في مجلة Nature Immunology بأن الأطفال المصابين بفيروس كورونا ينتجون أجساماً مضادة أضعف وأنواعاً أقل منها مقارنة بالبالغين، ما يشير إلى أنهم يتخلصون من العدوى بشكل أسرع.
وأشارت دراسات أخرى إلى أن الاستجابة المناعية القوية جداً قد تكون السبب في جعل الأشخاص يعانون من مرض شديد أو يموتون من كوفيد-19. وقد يشير ضعف الاستجابة المناعية لدى الأطفال ضد كوفيد-19 بشكل متناقض إلى أنهم قد يتغلبون على الفيروس قبل أن تتاح له فرصة لإحداث فوضى في الجسم، وقد يساعد ذلك في تفسير سبب عدم إصابة الأطفال في الغالب بأعراض كوفيد-19 الخطيرة.
قال خبراء آخرون إن وجود أجسام مضادة أقل لا يعني أن الأطفال سيكونون أكثر عرضة لخطر العدوى. فالجسم فعلياً لا يحتاج إلى استجابة مناعية ضخمة وقوية جداً للحفاظ على الحماية على مدى فترة زمنية معينة.
في دراسةٍ أخرى نُشرت يوم 6/11/2020 في مجلة Science، قال الباحثون إن 5% فقط من الأشخاص البالغين وسطياً لديهم (أجسام مضادة Antibodies)، في حين أن 43% من الأطفال يملكون هذه الأجسام فعلياً ولذلك تنخفض إصابتهم بكوفيد-19.
حيث تقوم هذه الأجسام المضادة بالحدّ من نشاط الفيروسات، بما فيها فيروس كوفيد-19.
كما تشير الدراسة، التي نُشرت في مجلة Science Translational Medicine، إلى أن لدى الأطفال فرعاً من الجهاز المناعي مهيأ للحماية من مسببات الأمراض غير المألوفة، وهو يدمر بسرعة فيروس كورونا قبل أن يتسبب في تلف أجسامهم، إذ يستجيب الأطفال بشكل مختلف مناعياً لهذا الفيروس، وبذلك يحمون أنفسهم. في حين أن الاستجابة المناعية تكون عند البالغين أكثر صمتاً.
-
تزايد عوامل الخطر مع التقدم في العمر
الاحتمال الثالث هو أن هناك شيئاً مختلفاً في الجهاز المناعي عند الأطفال الصغار لم يأخذه العلماء بعين الاعتبار بعد؛ إذ مع تقدم الأطفال في العمر تمرّ أجسادهم بمرحلة البلوغ وهي تشبه حالة البالغين، إذ يبدؤون بالاستجابة للفيروس مثل البالغين أيضاً، وعلى سبيل المثال، في البلدان التي أعادت فتح المدارس، حدث العديد من حالات التفشي في المدارس الثانوية، في المقابل كانت هناك حالات إصابة بفيروس كوفيد-19 قليلة نسبياً في المدارس الابتدائية.
نعلم أن الأطفال الأكبر سناً هم أكثر عرضةً للإصابة لأنهم من الناحية الفسيولوجية مثل البالغين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تبدأ بعض عوامل الخطر مثل السمنة ومرض السكري في الظهور أيضاً في مرحلة المراهقة، وفي بعض الحالات، يمكن أن يزيد ذلك أيضاً من خطر الإصابة بالمرض.
-
العزلة الاجتماعية تحافظ على سلامة الأطفال الصغار
بدون تفسير بيولوجي واضح، وفي ضوء موجة انتشار الوباء الثانية، يتساءل بعض العلماء عما إذا كانت الإجابة تكمن في أن سلوك الأطفال وبيئتهم يمكن أن يؤديا إلى انخفاض إصابة الأطفال بكوفيد-19 في جزء كبير منه بسبب عدم التعرض للفيروس في الأصل. إذ مع تطبيق حجر المدارس الصحي، لم يعد الأطفال يختلطون مع الأطفال الآخرين، ولن يضطروا أبداً إلى مغادرة المنزل للذهاب للشراء من البقالة أو للعمل عمالا أساسين مثل بعض البالغين. باختصار، لم يكن للأطفال الصغار المستوى نفسه من التعرض مثل البالغين، خاصة خلال مراحل الحجر الصحي الأكثر صرامة. ومع ذلك، لا يزال من الممكن إصابة الأطفال من قبل والديهم الذين اضطروا إلى الخروج، ما يفسر العدد المحدود من الحالات.
ومن المعقول جداً الافتراض أن المراهقين يتمكنون من الاجتماع مع بعضهم كثيراً. أما بالنسبة لطفل يبلغ عمره ست سنوات فإنه لا يتسلل للنزول إلى الشارع للتسكع مع الأصدقاء. نظراً لأن أهلهم يتحكمون في حركاتهم، لذلك من السهل كثيراً حدوث تباعد اجتماعي وفرض ذلك على الأطفال الصغار جداً في سن المدرسة الابتدائية. لكن إذا بدأت القيود تُرفع وسُمح للأطفال بالخروج من المنزل مرة أخرى، فإن معدلات الإصابة لديهم ستأخذ في الارتفاع أيضاً.
-
لا يتم اختبار الأطفال في كثير من الأحيان
يشير هذا إلى أن انخفاض إصابة الأطفال بكوفيد-19 قد يكون بسبب عدم كفاءة اختبارات إصابتهم بالفيروس، لأنه ليس لديهم أي أعراض.
يقول الخبراء هناك عدد كبير من الإصابات غير المصحوبة بأعراض لدى الأطفال، ولذلك سيُمثّلون في الدراسات الكبيرة تمثيلاً ناقصاً نسبياً إذا لم يكن هناك تتبع وفحص على نطاق واسع للحالات، بما في ذلك الأفراد الذين لا تظهر عليهم أعراض.
* ما أهمية معرفتنا بإصابة الأطفال بكوفيد-19؟
يرى الباحثون أن اكتشاف حقيقة وجود أجسام مضادة عند الأطفال أمر مفيد جداً لتطوير اللقاحات. إذ يمكن للعلماء إنتاج لقاحات تعزز من إنتاج الأجسام المضادة من دون وجود الفيروس نفسه. حيث إنّ معظم البالغين محميون فعلياً بوساطة خلايا الذاكرة من الإصابات السابقة بفيروسات كورونا الأخرى التي تسبب نزلات برد. ومع أنّ عددا قليلا من البالغين تحتوي دماؤهم على أجسامٍ مضادة كافية لحمايتهم في أي وقت، إلا أنهم قد يتمكنون من صنع أجسامٍ مضادة بسرعة للتخفيف من آثار فيروس كورونا المستجد. وقد يفسّر ذلك سبب تعافي بعض المصابين بسرعة.* هل من نصائح؟
في حين أن الجدل حول مخاطر إصابة الأطفال بالفيروس وانتشاره لم يتم حسمه، فإن الخبراء يوجهون الناس إلى كيفية إيقاف انتشار فيروس كورونا المستجد، والقواعد تنطبق نفسها على الأطفال كما هي بالنسبة للبالغين:- - يجب وضع الكمامات عند الخروج من المنزل والوجود في تجمعات بشرية.
- - تنظيف اليدين جيداً بعد العودة من الخارج.
- - التهوية الجيدة للمنزل أو مكان العمل.
- - التباعد الاجتماعي عن الناس.
* الخلاصة
في حين أنه قد يبدو أن الأطفال أكثر مقاومة لفيروس كورونا المستجد، إلا أنه من الصعب معرفة ذلك على وجه اليقين لأن أعراضهم غالباً ما تكون أقل حدة من أعراض البالغين، وقد تحاكي أمراضاً أخرى.ولا شك بأن الآباء سعداء لأن أطفالهم قد حققوا نجاحاً ضد هذا الفيروس بالتحديد، لكن هذا لا يعني أن طفلك أو أي طفل آخر لن يمرض، ولا يعني أنه لا يمكن أن يصاب وينشر العدوى إلى أشخاص آخرين يمكن أن يمرضوا أكثر.
يبدو أنه حتى الأطفال الخدج وحديثي الولادة يتحملون الفيروس بشكل جيد، لكن مع ذلك يحذّر الخبراء من أنهم قد يتعرضون لخطر الإصابة بالمضاعفات، خصوصاً إذا كانوا يعانون من حالات صحية مزمنة.
بشكلٍ عام يجب على الآباء مراقبة الأطفال عن كثب إذا شعروا بإصابتهم بكوفيد-19، حمايةً لهم وللآخرين من حولهم، للتأكد من أنهم لا ينقلون العدوى إلى الأصدقاء والعائلة. وينصح الأطفال وعائلاتهم باتخاذ إجراءات وقائية، مثل غسل اليدين بالماء والصابون أو استخدام معقم اليدين الكحولي وتغطية الفم عند السعال.
المصادر
Immune responses to SARS-CoV-2 infection in hospitalized pediatric and adult patients
What’s the Deal With Kids and the Coronavirus: Five Leading Theories
Preexisting and de novo humoral immunity to SARS-CoV-2 in humans
Distinct antibody responses to SARS-CoV-2 in children and adults across the COVID-19 clinical spectrum